الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبقرية السياسة الخارجية المصرية في سنوات الفوضى «1-3»

 السطور القادمة، ربما لن تعجب طابورًا خامسًا يعيش على ارض هذا الوطن ودأب على التقليل من كل الإنجازات التي تتم. وربما كذلك قد تثير غضب البعض وحنقهم على ما سيأتي فيها من دلائل وشواهد، تؤكد أن ما حدث في السنوات الماضية، وبالتحديد في الفترة من 2014-2021 في مجال السياسة الخارجية، ليس أقل من معجزة حقيقية في هذا المجال، شاء من شاء وأبى من أبى.
فعندما قامت الثورة الشعبية الهادرة يونيو 2013، في كل ربوع مصر وخرج الملايين من شعب مصر والجميع يتذكر ويعي، والسياسة هى فن الواقع ورؤية تفاصيله وليس العيش في أحلام أو أوهام وخيالات، فإن هؤلاء الملايين الذين خرجوا لشوارع مصر، كانت رؤيتهم الواضحة استبعاد هذا الفصيل الديني، الذي جثم على قلب مصر وإعادة انطلاق وتوجيه قطار مصر على وجهته الصحيحة، نحو الاعتدال والتنوير والحضارة وتعزيز الوطنية. ونجحت الثورة وشاهد تفاصيلها العالم أجمع.
في هذه الأثناء، كانت هناك حالة استقطاب حادة داخلية وخارجية بين فريقين. وإذا كان الداخل وبرؤية وطنية حكيمة وسياسة فاعلة، وبعد سنوات مريرة مع الإرهاب والعنف والفوضى، حلت مشاكله وبدأ الجميع في الاصطفاف وراء دولة تخطو للمستقبل بمشاريع موجودة على الأرض في العديد من المجالات، وسواء اتفققت أو اختلفت معها، فهى تكشف عن عمل ثبور مخلص للنهوض بدولة كانت على وشك الإفلاس قبل 8 سنوات.
وكلنا يتذكر، كيف كان الكلام آنذاك عن تأكل الاحتياطيات النقدية في البلاد، والعجز عن الاستثمار، ودولة تكاد مشلولة طوال أعوام 2011و2012 و2013. والحمد لله وبشهادات دولية، من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات اقتصادية عالمية، فإن الاقتصاد المصري يحقق نسبة نمو معقولة، واعتدل طريقه نحو المستقبل.
لكن الداخل ليس هو عنوان هذا المقال ولا مضمونه، ولكنها السايسة الخارجية المصرية طوال السنوات الماضية.
والتي يمكن تقسيم الحديث عنها لثلاثة مجالات رئيسية، على "ثلاث مقالات".. سيكون الحديث فيها للعقل وليس بالمشاعر، وبالدليل وليس بالصراخ والسباب.
العلاقة مع دول الجوار
العلاقة مع الدول العربية 
وزن مصر الاقليمي والدولي وعلاقتها بالقوى الكبرى طوال السنوات الماضية
ولنبدأ بدول الجوار، وبتحليل بسيط وبأدلة موجودة على أرض الواقع. ففى الوقت الذي تولى فيه الرئيس السيسي حكم مصر، كانت ولا تزال الأوضاع في ليبيا غير مستقرة، وهى جار مباشر لمصر، وهناك فوضى وهناك ميليشيات وهناك حرب أهلية مريرة، سببها التدخل الأسود من جانب حلف الناتو، لإقالة زعيم وطني كبير هو الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والتدخل بالقوة والغصب والعنف، لإزاحة قيادة وطنية، وزعامة تاريخية، وجرى ما جرى في ليبيا، الدولة التي كانت الأغنى في شمال أفريقيا بمقاييس البنك الدولي وكانت ذات مستوى معيشي مرتفع، فيما قبل 2011.
المهم كيف تصرفت مصر مع الملف الليبي؟ وما هى العلاقة الآن مع السلطات الليبية الجديدة الحاكمة، ممثلة في حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الانتقالي برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والسيد محمد المنفي.
مصر حافظت على أمنها القومي من ناحية ليبيا
لم تتورط في ليبيا تورطًا، يجر عليها مشاكل أو يؤثر على الداخل المصري، ولكن بقيت هناك معادلة سياسية وأمنية رفيعة، تساند وحدة ليبيا وتضمن عدم تقسيمها، وفي نفس الوقت الإعلان بوضوح عن الرفض التام لتسلط الميليشيات  والجماعات، للحفاظ على الدولة الوطنية في ليبيا دولة موحدة.
لم تخسر مصر ليبيا، ولم تأخذ مواقف أو سياسات تجعلها غير قادرة عل الفعل داخل ليبيا بالعكس تماما، فقد حجمت مصر بسياستها الناجحة والخط الأحمر الذي أعلنه الرئيس السيسي، قوى اقليمية كانت ولا تزال طامعة في ليبيا، من أن تقف عند حدودها. ونقصد الرئيس التركي أردوغان وهذا ليس سرا أو شيئا مخفيا. فقوة مصر واحتفاظها بدرجة عالية من الحكمة في التدخل في الشأن الليبي، ورفع الخطوط الحمراء المصرية، أي النقاط التي لن تستطيع أن تسكت بعدها مصر، وبعدما بدأ أردوغان يتجاوز نحو مدينة سرت الليبية، بعدما كسبت ميليشيات الغرب المعركة في العام الماضي، هو ما حفظ لمصر مكانه آمنة في ليبيا، ولعل مجىء كل من رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي محمد المنفي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة، فور انتخابهما عبر ملتقى الحوار السياسي إلى مصر، يؤكد نجاح مصر في تأمين جبهة ليبيا تمامًا والحفاظ على المصالح المصرية.
على الجهة الجنوبية، ومع السودان، وطوال السنوات الماضية كانت هناك قلاقل في السودان منذ ثورته، ودون الدخول في مغامرات الرئيس السوداني السابق عمر البشير، بعدما قال الشعب السوداني رأيه في حكمه. فالأوضاع الآن مع السودان جيدة للغاية، والعلاقة مع مجلس السيادة السوداني متينة وهناك تنسيق تام في قضية سد النهضة، وهى قضية صعبة للغاية، ولم تنته وهناك فصول قادمة فيها.
سياسة مصر الخارجية الناجحة، التي صاغها الرئيس السيسي نحو السودان حافظت منه قريبًا من مصر، ورغم اغراءات تعرض لها من قوى أخرى معادية لمصر، إلا أن الخرطوم الآن في أفضل حالاتها مع مصر ، بعدما أدركت أن المصير واحد، وأن وحدة شعوب النيل، تحتم تنسيقا مصريًا سودانيًا في أرفع وأجل مستوياته.
مع السودان اليوم، هناك علاقات اقتصادية وسياسية واستراتيجية متينة، وهو نجاح لسياسة مصر الخارجية، في سنوات عاصفة من الفوضى والقلاقل والتحالفات.
أما من جهة الشرق، فالعلاقة مع السعودية والعلاقة مع إسرائيل، تستحق التوقف.
فمنذ ان تولى الرئيس السيسي مقاليد الحكم، أدرك أن تمتين العلاقات المصرية السعودية، وكما كانت طوال التاريخ ضرورة استراتيجية للدولتين. فمصر والسعودية دولتان كبيرتان في الاقليم، وهناك قلق كبير في المنطقة، وهناك دول برمتها تضيع، ومخاطر ما بعد بدعة الربيع العربي، تهدد بانفراط دولا متماسكة. لذلك كان خيار تعزيز وتمتين العلاقات المصرية السعودية قرارا استراتجيا ناجحًا منذ اللحظات الأولى في حكم الرئيس السيسي.
والقضية لم تكن مع السعودية فقط، فعلاقات طيبة وطيدة مع السعودية، مدخل لعلاقات طيبة ومتكاملة وعميقة مع باقي دول الخليج العربي وهو ما كان.
والآن وبوضوح، وبسياسة مباشرة فأمن الخليج العربي من أمن مصر، وهو ما أوصل رسالة لدول الخليج العربي، مفادها أن مصر في جانبهم، وأن "الأحلاف والمحاور"، التي ظهرت من بعض القوى الاقليمية والدولية خلال السنوات الماضية، لم تجذب مصر ولن تجذب مصر، ولم تغير سياستها الخارجية الراسخة.
وبفضل سياسة خارجية حكيمة، كانت ولا تزال العلاقات المصرية السعودية بشكل خاص والعلاقات المصرية الخليجية بشكل عام، في أوج ازدهارها وهذا نجاح للقيادة المصرية. وبالطبع مجالات وتفاصيل العلاقة المصرية السعودية كثيرة ومتشعبة لا تتحملها المساحة هذه، لكنها فخر للدولتين.
أما مع إسرائيل، وهناك صراع عربي إسرائيلي على مدى عقود، وهناك قضية فلسطينية وهناك أراضٍ عربية محتلة، فقد كانت المعادلة المصرية مع إسرائيل، ومع قيادتها المتمثلة في حزب الليكود المهمين على الحكم هناك، وممثلة في شخص رئيس الوزراء الاسرائيلي، نتانياهو، موجزة في: أن الأمن القومي المصري أولوية مطلقة، وان سيناء خط أحمر وأن التحركات المصرية داخلها طوال السنوات الماضية، كانت لتأمين جبهتها وعدم جعلها مسرحا لمغامرات متطرفة، كما كانت في سنوات 2011 و2012 و2013، وهل نجحت مصر؟
نعم نجحت مصر، في إقامة علاقة متزنة مع إسرائيل، وفي نفس الوقت الحفاظ على علاقة جيدة مع الفلسطينيين ومساندة حقوقهم المشروعة.
واذا كانت مصر اليوم، تتمتع بعلاقات طيبة ومتينة مع ليبيا والسلطات فيها، وتتمتع بعلاقات متينة مع السودان وقيادتها الجديدة، وكذلك علاقات طيبة مع السعودية في شتى المجالات، وتأمين الأمن القومي والحفاظ على علاقات متزنة قوية مع اسرائيل، فهذا نجاح ضخم للسياسة الخارجية المصرية التي صاغها الرئيس السيسي.
ولا يجب ألا ننسى، أن الحكم على السياسة الخارجية اليوم بما كان قبل 10 سنوات، والسير وراء أوهام البعض وأكاذيبه، بأن، ما هو من علاقات مصرية جيدة مع دول الجوار المصري، هو بناءا على ما كان في السابق وقت الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بدعوى ان علاقات مصر كانت جيدة بهذه الدول من قبل. فهذا "افتئات وقصر نظر وجهل بالواقع"، لأن هناك كثير من المتغيرات التي طرأت، وكثير من القيادات والزعامات التي جاءت، وكان نجاح مصر، في إعادة بناء علاقات جيدة ووطيدة معها ومراعاة المصالح المشتركة، نجاح حقيقي ومؤكد للوطن.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط