الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد الشناوي يكتب: جندي مقاتل (1)

صدى البلد


فور تخرجي في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر الشريف التحقت بقواتنا المسلحة عرين الأبطال جنديا مقاتلا بسلاح الإشارة العريق ملحقا بعد ذلك على سلاح المدرعات بعدما تلقيت تدريبي المبدئي بمركز تدريب الإشارة بالجبل الأحمر .
كانت لحظة فارقة بين الحياة المدنية حيث الرفاهية والاعتماد على الغير، والحياة العسكرية الجديدة، حيث تجييش النفس وبداية حياة جديدة من الانضباط وتحمل المسؤولية.
من مركز قيادة «الهايكستب»، بمحافظة القاهرة انطلقت بنا حافلات القوات المسلحة تشق طريقها بين الجبال حيث الجبل الأحمر العريق المتلون بألوان تشبه ألوان الدماء، لا سيما مع تعامد وانعكاس أشعة الشمس على تبابه وقممه العالية الشامخة.
بعد قرابة ما يزيد عن الساعة نزلنا بوحدتنا العسكرية المؤقته؛ سكون كبير؛ مع هيبة كبيرة تضرب الأنحاء؛أرض شاسعة مترامية الأطراف؛ومبان متعددة؛عربات عسكرية متحركة هنا وهناك؛أرض جديدة علينا جميعا وكأنها أرض المعركة؛ نعم بالفعل هي أرض حرب بمعنى الكلمة.
ووسط هذا الارتقاب؛ ونظرات متجولة هنا وهناك؛ تشاهد هذا العالم الجديد وسط مشاعر متضاربة ما بين الأمل والخوف؛ السعادة والحزم كان صوتا جهوريا يشق الصفوف؛ ويقطع الصمت: ثابت الناس!
وكأنها كانت الكلمة الأولى نحو الثبات والانضباط؛لبداية مرحلة جديدة وكنا ما زلنا وقتها بملابسنا المدنية المرفهة؛ فكانت الإشارة بعد كلمات الاستقبال والتعريف بحياتنا الجديدة وقيمة الدفاع عن الوطن الكبير مصر أن ننطلق إلى مخازن المهمات؛ لاستلام مخلة ملابسنا ومتعلقاتنا العسكرية ثم التوجه بعدها إلى حمامات المعسكر للاغتسال وخلع ملابسنا المدنية وارتداء زينا العسكري الجديد!
وفي الحمامات كنا نتعاقب الدخول بعدما تم تحديد لكل واحد منا مدة(5)دقائق فقط؛وكأن ذلك كان درسا جديدا نحو السرعة في الاستعداد والجاهزية للقتال والاشتباك على وجه السرعة.
فتذكرت حينها كم من الوقت كان يتستغرقني ويسرقني بداخل الحمام وتغيير ملابسي في حياتي المدنية قبل ذلك!
كم من العمر ضاع قبل ذلك فيما لا معنى له ولا فائدة!
ارتدينا ملابسنا الجديدة؛وتحركنا صفا واحدا بمساعدة أحد ضباط الصف ناحية طابور الجمع الأول؛
وقد تشابهنا في أشكالنا وصورنا وهيئاتنا؛كأن الفوارق قد زالت فيما بيننا بملابسنا المموهة التي تشبه ألوان رمال الجبال المحيطة بنا من كل ناحية!
انضباط وسرعة وجاهزية واقدام وفروسية ومواجهة حياة جديدة تعني العقيدة القتالية وروح الانتماء والغيرة على هذا الوطن والدفاع عنه بكل ما نملك منذ وطئت أقدامنا ثرى عرينه الكبير .
هذا الكلام كله يعكس بالضرورة أن الجيش المصري هو المنتصر دوما، ومن ثم فلاخوف عليه مما قد يقدم عليه في الأيام وربما الساعات القليلة القادمة نحو ملف سد النهضة والدفاع عن أمن مصر المائي .
كما واجه قبل ذلك محاولة توسعات "أردوغان" وسياساته العدوانية في اختراق الأمن القومي العربي من البوابة الليبية طمعا في السيطرة على النفط والغاز، خاصة بعدما أعلنت القيادة السياسية المصرية أن "سرت والجُفرة" خط أحمر، وذلك خلال  جاهزية القوات لتنفيذ أي مهمة تطلب منهم لحماية الأمن القومي، سواء كانت داخل مصر أو خارجها.
ليس ثمة من يجهل الجندي المصري الذي نسج لوادي النيل تاريخا من أزهى وأعرق تواريخ الأمم على الإطلاق، وخلف تراثا سيظل معينا للفخار على مر الأيام، بعد أن حارب المصري في آسيا وأفريقية وأوروبا، فوطئت قدماه أرضها، وامتطى ظهر مياهها، وامتزجت دوماؤه بترابها، وخلد ذكرى قلما يدانيها جندي مثله، بينما الأمم كلها كانت تتيه في بيداء الجهالة، فقد اقتاد الجيوش رجال من أمثال " مينا وأحمس وتحتمس ورمسيس وبسماتيك وصلاح الدين الأيوبي وقطز وقلاون ومحمد على باشا الكبير وابنه إبراهيم، مرور بأحمد عرابي وعبد الناصر والسادات ومبارك، ووصولا للرئيس السيسي"، وصنعوا أساطير تؤكد أن مصر عاشت أمة مستقلة، ذات سيادة خلال معظم تلك السنين الطوال بفضل زعمائها من رجال الإدارة والجيش، وبجهود شعبها الحي، فعلى عاتق هؤلاء الجنود من أبناء النيل، ومن هذا الوادي الأخضر تدفقت الجيوش المصرية، لا تستحثها رغبة التوسع على حساب الآخرين.
ولا تلهبها سياط السوء للاعتداء على المجاورين، لا ، فإن المصريين - في شتى حروبهم - كانوا دائبي الوصول إلى حدودهم الطبيعية، ليأمنوا غزوات المعتدين أو نقض المتعاقدين أو من أجل الدفاع عن حليف.
    (البقية الحلقة القادمة)