الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قناة السويس ملاذ السفن العملاقة

أثبت حادث جنوح السفينة العملاقة ايفرجيفن في قناة السويس ، أن القناة لم تكن في يوم من الأيام بمثل هذه الأهمية القصوى للاقتصاد العالمي  كما  هي عليه  الآن  . و ترجع زيادة أهمية قناة السويس لحركة التجارة العالمية الى  مشروع تطوير القناة بازدواجها ، من الكيلو 61 الى الكيلو 95 ، بطول 35 كم ، بالإضافة لتوسيع و تعميق القناة  الى غاطس قدره 5ر22 متر لتصبح جاذبة للحاويات العملاقة من نوعية ايفر جيفن ، خاصة بعد  تقليل زمن عبور القناة  بمقدار 11 ساعة كاملة ، و هو زمن يوازي وفر بمئات الالاف من   الدولارات ، لكل رحلة من  رحلات هذه  الحاويات العملاقة ،الذي يبلغ غاطسها 5ر17 متر و  التي تطلق عليها شركات الملاحة العالمية المدن العائمة .
   فعندما مول الشعب المصري ازدواج قناة السويس الجديدة ، التي أفتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في أغسطس 2015  ،  للسماح للسفن بالسير  في القناة  في الاتجاهين دون توقف مع تعميق القناة القديمة لاستيعاب السفن العملاقة ، تعالت الأصوات المنتقدة ، التي قللت من أهمية هذا المشروع ، لا سيما من جانب القنوات العميلة المرتزقة ،  بزعم أنه لا أهمية له على عائدات قناة السويس  ، نظرا للركود الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي.  لكن  مع توقف حركة الملاحة في القناة خلال الأيام  الستة التي شهدت جنوح السفينة البنمية  "ايفرجيفن"،  أصبح  حديث العالم منصب على توقع     النتائج الكارثية التي يمكن أن تحل بالاقتصاد العالمي لو ظلت    حركة الملاحة متوقفة  في القناة لأسابيع طويلة  .
 و مع تحول الصين لمصنع العالم ، فضلت كثير من الشركات العالمية ، خاصة الأوروبية  ، تصنيع مكونات منتجات مصانعها في الصين نظرا لرخص العمالة ، وتحقيق المكاسب من بيع  مكوناتها المتقدمة للمصانع الصينية التي تنتشر كالنار في الهشيم . و مع  اتساع  السوق الصيني (5ر1 مليار نسمة تقريبا )،  و ما يحققه من نمو  هائل ،  أزدادت حركة الملاحة  الدولية بين قارة أوروبا و قارة  آسيا لتزداد أهمية قناة السويس ، بوصفها أفضل ، و أسرع ، و أقصر،  و أأمن طريق،  يربط بين القارتين العملاقتين .
  و في اطار استراتيجية  تخفيض نفقات النقل البحري،  توصلت  شركات الملاحة العالمية الكبرى الى أن  التوسع في بناء الحاويات العملاقة بحجم  إيفرجيفن  يصب في مصلحة النقل الاقتصادي   .  فايفر جيفن التي تعد من أكبر سفن العالم يبلغ  طولها نحو  400 متر،  أي أربعة أضعاف ملعب كرة قدم ، و عرضها 60 مترا تقريبا ،  أي عرض ملعب كرة قدم . و مع نجاح مشروع تطوير قناة السويس ، سواء بالتعميق لتصبح قادرة على إستقبال هذه السفن العملاقة فضلا عن   تقليل زمن العبور بمقدار 11 ساعة كاملة ،  اذدادت القدرة التنافسية لقناة السويس لتتجه معظم السفن العملاقة الى  المرور من القناة ، لتفادي الدوران حول إفريقيا ، من خلال طريق رأس الرجاء الصالح الذي يزيد زمن الرحلة بنحو 7 آلاف  كيلو متر على اقل تقدير   . و على الرغم من ارتفاع رسوم عبور قناة السويس،  إلا أن الوفر في  الوقود ، خاصة الديزل الذي كان يحترق خلال قطع السفن  لآلاف الكيلومترات في طريق رأس الرجاء الصالح  ، دفع  شركات الشحن العالمية  لتفضيل العبور من قناة السويس،  ليس فقط من أجل تخفيض استهلاك  الوقود ، و لكن أيضا من أجل الحفاظ على العمر الافتراضي للمحركات العملاقة التي تدفع هذه السفن التي تشبه  المدن العائمة .فمحركات السفن العملاقة لا تستهلك اثناء عبور   قناة السويس الا لقطع مسافة قصيرة جدا لا تزيد عن  193 كم ، مقابل 7 الاف كم ، عند الدوران حول طريق رأس الرجاء الصالح . و قد لجأت هذه الحاويات العملاقة في باديء الامر الى تخفيض سرعة إبحارها من متوسط يتراوح بين  20 الى 23 عقدة الى 13 و 15 عقدة لتقليل استهلاك الوقود ، حيث  يتراوح استهلاك السفينة العملاقة منه سنويا ما بين 30 الى 35 الف طن ،  لكن تبين رغم ذلك أن قناة السويس هي الطريق الملاحي الأفضل اقتصاديا  للسفن العملاقة من طريق رأس الرجاء الصالح بالنظر الى ارتفاع استهلاك و أسعار   الوقود  الذي يمثل نحو 60 في المائة من تكاليف الرحلات البحرية .
 و شجع مشروع تطوير قناة السويس  شركات الملاحة العالمية في التوسع في بناء السفن العملاقة،  فقامت شركة " أم ايه – سي سي ام " الفرنسية،  ثالث اكبر شركة للشحن و النقل البحري في العالم ،  ببناء 9 سفن عملاقة  في ترسانات الصين تسير جميعها  بالغاز الطبيعي . و لتقليل نفقات الوقود  دشنت الشركة أول حاوية شحن عملاقة تسير بالغاز الطبيعي المسال في نوفمبر 2017  ،  و اطلقت عليها اسم " جاك سعادة" و يبلغ طولها 400 متر و عرضها 60 مترا  و تحمل 23 الف حاوية و غاطسها يصل الى 17 متر .
 ومع  تحول مصر لمركز للطاقة في شرق المتوسط ، بسبب امتلاك مصر لمصنعين لتسييل الغاز الطبيعي،  في دمياط و ادكو،  ستكون مصر جاذبة لتموين السفن العملاقة التي تسير بالغاز الطبيعي ، و لذلك أعلن الرئيس السيسي عن مشروع في غاية الأهمية ، خلال مؤتمره الصحفي الأخير ، يستهدف تعميق و تطوير الموانيء المصرية كي تستطيع استقبال هذه الحاويات العملاقة و تزويدها بالغاز المسال .
 و من جانبها سارت شركة " مايرسيك " عملاق الشحن البحري و الخدمات الملاحية في العالم على نفس النهج الشركة الفرنسية ، متجهة  نحو السفن العملاقة التي تزيد حمولتها عن 200 ألف طن،  بوصفها الأكثر توفيرا للنفقات،  لا سيما بعد تطوير قناة السويس و السماح للسفن العملاقة بالسير فيها .و مع التقدم التكنولوجي في بناء السفن العملاقة أصبحت هذه المدن العائمة تمثل نحو ثلث أسطول سفن الشحن في العالم  . و رغم أن قناة السويس تستقطب 12 في المائة من التجارة العالمية،  لكنها تستضيف في ممرها الملاحي أكثر من  30 في المائة من حاويات الشحن حول العالم ، مما يعني أن قناة السويس تعد الشريان الحيوي الأهم بالنسبة للتجارة العالمية  .
  و تؤكد شركة خدمات الشحن  جي إيه سي " ، أن الحاويات العملاقة أصبحت تمثل عصب النقل البحري ، فبعد أن تخصصت في باديء الأمر في نقل مواد التصنيع ، و مكونات المصانع ، من الصين لدول أوروبا ، لكن مع نجاح هذه الحاويات العملاقة في تخفيض تكاليف النقل ، اتسعت  مجالات نقل  السفن العملاقة لتشمل سلع السلاسل التجارية ، ومواد البناء،  و  السيارات ، و معدات الحماية الشخصية و غيرها .
 و ترى كيت هاردينج ، الرئيسة التنفيذية لشركة البيانات الملاحية ، كويوليس تكنولوجيز ،  في تصريحات أوردتها صحيفة "الجارديان" أن تكدس السفن  بالمئات أمام مدخلي قناة السويس ، خلال فترة  جنوح ايفرجيفن  ، أثبت أن   شركات المالكة للسفن،  فضلت  الإنتظار للعبور من القناة ، حتى لو تأخر إعادة فتح القناة لمدة أسبوعين ، و ليس لمدة 6 أيام فقط كما حدث ، نظرا لتنافسية القناة بالقياس بطريق رأس الرجاء الصالح . و أضافت أن القناة التي يعبر منها يوميا بضائع و سلع بنحو 10 مليار دولار تتمتع بالأمن و الأمان و هو ما يفتقده طريق رأس الرجاء الصالح حيث يكثر القراصنة على طول سواحل الدول الإفريقية التي يقترب عددها من 25 دولة .
يقول بول توريه ، مدير  المعهد الفرنسي العالي للإقتصاد البحري،  أن الصين،  و الهند ، و دول جنوب شرق آسيا ، كانوا  الأكثر تضررا فيما يتعلق  بتأخر  التزود بالمواد البترولية من جراء  توقف الملاحة في قناة السويس  . و يرجع ذلك الى أن هذه الدول ذات عمليات التنمية السريعة ،  تعتمد بنسبة 80 في المائة على بترول ، السعودية ، و الخليج ، الذي يمر من القناة و لذلك ارتفعت أسعار البترول بنسبة 5 في المائة فور جنوح الحاوية العملاقة نظرا لأهمية البترول  لهذه الدول . 

وكشف توري، عن أن أوروبا كانت  ستواجه هي الأخرى  مشاكل كبيرة  في التزود بالبضائع، و السلع،  و مكونات التصنيع، لا سيما تلك القادمة من المصانع الصينية  رغم عدم إعتمادها بنسبة كبيرة على التزود بالوقود من الخليج نظرا لاعتمادها على الغاز و البترول من روسيا، والنرويج،  والجزائر.

ويرى بورتريه أن نجاح جهود رجال القناة في تحرير ايفرجيفن،  بالتكريك و بالقاطرات العملاقة، يؤكد أن القناة يمكن أن  أن تصبح آمنة  تماما في حال تم تزويد القناة بقاطرات عملاقة على غرار  القاطرة الهولندية العملاقة ذات قوة الجر  الكبيرة و التي شاركت في إعادة تعويم السفينة بقدرة جر بلغت   تبلغ 270 طنا.
ونهاية ، إدراكا من مصر بأهمية تطوير قناة السويس،  و تسليحها بكل ما يؤمن هذا الممر المائي الأهم في العالم ،  أعلن رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع ،  أن الرئيس السيسي أمر بتزويد القناة بقاطرات عملاقة فضلا عن أمكانية توسيع القناة بالكامل لو تطلب الأمر ، فالرجال  و المعدات و الخبرات جاهزون كما قال الرئيس ،  للحيلولة دون وقوع حادث شبيه بجنوح ايفر جيفن رغم أن هذا الجنوح يعد  بمثابة  حدث فريد  ، حيث شهدت القناة مرور سفن أكبر حجما مثل سفينة " أم اس سي جولسون "التي تبلغ حمولتها 232 الف طن و سفينة اتش أم أمم لو هافر( 224 الف طن ) .
   

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط