الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد اليمني يكتب: لحظة الاختيار الحق

صدى البلد


إن الشيء المُحير الذي يجعلنا نتيقن أن ثَمَّ شيء ما يدفع الإنسان للجوء إلى إله واحد فقط - الله رب العالمين- أيا كانت ديانته هي لحظة الاختيار الحقيقية، وتلك اللحظة هي التي يترك العقل فيها منبره الذي تعود على الإلقاء منه، ليحل محله القلب، وتلك اللحظة لا تتأتى إلا عند الإشراف الحقيقي على الموت، كلحظات الغرق مثلًا، أو الحوادث الجسيمة التي لا يُرجى فيها العودة للحياة مرة أخرى، فإذا حصل للعبد اليأس من كشف الضر من جهة المخلوقين، تعلق قلبه بالله وحده، عند تلك اللحظات يكون الدعاء من القلب فقط، وما هو القلب؟؟

 إنه الجوهر الإنساني أو لب الإنسانية الذي يكون به الإنسان موحدًا لله عز وجل، فكيف يلجأ القلب لسواه، والأمر كله لله وحده؟

 

ولذا لا نجد إنسان ما قد وُضع في لحظة قرار حقيقي إلا ودعا الله عز وجل وحده لا شريك له، قال تعالى: " وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا" "الإسراء".

ولذا لا نجد إنسان ما قد وُضع في لحظة قرار حقيقي إلا ودعا الله عز وجل وحده لا شريك له، قال تعالى: " وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا" "الإسراء 67" ، في تلك اللحظة يصل إيمان العبد إلى درجة إيمان الأولياء والصالحين، بيد أن الأولياء والصالحين إيمانهم مستمر لا يتغير بلحظة، وإيمان العبد صاحب الضر يكون فقط في حال الاضطرار والخطر.

قال الإمام ابن كثير: "يُخبر تبارك وتعالى أن الناس إذا مسهم ضر دعوه منيبين إليه مخلصين له الدين، ولهذا قال- تعالى-: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ أى: ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله- تعالى- كما اتفق لعكرمة بن أبى جهل، لما ذهب فارًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، فذهب هاربًا فركب في البحر ليدخل الحبشة، فجاءتهم ريح عاصف، فقال القوم بعضهم لبعض: إنه لا يغنى عنكم إلا أن تدعو الله وحده.

فقال عكرمة في نفسه: والله إن كان لا ينفع في البحر غيره، فإنه لا ينفع في البر غيره، اللهم لك على عهد لئن أخرجتنى منه، لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رءوفًا رحيمًا. فخرجوا من البحر، فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه- رضي الله تعالى عنه» .

وقوله- تعالى-: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا بيان لطبيعة الإنسان إلا من عصم الله."

ولن يكون لنا هنا دليل أكبر ممن ادَّعى لنفسه الألوهية، إنه "فرعون" موسى عليه السلام، فلن نجد أسوء منه حالًا في الكفر، فهو لم يشرك مع الله أحدًا، أو كفر بالله وآمن بشيء غيره، إنه فعل الأسوأ على الإطلاق، إنه زعم أنه هو الإله، ولذا كان مكانه في النار في أسفل سافلين.

ماذا قال فرعون لحظة الاختيار الحق؟ لقد دعا الله عز وجل، وقال كلمة كادت أن تكون توحيدًا ،" حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" "يونس-90"  حيث أن المتكلم الآن بلسان الحال هو القلب ، والقلب يعلم علم اليقين - حتى لمن ادَّعى عقله الشرك أو الكفر - أنه لا اله الا الله.

وفي هذا السياق أفادت الصحيفة الأسبوعية "باري ماتش - Paris Match " الفرنسية وصحيفة "بيلد - bild.de " الألمانية استنادًا إلى تسجيل أطلعا على مضمونه: (أن ركاب الطائرة الألمانية التابعة لشركة "جيرمان وينجز" أدركوا تمامًا أن الطائرة ستتحطم وصرخوا "يا الله" قبل التحطم.

وقالت "باري ماتش"، إنه "في هذا التسجيل يمكن سماع صراخ يا الله بلغات عدة"، مؤكدة أنه لا شكوك لديها حول مصدر التسجيل)

تصف "كارين أرمسترونج – Karen Armstrong" الإنسان في كتابها "تاريخ الإله – A History of God" بأنه كائن روحي، وتقترح للجنس البشري اسمًا آخر، ليصبح "الإنسان الدَّيِّن – Homo - religious" بدلًا من "الإنسان العاقل – Homo- sapiens". وتؤكد د. أرمسترونج بذلك أن المفاهيم الدينية فطرية عند الإنسان، ومن ثَمَّ من المستحيل استئصال شأفة الدين من النفس الإنسانية كما يطمع الملحدون، أي أن الأمر ليس "وهم الإله – The God Delusion" كما يَدَّعى "ريتشار دوكنز" بل وهم وخرافة إنكاره.

إن ما سبق يجعلنا ندحض ذلك الوهم الذي يسمونه بالإلحاد، والإلحاد الذي نختصه هو معرفه الله عز وجل ثم إنكاره نتيجة لفكر فلسفى خاص بأفراد، وليس فكر دينى عقدي خاص بأمم وشعوب وقبائل، وهذا لا نُطلق عليه "ديانة" بأى حال من الأحوال، فهي ليست ديانة سماوية، ولا ديانة وضعية، والفكر الفلسفي أمثلته متعددة ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر (الفكر الشيوعى، الفكر الماركسي، البرجماتى، الوجودى .. إلخ) فكل ذلك لا يعدو أراءًا فلسفية محضة تتبع فكرًا فلسفيًا ينبع من هوى بعض النفوس التي يُعلى إعلام الشر من شأنهم.

إن الذي يدفع هؤلاء المُلقِبون أنفسهم بالملحدين هو الكِبْر الذي يتولد في النفس، وهذا الكِبْر لن يغنى عنهم شيئًا، قال الله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" "غافر- 56" لقد أنبأنا رب العزة أن هذا الكبر لن يبلغوه، ونحن على يقين بهذا.