الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هالة أبوعلم تكتب: المصداقية

صدى البلد

كلمة ترددت كثيرًا بين أوساط العامة والخاصة، وحتى على مستوى النخبة والساسة، وللوهلة الأولى حين نسمعها، يتبادر إلى الذهن معناها السطحى الظاهرى والمقصود به ، الصدق فى القول .. 
كثيرًا ما انتشرت تلك العبارة (المصداقية) فى الوسط الإعلامى حين يتعرض المجتمع لحملات إعلامية مشبوهة تعتمد علي الإثارة، والإشاعة، والسبق الصحفي ، بصرف النظر عن صدق وصحة ما يُنشر من عدمه .. لكن المصداقية التى نتعرض لها فى مقالنا هذا، وإن كانت ضمن تعريفاتها كل ما سبق ، إلا أن المصداقية يتسع تعريفها اتساعًا .. وينسحب لما هو أبعد من ظاهرها المعروف لدى البعض .. لذلك أحاول الخوض فى عمق دلالاتها والتى قد تقودنا إلى ما هو هام وغائب عنا فى أصل تعريفها .. 
فالمصداقية فى حقيقتها : التزام وسلوك وممارسة .. 
فحين يضع الإنسان منا قاعدةً أو معيارًا ويجعله وحدة لقياس وتقييم الناس من حوله، لا بد له أن يُخضع نفسه أولاً لتلك القاعدة أو المعيار قبل أن يُلزم الآخرين بها أو به ، وإن لم يفعل المرءُ ذلك انطبق عليه القول بانعدام المصداقية .. 
فمثلا إذا طلبنا ممن يحاورنا أن يتسع صدره  وألا يتشبث برأيه ويتقبل بمرونة الرأي الآخر ، ونكون نحن على العكس مما ننصح به الآخرين، عندما تضيق صدورنا بمن خالفنا فى أرائنا فينتابنا الغضب و ننعته بصفات سيئة لمجرد الخلاف في الرأي .. هذا هو ما نقصده هنا بغياب المصداقية .. المصداقية فى عمق دلالاتها .. تعنى أن نقف على ما أقررناه من مبادئ وقواعد ، بالثبات ،  عليها دون تحول ولا تبدل مهما كانت النتائج لنا أو علينا .. 
وحين نتأمل فى عالم السياسة من حولنا نجد مصطلح مثل ( إزدواجية المعايير ) أو ( الكيل بمكيالين ) يعبر عن فقدان هذة الدولة أو هذة المؤسسة أو هذة المنظمة ( للمصداقية الدولية ) .. 
ومن الطبيعي أن يكون السلوك المبني على المصلحة الخاصة متعارض مع أسس العدالة وإحقاق الحق ونصرة المظلوم .. وبإطلالة سريعة على ازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين والتى اشتهر بها الغرب فى تعاطيه مع قضايا النزاع فى دول العالم الثالث، نجد أن للغرب فى خلفيته الثقافية ما يبيح ذلك ولا يجرمه، وذلك فيما يُعرف فلسفيًا بمذهب المنفعة ..
و في مجتمعاتنا الذى يقول كلمة الحق ، مهما ترتب عليها من أضرار لحقته ، فهو فى أعين المجتمع من مَن يتمتعون بالمصداقية .. 
وقد أتت عدة عوامل أصابت مجتمعاتنا  بداء إنعدام المصداقية، وأهم تلك العوامل هى:  
= انعدام الثقة بالنفس مما يجعل الأشخاص يلجأون للكذب و المراوغة بدلا من الصدق و المصداقية 
= الأهتزاز الذي حدث للقيم نتيجة لكثير من المشكلات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية مما ألقي بظله علي التزام الأشخاص بالمصداقية 
= الخلل الذي أصاب الأخلاق و عدم وجود الضمير الفردي أو الجمعي لدي بعض الأفراد و بعض المجتمعات مما ينعكس بالتالي علي السلوك و البعد عن المصداقية 
= الأعجاب بالسلوك و التحرك الغربي والعمل به و اعتباره مبدأً سلوكيا 
= وسائل الإعلام الغربية والعربية المتحولة وما تبثه من برامج ، تحوي أفكاراً ومبادئ وقيماً غربية لا تتفق و ثوابتنا الأخلاقية .
هذه المؤثرات التى وفدت إلينا من بيئة غير بيئتنا وغيرها، جلبت لنا الخلط فى المفاهيم والأفكار والمبادئ والقيم .. لذلك اهتزت الرؤية لدى الكثيرين فى هذا المناخ المفعم بالمادية فى الفكر فشاعت وانتشرت ثقافة إنعدام المصداقية .
 إن المصداقية في الحقيقة ثروة متراكمة لا يمكن شراؤها بأي ثمن مهما كان، وكل عمل غابت عنه المصداقية فهو عمل فاشل لن يدوم طويلا.