الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. وليد جاب الله يكتب: الأجر والعمل والعقيدة المصرية

صدى البلد


استعان الفرعون بالسحرة المصريين لمواجهة سيدنا موسى، ورغم وحدة العقيدة للفرعون والسحرة، إلا أنهم طلبوا الأجر من الفرعون لكي يدافعوا عن عقيدتهم "قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ" دون تبني لرسالة لدفاع عن العقيد، أو الخشية من سلطة الفرعون الذي وافق على ذلك "قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" وهو الأمر الذي يُعبر عن أن ما طلبه السحرة كان بمثابة أمراً مألوفاً لدى المصريين في ذلك الوقت، ولم يستغل الفرعون سلطته للضغط عليهم للعمل بدون أجر، بل وافقهم بدون تفاوض حقيقي ليكسب بهم معركته.
وفي موضع آخر وجد موسى عليه السلام زحام حول مكان السقاية وكانت هناك امرأتين لا يستطيعان سقاية أغنامهم فسقى لهما، وعندما طلبت منه إحداهما الذهاب لأبيها ليحصل على أجر "قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا" فلم يُصر على كون ما قام به من قبيل الأخلاق، بل قبل عرض أبيها بدون تفاوض بالعمل لديه لمدة من ثماني إلى عشر سنوات نظير إعاشته وأن يزوجه إحدى. بل أن سيدنا موسى نفسه عندما اتبع الرجل الذي آتاه الله العلم، تعجب "رغم خصوصية الرجل"  لكونه لم يطلب أجراً نظير إقامة جدار لم يكلفه  أحد بإقامته "فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا" كل تلك الوقائع تُبين أن دوافع العقيدة أو الأخلاق أو حتى تكليف الحاكم، لم تكن دوافع كافية للمصريين ليعملوا بدون أجر، بل كانوا يطلبوا ذلك، وكان الآخر يتقبل، كما يتلاحظ لنا سهولة التفاوض وعدم طلب العامل المصري أجراً مبالغ فيه، وكذلك قبول رب العمل منح الأجر دون استغلال. فهل تلك الخصائص لازالت تحكم علاقات العمل المصرية حالياً.
الواقع أننا يُمكن رصد أن المُجتمع المصري لازال غير مُتفهم لفكرة أن يقوم شخص بعمل بدون أجر أو بأجر بخس حتى لو كان بدافع من عقيدة، ولا يصدق من يقوم بذلك حتى ولو كان صادقاً. بينما الشريحة الكبرى لازالت مُتأثرة بالثقافة المصرية القديمة بقبولها العمل بكل نشاط إذا وفر لها العمل راتب يكفي احتياجاتها الأساسية ويقتصر طموحها في زيادات محدودة لذلك الراتب، ونجد أن الأزمة الحقيقية في سوق العمل تتمثل في ما استجد من ثقافة لدى البعض برفض العمل حتى لو  في مشروع العائلة إلا إذا كان العمل مرموقاً ويوفر وراتباً كبيراً، ويفضلوا البطالة عن الأجر غير المُجزي، بل ويستخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لتسميم العلاقة بين العاملين القابلين للعمل بأجر  محدود كبداية، وأصحاب الأعمال، بإظهار العاملين أنهم مُقصرين وغير مُنتجين، وإظهار أصحاب الأعمال بأنهم ظالمين وآكلين لحقوق العمال.
وإذا كانت الأجور المُتدنية شكلت الحافز الأساسي لجذب المستثمرين لدول النمور الأسيوية عند بداية نموذجها التنموي، فقد كانت نتيجة ذلك أن تم التوسع في المشروعات ونمو في الاقتصاد ترتب عليه لاحقاً زيادات كبيرة في الرواتب. وهكذا فإن قضية الأجور والعمل بمثابة قضية دائرية تتمثل في أن انخفاض الأجور يُشجع المُستثمرين على إقامة المشروعات فيزيد معدل التشغيل وتكون أجور المُشتغلين هي التي توجه لشراء السلع والمنتجات فتربح المشروعات مما يؤهلها لزيادة الرواتب، بينما التمسك بمستوى مرتفع من الأجور يترتب علية تردد المُستثمرين في ضخ استثمارات لينكمش حجم النشاط وتزداد البطالة فتنخفض القوة الشرائية للمجتمع ويقل الطلب على السلع والخدمات فتتراجع أرباح المشروعات فتخفض الأجور، وتقوم بإلغاء الوظائف
بالتالي فإن قضية الأجور لا يجب النظر إليها من خلال منظور العدالة بقدر ما يُنظر لها بمنظور الإدارة والسياسة يُمكن من خلالها للشخص القبول بفكرة العمل لمجرد عرض الإمكانيات كما قام به سيدنا موسى عندما سقى للامرأتين، والقبول بالأجر الممكن حتى يصل الشخص للأجر المأمور، بينما يتشكل تدخل الدولة لتحديد مستويات الأجور حسب طبيعة كل مرحلة من مراحل التنمية بصورة توازن بين اعتبارات الأجر العادل، واعتبارات تشجيع المستثمرين.