الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. مصطفى محمد عبد النبي يكتب: افتتاح الجامع الأزهر في رمضان

صدى البلد

 
مدرس التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر
وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
إن شهر رمضان الكريم ليس كما يتخيله البعض، شهر الكسل والإهمال، والركون للراحة والخمول، وتقليل ساعات العمل والإنتاج والدراسة، وغير هذه الأمور التي نشاهدها في مجتمعاتنا اليوم، حتى أصبح الشعار السائد في شهر رمضان لدى الكثير من الناس شهر الجلوس في البيت والنوم.
ولكن المتتبع لتاريخ أمتنا المجيد، يجد أن رمضان بالنسبة لهم كان شهر العمل والجد والاجتهاد والمثابرة، والأحداث التاريخية التي سجلها المسلمون في شهر رمضان الكريم كثيرة منها: افتتاح الجامع الأزهر الشريف.
فقد قصد الفاطميون من إنشاء الجامع الأزهر الشريف؛ أن يكون المسجد الرسمي الجامع للقاهرة العاصمة الجديدة لدولتهم، وذلك على نحو الجامع الطولوني بمدينة القطائع، وجامع عمرو بن العاص بمدينة الفسطاط؛ وليكون قبلة لطلاب العلم ليتلقوا فيه أصول مذهبهم الشيعي الوافد الجديد إلى مصر في ذلك التوقيت؛ وليصبح الأزهر مركز إشعاع لنشر المذهب الشيعي والدعوة للدولة الفاطمية الجديدة، ومناهضًا للخلافة العباسية السنية القائمة في بغداد، والخلافة الأموية القائمة في الأندلس؛ لانتزاع الصدارة في ربوع العالم الإسلامي وبلدانه.
وقد بدأ القائد الفاطمي الوافد لمصر جوهر الصقلي إرساء قواعده في 24جمادى الأولى 359هـ 3أبريل 970م بأمر من خليفته المعز لدين الله الفاطمي، وقد تم الانتهاء منه بالفعل في غضون سنتين؛ ليتم افتتاح الجامع الأزهر للصلاة رسميًا وتقام فيه أول صلاة جمعة في الجمعة الأولى من شهر  رمضان361هـ/يونيو 972م.
وقد أطلق الفاطميون على الجامع الأزهر في بدايته اسم–جامع القاهرة- ثم أطلق عليه الاسم الحالي –الجامع الأزهر-، وقد ذكر المؤرخون أسبابًا عديدة لهذه التسمية؛ منها: نسبة للسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله  والتي تُنسب إليها الدولة الفاطمية الشيعية، أو لأنه كان يحيط به القصور الفخمة، وكانت تسمى بالقصور الزهراء، أو لأنه كان يُظن بأنه الأكثر فخامة وزهورًا وتألقًا، أو من ناحية التيمن بأنه سيُصبح أعظم المساجد ازدهارًا ونورًا.
وبعد افتتاح الجامع الأزهر رسميًّا في شهر رمضان من عام 361هـ/972م أضحى الأزهر يمثل الركن الثابت والأساسي للدولة الفاطمية الناشئة الجديدة في مصر، ولم يقتصر دوره منذ البداية على إقامة الصلوات الخمس والجمع فقط، بل احتل المكانة الأولى في اهتمامات الفاطميين بحيث كان يجتمع فيه الخلفاء بالشعب؛ للتوجيه وإصدار الأوامر وإلقاء العظات، كما أصبح منبر الدولة الرسمي وصوتها الأول فكان الخليفة الفاطمي يخطب فيه بنفسه خطب الجمع ورمضان الكريم والعيدين.
ولم يتوقف دور الأزهر عند تلك المنزلة بل تعداها لمهمته الرسمية التي أُنشأ من أجلها، وهي التدريس ونشر المذهب الشيعي؛ ولذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون الكتاب الأول الذي يُدرس في الأزهر هو كتاب الفقه الذي ألفه أبو حنيفة النعمان بن محمد القيرواني قاضي المعز لدين الله الفاطمي، وتتابع الأمر بعد ذلك داخل أروقة الأزهر العامر بحيث أملى علي بن النعمان في عام 975هـ/1567م على مجموعة من طلابه بالأزهر مختصرًا لكتاب والده سمي بالاختصار؛ ليتولى أبناؤه من بعده كذلك  التدريس بالأزهر الشريف، وبالإضافة لهذا الكتاب الذي تم تدريسه بالأزهر دُرس كتاب في الفقه الشيعي  ألفه يعقوب بن كلس وزير المعز لدين الله الفاطمي والعزيز بالله وكان هذا في شهر رمضان، وجعله أساسًا لدروسه خلال هذا الشهر الكريم، وكان يحضر للجامع الأزهر الطلاب والعامة والفقهاء والوزراء والقضاة وكبار رجال الدولة الفاطمية؛ ليستمعوا ليعقوب بن كلس وهو يقرأ كتابه؛ ولذلك فلا عجب أن يعود الفضل ليعقوب بن كلس في اتخاذ الأزهر معهدًا علميًا للدراسة، حيث استأذن العزيز بالله في تعيين مجموعة من الفقهاء للتدريس بالأزهر.
واللافت للنظر في دور الأزهر خلال هذه المرحلة الأولى من إنشاءه  أنه لم يقدم لمصر دوره من الناحية الدينية والعلمية كمعهد علمي ومسجد جامع فقط، بل قدم الفاطميون الأزهر للمصريين على اعتبار أن له دورًا إيجابيًّا كذلك في الحياة السياسية للدولة الفاطمية، بحيث أصبح الأزهر مركزًا مهمًّا لتفصيل وتصريف أمور الدولة من حيث صياغة الاتفاقات الرسمية للدولة، وعقد الاجتماعات المهمة  بين أروقته، ومركزًا للاحتفالات الرسمية كالمولد النبوي الشريف، وأيام الوقود، والاحتفال بيوم عاشوراء؛ وبذلك تصبح مكانة الأزهر في ذلك العصر دينية وعلمية واجتماعية وسياسية. 
والناظر اليوم في رسالة الأزهر الشريف ومكانته يجدها نابعة من رسالة الدولة المصرية الوطنية، ومكملًا لدور الدولة البناء في إرساء قواعد السلام والتعايش السلمي والمواطنة، وتقديم الإسلام بصورته الصحيحة البعيدة عن الأفكار الهدامة بمنهجه الوسطى المعتدل، وقد لخص دور الأزهر في هذا العصر فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حين قال:  "إن الأزهر هو المرجعية الأولى للمسلمين في العالم، ويعمل دائمًا على توعية الناس بأمور دينهم ودنياهم، وحماية المجتمع من الأفكار الضالة، وأي أفكار تأخذ الناس بعيدًا عن وسطية الإسلام، فلا يقبل التفريط ولا المغالاة، وعلى مدار تاريخ هذه المؤسسة العريقة التي تحظى باحترام المسلمين بل وغير المسلمين أيضًا؛ لأنها تنطلق من صحيح الدين الإسلامي الذي جاء رحمة للعالمين".
فالأزهر الذي افتتح في شهر رمضان قائم اليوم؛ ليقدم رسالة الإسلام الصحيحة التي نزلت على رسول الله  في ليلة القدر، والتي هي إحدى ليالي شهر رمضان الكريم، فتحية خالصة للأزهر الشامخ ورسالته الأصيلة النابعة من جوهر الإسلام الصحيح.
وتلك هي مكانة الأزهر الشامخ وسط بلدان العالم كله، ورسالته السامية في هذا العصر الحاضر والمعاصر.
فرمضان هو شهر الخير والبركات، وهو شهر الصيام والقيام، وهو شهر الذكر والجود والكرم، وهو شهر افتتاح الجامع الأزهر الشريف.