الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمود جلال يكتب: ريادة الدول في مؤشر الابتكار العالمي (1)

صدى البلد

استكمالًا لسلسلة مقالات في سبيل مشروع قومي للاستثمار في الابتكار، نقدم سلسلة جديدة من المقالات تحت عنوان ريادة الدول في مؤشر الابتكار العالمي، وهي تمثل قراءة للتقارير السنوية للمؤشر، والتي تصدر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) التابعة للأمم المتحدة، نظرًا لما تمثله هذه التقارير من أهمية في فهم أعمق لمفهوم الابتكار، وكيفية تحفيز الأنشطة الابتكارية وقياسها، من أجل تحقيق النمو والرخاء والريادة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

وسوف تتناول هذه السلسلة العديد من النقاط ومنها تعريف الابتكار وأهميته في التنمية الاقتصادية والبشرية، وتعريف بمؤشر الابتكار العالمي وأهميته، وكيف يعمل على قياس وتقييم أداء الدول، وشرح مدخلات ومخرجات الابتكار وأهميتها والعائد منها، وكذلك شرح لمؤشر جودة الابتكار، وعرض الدول الرائدة في المؤشر على مستوى الدول مرتفعة ومتوسطة الدخل، والشرق الأوسط والدول العربية وأفريقيا، وكيف استطاعت هذه الدول الوصول لذلك، ومركز مصر في المؤشر، وختامًا بالتوصيات اللازمة لتحفيز ونمو الابتكار حتى يقوم بدوره الرئيسي كمحرك للنمو الاقتصادي والازدهار.


الجزء الأول: تعريف الابتكار وأهميته في التنمية الاقتصادية والبشرية.


يتحدث العالم بأسره اليوم عن الابتكار بجميع أشكاله بدءًا من رجال الصناعة والحكومات إلى المجتمع، خاصة في ظل الأزمات الطاحنة التي تواجه العالم الآن، حيث تسببت جائحة فيروس كورونا في توقف اقتصادي عالمي غير مسبوق، وتم توجيه معظم قدرات الابتكار العالمية في مجال الصحة، إذ ضخت البلدان مبالغ طائلة وغير مسبوقة من أجل البحث عن لقاح لفيروس كورونا، بالإضافة لتوجيه الابتكار في مجالات التعليم عبر الانترنت، والبيانات الضخمة، والتجارة الإلكترونية، والروبوتات، وبعد السيطرة على الجائحة قريبًا، سيحتاج العالم إلى تعزيز الابتكار بقوة في باقي المجالات الأخرى الهامة واللازمة للخروج من الأزمة وإعادة الانتعاش الاقتصادي لسابق عهده لما قبل الجائحة وتحقيق نمو طويل الأجل.


وإذا نظرا لتعريف الابتكار نجد إنه عبارة منتج أو عملية جديدة، أو تحسينات تم إجراؤها على المنتجات أو الخدمات (أو مزيج منها) بحيث تختلف اختلافا كبيرًا عن المنتجات أو العمليات الحالية، مثل الابتكار في كيفية تنظيم العمل على مستوى الشركات والأفراد، وكيفية تنظيم عمليات الإنتاج محليًا وعالميًا، لذلك الابتكار يتعلق بالأفعال التي تعمل على تحسين الحياة اليومية والتي تمثل رحلة نحو نمو شامل واستدامة أسرع.


وفي السابق اعتمدت الدول على مواردها الطبيعية للمنافسة، وكان التركيز على الابتكار في مجال الصناعات التحويلية التي تعمل على تحويل المواد الخام إلي منتجات نهائية أو منتجات وسيطة، وذلك من خلال طواقم علمية متخصصة في مراكز مكثفة للبحوث والتطوير والتي حققت الكثير من الإنجازات التكنولوجية، وكان ذلك حكرًا على عدد قليل من الدول الرائدة ذات الدخل المرتفع، في مقابل باقي العالم من الدول المتأخرة ذات الدخل المتوسط أو المنخفض التي تحاول اللحاق بالركب.


أما اليوم فقد تغير ذلك المشهد، حيث يمكن لأي دولة الآن حتى ولو كانت محدودة الموارد الطبيعية مثل النفط أو المعادن، وتطمح إلي تحقيق التقدم والنمو الإقتصادي والإزدهار، أن يكون إقتصادها مدفوعًا بالابتكار، من خلال إستثمارات مركزة بعناية في المواهب والبحوث والتطوير، وأن تحتل سياسات الابتكار دورًا مركزيًا بها، وأن يعتبر تشجيع الابتكار أمرًا أساسيًا لخطط واستراتيجيات التنمية وزيادة القدرة التنافسية لإقتصاد هذه الدول، ومفتاحًا لمعالجة المشكلات المجتمعية الملحة مثل التلوث والقضايا الصحية والفقر والبطالة والطاقة والنقل والصرف الصحي.


الأمر الذي أدى لتطور الإبتكار في العديد من الدول النامية والصاعدة من خلال تبني لفكرة الإبتكار التدريجي (بمعنى: إجراء تحسينات صغيرة على المنتجات أو الخدمات الحالية)، والإبتكار بدون بحث (بمعنى: إنتاج منتجات وخدمات جديدة ورخيصة تلبي متطلبات السوق بدون الحاجة لتحمل التكاليف الباهظة للبحوث والتطوير ويكون ذلك خاصة في الصناعات منخفضة التكنولوجيا)، وتكثيف الإستثمار في الأنشطة المرتبطة بالإبتكار على مستوى الشركات والإقتصاد ككل، والعمل على توجيه الإبتكار لإيجاد حلول مبتكرة للتغلب على المشكلات المحلية بها، والحصول على عائد أكبر من الحرف اليدوية والصناعات الإبداعية المحلية كأولوية، والتي قد لا تنتنج تقنيات رائدة أو تشكل جزءا من سلاسل القيمة العالمية الحالية، ولكنها تقدم حلولًا للتحديات المحلية. وأدى ذلك إلى إضافة جهات جديدة فاعلة للابتكار من خارج الدول ذات الدخل المرتفع، وتأتي الصين في طلعية الأسواق الناشئة التي تتفوق حاليا على البلدان ذات الدخل المرتفع في الإنفاق على البحوث والتطوير، وإيداع براءات الإختراع، ويعتبر هذا اتجاه جديد وواعد نسبيًا نحو ديمقراطية الابتكار وجعله في متناول الجميع لا حكرًا على عدد مختار من أفضل الاقتصادات والمجموعات فقط.


وعدم إهتمام الدول بالإبتكار إذا أخذنا على سبيل المثال في مجال الزراعة في ظل الزيادة السكانية المتزايدة وعدم القدرة على الوفاء بالإحتياجات، سوف تمثل تحديا كبيرا أمام القطاع الزراعي، مسببة لأزمة غذاء محتملة إذا فشل صانعو السياسات وغيرهم من أصحاب المصلحة في تنفيذ الابتكار الزراعي الذي يعزز الإنتاجية وكفاءتها بشكل كبير.


وأيضا الإبتكار في مجالي الصحة والطب من أجل خلق حياة صحية، وإحداث تحول في كيفية تقديم الرعاية الصحية، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص، وعلم الجينوم والتطبيقات الصحية القائمة على الهاتف المحمول.


يجب أن نعلم جيدًا أن الابتكار يحمل وعدًا بعيد المدى لتحفيز النمو الاقتصادي للبلدان في جميع مراحل التنمية، ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الوعد ليس تلقائيًا، حيث يجب على كل دولة وضع المزيج الصحيح من السياسات لتعبئة الإمكانات الفطرية المبتكرة والإبداعية في اقتصاداتها. ويمكن للابتكار في أي مكان أن يقود التغيير وخلق فرصًا ووظائف جديدة وأفضل في كل مكان، وتقديم مصادر جديدة للنمو، إنه مفتاح التنمية والقدرة التنافسية للدول والصناعات والشركات.


الابتكار وفوائده العديدة لا تأتي دون استثمار مستمر في الوقت والجهد والموارد البشرية والمالية ووجود نظام قوي للملكية الفكرية. يحتاج كل شخص مهتم بالابتكار كعامل محفز للتنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى الاستمرار في التركيز على قيمة الابتكار في تحويل الصناعات والشركات وحياة الأفراد، ليس فقط محليًا ولكن في جميع أنحاء العالم. حيث أصبح الابتكار ذا دور محوري لاستراتيجيات الشركات والنمو الاقتصادي الوطني. إن الشركات الكبرى والمنفقين على البحوث والتطوير ستخطئ إن تخّلت عن البحوث والتطوير والملكية الفكرية والابتكار في سعيها لضمان قدرة تنافسية في المستقبل.


وللحديث بقية...