الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. وليد جاب الله يكتب: ذهبت الوسية وبقيت أخلاقها

صدى البلد

الوسية منظومة اقتصادية مُتكاملة يقوم فيها الفلاحين بزراعة الأرض، وتربية المواشي، وما يرتبط بها من نشاط اقتصادي، وتشكلت منظومة الريف المصري قبل ثورة يوليو 1952 من مجموعات من الوسايا، وتسمى كل وسية باسم مالكها الذي في الغالب الأعم حصل عليها كهبة من الحكام لأسباب مُتنوعة. وقد نتج عن هذا التقسيم سلوك اجتماعي يرسخ الكره لصاحب الوسية، وانتشار عقيدة أن من يعمل بأمانة هو شخص ساذج يهدر مجهوده لصالح صاحب الوسية، وأن الزكي هو من يحصل على أجره اليومي من صاحب الوسية بأقل مجهود بل والعبقري هو من يستطع إتلاف شيئاً في الوسية يضر صاحبها دون أن يُضبط وإلا كان العقاب قاسي جداً، وقد رسخ هذا الفكر فترات الاستعمار الطويلة التي رسخت في قناعة المجتمع المصري بأن الثمار ستذهب للمُستعمر أو عُملائه.

ومع قيام ثورة يوليو 1952 وتطبيق الإصلاح الزراعي تم تخفيض الملكيات وتوزيع الأرض على الفلاحين، ورغم ذلك استمرت نظرة العمال لأصحاب الأرض والمشروعات بنفس النظرة، واستمر الفكر الذي لا يشعر بالولاء لعمله وتنتشر عبارات مثل (إمتي ربنا يتوب علينا من الشغلانة دي) لتسمعها من غالب العاملين في كل القطاعات، والغريب أنه مع سفر المصريين للعمل بالخليج منذ السبعينات ظهر منهم كل أمانه وإنجاز فيما تم تكليفهم به من عمل، بينما إذا عادوا لمصر وسألهم أطفالهم من يمتلك هذا الميناء، أو هذا المطار تكون الإجابة مملوك للحكومة، وليس مملوك للشعب، وفكرة ملكية المرفق للحكومة تخلق إحساس بالسعادة عند الهروب من دفع تذكرة قطار أو أتوبيس، وتجعل المراهق فخور عندما يفتح باب المترو عُنوة أو يُخرب شيئاً في مرفق عام تكاف كثيراً، لن تجد في دولة بالعالم الأطفال والمراهقين يقذفون الحجارة على زجاج شبابيك المدارس أو القطارات إلا في مصر، لا تشعر بالاستغراب إذا صادفت قطع بألة حادة في مقعد أتوبيس، أو مُسابقة يربح فيها من يكون حجره هو الذي يُصيب مصباح إنارة بالشارع.

سلوكيات تصل إلى زورتها عندما يقوم مصريين بإيقاف قطار من يد الطوارئ ليصطدم به قطار قادم من الخلف ليستشهد عشرات الضحايا، ويظل من عبث بيد الطوارئ ومن هم على شاكلته طلقاء عابثين بمقدرات الأمه، وحتى لو تم ضبطهم ستجد من يلتمس لهم العذر وكأن انتشار سلوكيات العبث يكفي كمبرر لتبرئة العابثين بالمرافق العامة التي تُعاني من حالات عبث وإهمال وفساد يحول من تحقيق نتائج لمشروعات التطوير التي لن تنجح بدون مشروع ثقافي يتم من خلاله ضخ استثمارات ضخمة لإعادة هيكلة ثقافة المصريين وتصحيح مفاهيمهم وتطوير محاور الشخصية المصرية وتنقيتها من موروثاتها السلبية التي تقف عقبة من انطلاقة هذا الوطن.