الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كلاب تشرنوبل.. حكايات الرفق والرفقة مع حراس موقع الكارثة النووية

حراس موقع انفجار
حراس موقع انفجار تشرنوبل يعتنون بالكلاب

لم تكد تمضي أيام على وصول بوغدان (وهو اسم مستعار) إلى المنطقة العازلة حول محطة تشرنوبل الملوثة بالإشعاعات شمالي أوكرانيا، حتى أدرك أنه سيؤنس وحدته رفقاء لم يكونوا في الحسبان، فمنذ أن تسلم بوغدان، وظيفة حارس بإحدى نقاط التفتيش في تشرنوبل، يشاركه في المكان قطيع من الكلاب.

وبعد أن أمضى بوغدان عامين في المنطقة العازلة، توثقت معرفته بالكلاب. وبينما يحمل بعض هذه الكلاب أسماء، فإن بعضها بلا اسم. ومنها من يبقى قريبا من المنطقة، ومنها من يفضل العزلة، فهذه الكلاب تروح وتجيء كما يحلو لها، وفق ما ذكرت إذاعة "بي بي سي" البريطانية.

ويقدم لها بوغدان وسائر الحراس طعاما ويوفرون لها مأوى وأحيانا رعاية طبية، ويدفنونها عندما تموت. وقد أضحت كل هذه الكلاب مشردة بعد كارثة 1986، حين انفجر المفاعل الرابع في محطة الطاقة النووية بتشرنوبل. وفي أعقاب الانفجار نزح عشرات الآلاف من السكان من مدينة بريبيات الأوكرانية، وأمروا بترك حيواناتهم الأليفة.

ويقول بوغدان إن الكلاب تصحبه جيئة وذهابا من تلقاء نفسها عندما يمشي في الشوارع المهجورة بالمنطقة بحثا عن متسللين. ودائما تنظر بلهفة في يد الزائر أو السائح لترى إن كان يحمل طعاما أم لا. فإذا وجد الكلب الذي يرافق بوغدان شيئا يشتت انتباهه أو تركه ليطارد حيوانا، ما يلبث أن يعود إليه.

وبالرغم من المخاطر التي يمثلها الكلاب بشأن الإشعاعات، إلا أن الحراس مثل بوغدان، يشددون على مزايا وجود الكلاب حولهم. إذ يقول بوغدان على سبيل المثال إنه يميز الطرق المختلفة التي ينبح بها الكلب بحسب الأشياء التي يراها، سواء كانت مركبة أو حيوانا أليفا أو شخصا غريبا عن المكان. ولهذا يقول بوغدان إن الكلاب تلعب دور "المساعدين" بسبب هذه الإشارات التحذيرية.

وأطلق الجنود السوفييت الرصاص على الكثير من الحيوانات التي تخلى عنها أصحابها لمنع انتشار التلوث. لكن بعض الحيوانات استطاعت أن تختبئ وتنجو من رصاص الجنود السوفييت. وبعد خمسة وثلاثين عاما، تجوب مئات من الكلاب الضالة الآن المنطقة العازلة التي تبلغ مساحتها 2,600 كيلومتر، وقد فرضت هذه المنطقة حول المحطة لتقييد حركة البشر إلى الداخل والخارج.

ولا أحد يعرف أي هذه الكلاب ينحدر من الحيوانات الأليفة التي هجرها أصحابها، وأيها جاء إلى هذه المنطقة من مكان آخر، لكنها الآن كلها تسمى كلاب المنطقة.

وتعيش هذه الكلاب حياة محفوفة بالمخاطر، ما بين مخاطر التلوث الإشعاعي ومخاطر هجمات الذئاب وحرائق الغابات والجوع، وغيرها. وأشار صندوق "كلين فيوتشرز" غير الحكومي الذي يراقب الكلاب التي تعيش في المنطقة العازلة ويقدم لها الرعاية، إن متوسط عمر الكلاب في هذه المنطقة لا يتعدى خمس سنوات.

ولاقت الكلاب التي تسكن هذه الأطلال شهرة كبيرة، وبعضها أصبح من المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي. وينظم لوكاس هيكسون، الذي شارك في تأسيس صندوق "كلين فيوتشرز"، وتخلى عن مجاله البحثي للتفرغ لرعاية الحيوانات، جولات سياحية افتراضية للمنطقة العازلة وسط الكلاب.

واهتم جوناثان تيرنبول، باحث الدكتوراة في الجغرافيا بجامعة كامبريدج، بجمع قصص العاملين المحليين الذين يتفاعلون مع هذه الكلاب يوميا. ويقول تيرنبول: "إذا أردت أن تتعرف على الكلاب، فلا بد أن تتحدث إلى الناس الأقرب إليها، وهم الحراس".

واكتشف تيرنبول قصة مؤثرة عن العلاقة التي نشأت بين الحراس وبين الحيوانات التي يتعاملون معها في هذه البيئة المهجورة، وقد تكشف هذه القصة عن الروابط الوثيقة بين البشر والكلاب.

وأطلق الحراس على الكلاب أسماء، مثل "ألفا"، الاسم الذي يشير لنوع من الإشعاعات، و"طرزان"، الذي اشتهر بين سياح تشرنوبل بأنه يؤدي حيلا، عندما يُطلب منه ذلك، و"سوسدج"، الكلب القصير الذي يحلو له الجلوس على أنابيب تسخين المياه في الشتاء. وتستخدم هذه الأنابيب لتدفئة أحد المباني التي يستخدمها العمال الذين يشاركون في جهود تفكيك المحطة النووية المعطلة وإزالة المخلفات النووية منها.

ولا يسمح لأحد بدخول المنطقة العازلة في تشرنوبل إلا بعد الحصول على تصريح، ويُكلف الحراس بمراقبة نقاط التفتيش في الطرق المؤدية إلى المنطقة. ويبلغون الشرطة في حالة اكتشاف متسللين يحاولون دخول المنطقة العازلة خفيةً.

وبينما لا تزال هذه الكلاب وقصتها تدهش العالم خارج تشرنوبل، فإن الكثير من الحراس يرون أن هذه العلاقة بينهم وبين الكلاب أكثر عمقا بمراحل. ويقول بوغدان إن الكثيرين يسألونه عن أسباب السماح للكلاب بالتجول في المنطقة العازلة، ويجيب عليهم بالقول: "إنها مبهجة، وأرى أنها رمز لاستمرار الحياة في عالم ما بعد الكارثة".