الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كيف مات النبي.. ومكان وطريقة دفنه

صدى البلد

كيف مات النبي وطريقة دفنه .. كان يومًا مشهودًا في حياة البشرية حين اتجه الحبيب محمد للرفيق الأعلى مودعًا دنيانا في يوم الاثنين من ربيع الأول للسنة الحادية عشرة (11) هـ؛ فقد حزن أهل الأرض من المسلمين لحرمانهم من رؤية أعز الخلق، ومن حَمَل لهم رسائل الوحي والحكمة التي أنارت طريقهم بعد طول ظلام، أما أهل السماء فكانوا فرحين باستقبال الروح الزكية، والتي ما انقطعت عن ذكر ربها ولا عصته، وجاهدت فيه حق الجهاد، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على أُمته، حتى في أصعب الظروف والمواقف، فعندما دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- في مرض الموت، واشتدّ عليه الأمر، أوصى أمته بعددٍ من الوصايا، وتقدم لكم « صدى البلد» أبرز وصايا النبى – صلى الله عليه وسلم- لأمته قبل وفاته.


تاريخ ومكان وفاة النبي 

تُوفّي سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم يوم الاثنين الموافق 12 من ربيع الأوّل، في العام الحادي عشر للهجرة، أي ما يوافق العام 633 ميلادي من شهر ، وكان له -صلّى الله عليه وسلّم- من العُمر ثلاثة وستون عامًا، وقد خُلِّد موته علامةً من أشراط الساعة، ودليل ذلك ما رواه الإمام البخاريّ عن عوف بن مالك الأشجعيّ أنّه قال: (أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي...)، وكانت وفاة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة، في حُجرة السيدة عائشة -رضي الله عنها-، بل جاء بالخبر الصحيح أنّه قُبض -عليه الصلاة والسلام- ورأسه على فخذ عائشة رضي الله عنها.


إقرأ أيضًا| كيف ترى رسول الله في المنام ؟.. اقرأ هذه السورة 41 مرة


مرض النبيّ 

لمّا بدأ مرض النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أصابه صُداعٌ شديدٌ في رأسه وهو عائدٌ من جنازةٍ كانت في البقيع، حتى إنّه وضع عصابةً على رأسه من شدّة الألم، وحينما اشتدّ به الألم استأذن أزواجه أن يقضي فترة مرضه عند عائشة، فأخذه الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب إلى حجرتها، وقبل خمسة أيّام من وفاته ارتفعت حرارة جسمه، واشتدّ عليه المرض، ثمّ أحسّ بخفّة في جسمه؛ فدخل المسجد وعلى رأسه عصابة، وخطب بالناس وهو جالسٌ على منبره، وصلّى بهم الظهر.


وصلّى النبيّ بالمسلمين الصلوات جميعها حتى يوم الخميس قبل وفاته بأربعة أيّامٍ، ولمّا حضرت صلاة عشاء الخميس اشتدّ المرض عليه، فسأل عن صلاة الناس مرارًا بعدما غُمي عليه، فأخبروه أنّهم ينتظرونه، ثمّ أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس، حيث قالت عائشة -رضي الله عنها-: (ثَقُلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ، فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ، فَقَعَدَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، والنَّاسُ عُكُوفٌ في المَسْجِدِ، يَنْتَظِرُونَ النبيَّ عليه السَّلَامُ لِصَلَاةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، فأرْسَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أبِي بَكْرٍ بأَنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فأتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُكَ أنْ تُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ -وكانَ رَجُلًا رَقِيقًا-: يا عُمَرُ صَلِّ بالنَّاسِ، فَقَالَ له عُمَرُ: أنْتَ أحَقُّ بذلكَ، فَصَلَّى أبو بَكْرٍ تِلكَ الأيَّامَ)، وقبل يومَين من وفاته كان النبيّ قد وجد تحسُّنًا في جسمه، فخرج إلى المسجد، وكان أبو بكرٍ -رضي الله عنه- يُصلّي بالناس، فلمّا رآه أبو بكرٍ قدّمه للإمامة بالمسلمين، فأشار إليه النبيّ بألّا يتأخّر، وقد صلّى أبو بكرٍ سبع عشرة صلاة في حياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.


علامات اقتراب أجل النبي

- ما روته عائشة -رضي الله عنها- من قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لابنته فاطمة -رضي الله عنها- عندما جاءت إليه، وأجلسها إلى جانبه، حيث قالت: (إنَّا كُنَّا أزْوَاجَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا واحِدَةٌ، فأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ تَمْشِي، لا واللَّهِ ما تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِن مِشْيَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: مَرْحَبًا بابْنَتي ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ أوْ عن شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هي تَضْحَكُ، فَقُلتُ لَهَا أنَا مِن بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالسِّرِّ مِن بَيْنِنَا، ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: ما كُنْتُ لِأُفْشِيَ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بما لي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فأخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أمَّا حِينَ سَارَّنِي في الأمْرِ الأوَّلِ، فإنَّه أخْبَرَنِي: أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُهُ بالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه قدْ عَارَضَنِي به العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أرَى الأجَلَ إلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي، فإنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الذي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يا فَاطِمَةُ، ألَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِه الأُمَّةِ). 


- ما رآه العبّاس -رضي الله عنه- في رؤيا يُشير تفسيرها كما أخبره النبيّ إلى قُرب وفاته، فقد ثبت عن العبّاس -رضي الله عنه- أنه قال: (رأَيْتُ في المنامِ كأنَّ الأرضَ تنزِعُ إلى السَّماءِ بأَشْطانٍ شِدادٍ، فقصَصْتُ ذلك على رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، فقال: ذاك وفاةُ ابنِ أخيك).


- حديث النبيّ مع معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن، فأخبره بما يدلّ على اقتراب أجله، إذ قال: (يا معاذُ إنَّك عسى ألَّا تَلقاني بعدَ عامي هذا لعلَّك أنْ تمُرَّ بمسجدي وقبري)


- ما رواه العرباض بن سارية من حديث النبيّ بقوله: (صلّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجِلت منها القلوبُ، فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ كأنّ هذه موعظةُ مُودِّعٍ، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ...)


إقرأ أيضًا| دعاء رسول الله للاستعاذة من الأمراض

الأسبوع الأخير 

وثَقُل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرض، فجعل يسأل أزواجه: يقول: ((أين أنا غدًا، أين أنا غدًا؟))؛ يريد يوم عائشة، فأذِنَ له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، وكانت عائشة تقرأ بالمعوِّذات والأدعية التي حفِظتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت تَنفُث على نفسه، وتمسحه بيده رجاء البركة.

احتضار النبيّ ووفاته 

بدأ احتضار النبيّ حين اشتداد ضحى يوم الاثنين، وكان بجوار عائشة -رضي الله عنها- فأسندته إليها، وكان موته في بيتها، وفي حِجرها، وعند اشتداد سكرات الموت عليه أقرّ أنّ للموت سكراتٍ، فرفع إصبعه وشَخِص بصره للأعلى، وسمعت عائشة منه كلماتٍ فأصغت إليه، وإذ به يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وارْحَمْنِي وأَلْحِقْنِي بالرَّفِيقِ)، وقد كرّرها ثلاثًا قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى.

الساعات الأخيرة من حياة النبي 

صوّرت الساعات الأخيرة التي سبقت وفاة أعظم البشر مواقف حاسمةً للغاية؛ أوّلها عندما كان المسلمون يصلّون صبيحة فجر يوم الاثنين وكان إمامهم أبو بكرٍ، فحلّت إطلالةٌ باسمةٌ من وجه النبيّ الكريم عليهم بعدما كشف ستارة حجرة عائشة، وثانيها عند ارتفاع شمس الضحى، إذ أمر النبيّ بحضور ابنته فاطمة -رضي الله عنها- إليه، وأسرّ إليها فبكت، ثمّ أسرّ إليها أخرى فضحكت؛ فكانت الأولى إخبارها بأنّه سينتقل إلى الرفيق الأعلى، أمّا الثانية فقد أخبرها بأنّها أوّل أهل بيته لحاقًا به، وبأنّها سيّدة نساء العالَمين، وثالثها دعوته للحسين والحسن، وتقبيلهما، وتوصيته بهما حُسنًا، ورابعها دعوته لنسائه، ووعظهنّ.

إقرأ أيضًا| دعاء رسول الله عند التشاؤم

تغسيل النبي ودفنه 

1) صفة غسله وكفنه غسّل النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد وفاته أهلُ بيته، وعُصبته من بني هاشم، وهم: ابن عمّه علي بن أبي طالب، وعمّه العبّاس مع ابنَيه: الفضل، وقثم، وأسامة بن زيد، وشقران مولى النبيّ -رضي الله عنهم جميعًا-، وتمّ تغسيله، وثيابه عليه، ولم تُنزَع عنه، فقد رُوِي عن السيّدة عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (لمَّا أرادوا غسلَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالوا: واللَّهِ ما ندري أنُجرِّدُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ من ثيابِهِ كما نجرِّدُ مَوتانا، أم نَغسلُهُ وعلَيهِ ثيابُهُ؟ فلمَّا اختَلفوا ألقى اللَّهُ عليهمُ النَّومَ حتَّى ما منهم رجلٌ إلَّا وذقنُهُ في صَدرِهِ، ثمَّ كلَّمَهُم مُكَلِّمٌ من ناحيةِ البيتِ لا يَدرونَ من هوَ: أن اغسِلوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وعلَيهِ ثيابُهُ)، وباشر عليّ غسلَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وحده، وأسنده إلى صدره، وكان يقول وهو يُغسّله: "ما أطيبك يا رسول الله حيًّا وميتًا"، أمّا العبّاس وابناه: الفضل، وقثم فكانوا يُقلّبون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان أسامة وشقران يصبّان الماء، وشَهد الغسل أوس بن خولي من بني عمرو بن عوف من الخزرج؛ فقد طلب ذلك من عليّ فأذن له، وتمّ تكفين النبيّ -صلّى الله عله وسلّم- بثلاثة أثوابٍ من القطن دون نزع ثيابه عنه -كما سبق الذِّكر-.

إقرأ أيضًا| 5 أمور استعاذ منها رسول الله

2) الصلاة على النبيّ ودفنهبعد أن انتهى الصحابة -رضي الله عنهم- من تغسيل النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-، وتكفينه، وضعوه في بيته على سريره؛ ليُصلّى عليه، وقد صلّى عليه المسلمون فُرادى من غير إمامٍ يؤمّهم؛ بحيث تدخل جماعةٌ من الناس تصلّي عليه وتخرج، فصلّى عليه الرجال، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان، وقد دُفِن النبيّ في مكان فراشه في المكان الذي قبض الله فيه روحه الطاهرة، وتمّ إدخال النبيّ إلى القبر من جهة القبلة، وجُعِل قبره مُسطَّحًا غير بارزٍ، ورشّ بلال بن رباح -رضي الله عنه- الماء على قبره ابتداءً بالشقّ الأيمن لرأس النبيّ الكريم، وانتهاءً بقدميه الشريفتَين، وكان الدفن ليلة الأربعاء، وقد نزل في قبره: علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وأخوه قثم، وشقران مولى النبي، وقيل أسامة بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، فكانوا هم من دفنوا النبي.