الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. وليد السيد يكتب: في رمضان.. لَيْلَةٌ مَنْ حُرِم خيرَها فقد حُرِم !!!

صدى البلد


بِشارة من النبي المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لصحابته الكرام ولنا من بعدهم، بليلة خُصَّتْ بمزيدِ الفضل يتأكد فيها استحبابُ الإحياء، لا ينبغي أن يغفل المريد عنها؛ فإِنَّها من مواسم الخيرات ومظان التجارات، ومتى غَفَل التاجرُ عن المواسم لم يربح، ومتى غفل المريدُ عن فضائل الأوقات لم ينجح.
يقول المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُبَشِّرًا أَصْحَابَهُ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» (أحمد: 8991، والنسائي: 2427).
نُكِّرت الليلة «فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» وفي تنكيرها دَلَالَةٌ على تعظيمِ منزلتها من حيث الكيف، فثوابُ العملِ فيها يعدِل ثوابَ ألف شهر (ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر صيامًا وقيامًا) ليس فيها ليلة القدر، فالحسنة فيها أفضل من ألف حسنة في غيرها. 
واتَّحَد الشَّرط والجزاء « مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» وفي اتَّحَادهما دَلَالة على فَخَامَةِ الْجَزَاءِ، أَيْ: فَقَدْ حُرِمَ خَيْرًا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ.
ومن ثَمَّ؛ فإن الخاسر -لا جدال - هو من حُرِم ثوابها؛ لأنه لا يستطيع أن يحصل عليه في العمر كله؛ لما يعتريه من النومِ والغفلة في كل يوم وليلة؛ فمن ذا الذي يستطيع أن يقوم بالعمل المتواصل في ألف شهر. 
ومن لم يُوفَّق لإحيائها فقد مُنع الخير كله، حرمانٌ من الثوابِ الكامل، حرمانٌ من الغُفْران الشامل الذي يفوز به القائم في إحياء ليلِها، والذي نصّ عليه المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بقوله: « مَنْ قام ليلة القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه » (متفق عليه).
وموقعها لمن أراد التماسها -على ما ذهب إليه الأكثرون- في العشر الأواخر في أوتارها؛ لما روي عن أم المؤمنين عائِشَةَ -رَضِيَ اللَّه عنْهَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» (البخاري: 2017). 
وإنما جُعلتْ في العشْر الأواخر التي هي مظنة ضعف الصائم وفتوره في العبادة؛ ليتجدد جدّه في العبادة رجاء إدراكها، وجعلت في الوتر منها؛ لأن الله وتْر يحب الوتر، ويتجلى في الوتر على ما هو مقتضى الذات الأحدية.
وربما قُصد إبهامها في أيِّ ليلة وترية هي؛ ليعظم جدّ الناس في طلبها، فيتعرض مَن يريدها للثواب الكثير بإحياء الليالي جميعها في طلبها، وهذا كإخفاء الصلاة الوسطى، واسمه الأعظم، وساعة الجمعة.
تلك الليلة التي تضيق الأرض فيها بالملائكة الذين ينزلون فيها، فهم في ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحَصَى – كما قال أبو هريرة (رضي الله عنه وأرضاه)-. (التبصرة لابن الجوزي 2/ 93).
أليس من حُرِم خيرَها إذن فقد حُرِم؟؟؟!!!
نعم أحبتي، فهي ليلة مَنْ حُرِم خيرَها فقد حُرِم، فاغتنموها يرحمكم الله!
اغتنموها بالالتجاء إلى الملك الغفار، متجردين في هذه الليلة من جميع الأشغال، مقبلين إلى طاعته، معترفين بذنوبكم وفاقتكم وافتقاركم إليه، متوسلين إليه مخلصين في الخضوع والانكسار، لسان حالكم: يا رب قد عظمت منا الذنوب، وتكاثرت علينا الخطايا والعيوب، نحن الفقراء المعدمون المضطرون إليك، لا ملجأ لنا منك إلا إليك، لا استعانة إلا بك، ولا نعبد إلا إياك.
أحيوها بالصلاة، وقراءة القرآن، والتقرب إلى الله بالدعاء الذي هو مخ العبادة.
ادعوه بالعفو كما أُثر عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- تسأل رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ فيجيبها: قُولِي: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (الترمذي: 3513).
ادعوه بدعاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي جمع فيه خيري الدنيا والآخرة، وشمل حصول النعم الباطنة والظاهرة: «اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» (صحيح مسلم: 2720).
ادعوه بدعوات المكروبِ الْمُضْطَرِّ: «اللهُمَّ رحْمتَك أرجُو، فلا تكلْنِي إلى نَفْسي طرْفَةَ عَينٍ، وأصلحْ لي شأني كُلَّهُ، لا إلهَ إلا أنتَ» (أبو داود: 5090).
فقد بلغنا في هذه الحقبة العصيبة من الزمن (زمن الكورونا) مبلغ الاضطرار أن يُرفع عنا هذا الهم والغم، فمن ذا الذي بيده كشف ما ألمّ بنا غيره وحده؟!!! فهو الذي بيده  ملكوت كل شيء، القائل: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }[النمل: 62].
وصلى الله على سيدنا محمد وآله