الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: يوم المرأة العالمي وعيد الأم

صدى البلد

في كل عام من مارس يركض أطفالي نحوي يحملون بعضًا من هدايا يخبؤونها خلف ظهورهم مبتسمين ممسكين بيدي ويقبلونها ويعطوني هداياهم التي اختاروها، ويعيّدوني بهذا اليوم فقط من كل عام على أساس أنه عيد الأم التي تضحي بكل ما لديها من أجل أطفالها الذين هم يحملون حلم مستقبلها الذي هي لم تعشه.


شهر مارس يحمل بين أيامه مناسبتين الأولى هي يوم المرأة العالمي الذي تحتفل به النسوة في كل العالم في الثامن من مارس والمناسبة الثانية هي عيد الأم. هاتان المناسبتان المجتمعتان في شهر مارس بكل تأكيد لهما دلالاتهما المعنويتين ولم يكونا صدفة أن اجتمعا في هذا الشهر بالتحديد. إذ، يعتبر شهر مارس بداية الربيع بكل ما يحمل من معاني جمال الطبيعة وألوانها الخلابة التي تمنح الإنسان الطمأنينة والارتباط بالطبيعة. 


وكذلك في شهر مارس يكون الانسان قد تحاوز وعدّ مرحلة الشتاء بكل ما يحمل من برودة وانكماش وتساقط أوراق الأشجار ليكون كئيبًا لا لون له. وفي 21 شهر مارس الذي يحتفل به على أنه عيد الأم عند بعض الدول هو نفس اليوم الذي يحتفل به الشعب الكردي على وجه الخصوص وشعوب المنطقة على وجه العموم بعيد نوروز الذي يمثل لهم بداية رأس السنة الربيعية وتساوي الليل مع النهار. وهو شهر المقاومة ضد كل الظالمين والاقصائيين الذين ينشرون الخراب في كل مكان حلّوا بها.


شهر مارس بكل تجلياته والمناسبات التي يحملها معه يعتبر له مكانة خاصة منذ قديم الأزل وحتى يومنا هذا عند الشعوب التي اعتمدت الزراعة أساسًا لها في تطورها ونهضتها. ملفت للانتباه أن يجتمع في هذا الشهر كل هذه المناسبات والمرتبطة بالمرأة على وجه الخصوص. الزراعة وكل ما لها من أعمال كثيرة تكون فيها المرأة هي العامل الأساس فيها منذ بدايتها وحتى موسم الحصاد. وكذلك الأعياد الخاصة بها. وهذا الارتباط ربما كان له بُعد تاريخي ومرتبط بالإلهة عشتار (ستيرا) التي يتم الرمز لها بشهر مارس والذي هو بداية التحول الموسمي نحو شهر الربيع.


وعليه يمكن القول ان شهر مارس هو شهر المرأة بكل ما للكملة من معنى والذي حمل شخصيتها الربيعية وصفاتها المثمرة وسلوكها المعطاءة. وإن الإكتفاء بالاحتفال بعدة أيام على أنها أعياد للمرأة هو إجحاف كبير بحقها ونقصان كبير لمكانتها. لأن المرأة المضحية طيلة أيام السنة لا يمكن شكرها ومباركتها على يوم أو يومين فقط من أيام السنة ومن بعدها العودة لما سبق من إهانة المرأة والخط من قيمتها وعزلها في البيت تحت الكثير من المسميات والعادات التي تقيد حرية المرأة.


الاحتفال بيوم المرأة العالمي والذي هو بحد ذاته يوم قاومت فيه المرأة من أجل نيل مكانتها وكرامتها وحريتها ضد المستغلين وأرباب العمل، هي نفسها المقاومة مستمرة ولم تنتهِ بعد لأن ما هو موجود الآن أسوء مما كان سابقًا وما يحاك ضد المرأة لا يمكن الاستهانة به. وكذلك بيوم الأم حينما نحتفل به هو احتفال ليس ليوم واحد فقط بل لا يمكن أن يتوقف هذا الاحتفال بكل تأكيد، لأن عطاء الأم لم يكن ليوم واحد فقط كي نبادلها الشكر في هذا اليوم فقط. العطاء الذي تحمله المرأة هو مستمر مثل التبع الذي لا ينضب من دون توقف.


لهذا لنجعل من كل أيام السنة أعيادا للمرأة عرفانًا على تضحياتها التي تقدمها ليس فقط في البيت ورعاية الأطفال، بل بما تواجهه من اجحاف بحقها من العقلية الذكورية المتحكمة بكل مفاصل حياتها وأدق تفاصيلها الشكلية أيضًا. بدءًا من ملبسها وتسريحة شعرها ومشيتها وجلوسها ونحافتها ونطقها وكل جزء من جسدها وروحها يتم التحكم به من قبل الرجل على أساس أنه له الحق في ذلك بما أنها ملكه هو فقط. وهنا نكون نناقض ذاتنا وكأن شيئًا لم يحصل ولم نهنىء الأم والمرأة بعيدها.


لا يمكن ان نعيّد المرأة والأم بهذه المناسبتين وفي اليوم التالي نرجع لعاداتنا التي تربينا عليها وكأن الذي قلناه لها قبل يوم قد نسيناه ولم نكن من عيدها وتمنى لها العمر المديد والصحة والعافية. ينبغي إعطاء المرأة والأم حقها من غير منّية لأنها تستحق أكثر مما نعطيه لها بكثير. لأنها هي الأم والمرأة والأخت والوطن والحياة بكل ممعناها. وبكل تأكيد لا يمكن تجزيئ الوطن والحياة لأيام معدودات وننتظر حياة سعيدة من بعدها. فإذا كانت المرأة هي الحياة فهنا نحن أمام لوحة علمية تكاملية لا يمكن تقسيمها وفق أهوائنا، بل علينا أحذ اللوحة ككل وبشكل عام. حينها يمكن أن يكون للحياة طعم ومعنى وكذلك للمرأة والأم.