استقلال الصحافة
أثلج صدري كثيرا ما نقل عن مناقشة إنهاء ملكية مجلس الشوري للصحافة القومية أثناء اللقاء الذي جري ما بين نقيب الصحفيين وأعضاء من مجلس النقابة والدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء. كان ذلك خطوة مهمة لو تم تطبيقها علي طريق استقلال الصحافة المصرية عن سلطة الدولة. ولكن ما لم أفهمه فقد كان بقاء المجلس الأعلي للصحافة لأن مثل هذه المؤسسة لا يوجد مثيل لها في البلدان الديمقراطية. وما بث الحزن في الوجدان فقد كان الاجتماع نفسه الذي بدا كما لو كان واحدا من طقوس كل مجالس النقابة المنتخبة الجديدة حيث تذهب إلي رئيس الوزراء أو تناشد رئيس الجمهورية لكي يزيد من دخول الصحفيين.
هنا فإننا نصبح أمام مفارقة لا يمكن تجاهلها ما بين الوظيفة والمهنة الصحفية القائمة علي مراقبة أعمال الحكومة باستقلال ونزاهة; وفي الوقت نفسه مطالبة ذات الجهة بتقديم العون للصحفيين. ولا يحل المعضلة كثيرا القول أن ما سوف يمنح للصحفيين يأتي من حصيلة الضرائب التي تدفعها المؤسسات الصحفية لأن مثل هذه القاعدة التي تعطي كل مؤسسات الدولة الحق في سحب ضرائبها سوف تخل ولا شك بقاعدة الضرائب والتوازن المالي في البلاد.
وحتي لا يفهم أحد خطأ القصد والنية فإنني, وعن تجربة, أعلم تماما بتدني أحوال الصحفيين وضعف أجورهم وأتضامن مع مطالبهم في هذا الصدد. ولكن حل المشكلة لم ينجح أبدا من خلال علاوة إضافية تمنحها الحكومة- الفقيرة هي الأخري- ولا تغني ولا تسمن من جوع, وإنما من خلال الاستخدام الأمثل للمؤسسات الصحفية واستثمار أصولها بطريقة رشيدة. فالحقيقة هي أن أزمة الصحفيين المادية راجعة إلي عدم التناسب ما بين الأعداد والدخول المتاحة, ولكن النسبة تتغير وبسرعة ساعة ربط الدخل بالإنتاج, والقدرة الصحفية بالتوزيع, والتحول من مؤسسات صحفية إلي أخري إعلامية تشمل المطبوع والرقمي والمرئي والمسموع, وعمل الصحفي بنفس الطريقة التي يعمل بها في الصحف والمؤسسات الإعلامية الخاصة والتي تصر علي مهارات عالية في العمل يمكن الحصول عليها بالتدريب. وفي حدود العلم فإن المؤسسات الصحفية الكبري الثلاث- الأهرام والأخبار والجمهورية- والتي تضم العدد الأكبر من الصحفيين بقدرتها استثمارات أفضل لأصولها البشرية والمادية بحيث يكون العائد أكبر بكثير مما تستطيع أي حكومة منحه. أما بالنسبة للمؤسسات الصحفية الأخري التي تعاني بشدة ليس فقط من نقص الموارد, وإنما أيضا من ضعف الأصول فربما يحتاج التعامل معها إلي طرق أكثر شجاعة لأنها سوف تدور إلي الأبد في هذه الدائرة المفرغة.