الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مونيكا وليم تكتب: 100 يوم بايدن.. دبلوماسية البنج بنج

صدى البلد


يتغير شكل النسق الدولي جراء التفاعلات المتسارعة بين القوي الدولية والحديث عن قوتين منافستين للولايات المتحدة هما روسيا والصين، كونهما قوتان تعديليتان في النظام الدولي تسعي لتشكيل نظام عالمي جديد يتعارض مع المصالح والقيم الأمريكية، ومساعيهما لإزاحة واشنطن من مناطق نفوذها وقيادتها للنظام الدولي. 
وبالتالي ثمة تساؤلات جدلية تظهر على السطح بشأن طبيعة وشكل النسق الدولي في ظل الشد والجذب التي تشهده العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والتي تأرجحت ما بين التنافس والتعاون في أول 100 يوم لبايدن وذلك في ضوء ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية المتعلقة بالمواجهة الاستراتيجية لقوي مناظرة من حيث اختلاف شدتها حسب مقتضيات الموقف السياسي داخلياً وخارجياً.
وباستذكار قول بايدن في الفترة التي سبقت الانتخابات، حين وصف روسيا بأنها " الخصم " والدولة التي تشكل " أكبر تهديد " لأمن أمريكا، يتبين تعمق البرودة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في عهد بايدن خاصة انه من أكثر المناهضين لبوتين. وكان مكلَّفاً من قبل باراك أوباما بمفاوضة الكونجرس الأمريكي لتمرير معاهدة "ستارت" جديدة لخفض الرؤوس النووية بين أمريكا وروسيا، وبذلك فهو كان معنياً بشكل مباشر بالتعامل مع الرئيس بوتين. وفي هذا الصدد يمكن القول أن العلاقات الشخصية بين الطرفين شبيهة بالعلاقة بين الرئيس السابق أوباما وبوتين، وهي علاقة كانت تخلو من الثقة المتبادلة.
فعند تحليل العلاقة الامريكية الروسية يتعين علينا بدايةًالوقوف على المحددات الفاصلة لتلك العلاقة، فالمحدد الأول هو الاعتماد على عنصر الاستمرارية في السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية، باعتبارها نتاج توافقات كبرى بين صناع القرار الأمريكيين.
ويتمثل المحدد الثاني، في اعتبار حقوق الانسان ودعم الديمقراطية ومناهضة الشعبوية والتطرف، معيارا أساسيا في تشخيص المصالح وتحديد الأهداف، وهو معيار سيتم الاعتماد عليه بشكل مشترك مع الأوروبيين، في التعامل مع ملفات عديدة، مثل دعم الديمقراطية الناشئة في تونس والضغط من أجل النهوض بأوضاع حقوق الانسان في عدد من الدول العربية. 
أما المحدد الثالث، فيتعلق بتوزيع الأدوار بين الشريكين الأمريكي والأوروبي. ويبدو أن المعادلة الأكثر ترجيحا في هذا السياق، هو تركيز الجانب الأمريكي على دور استراتيجي "ناعم" Soft security، في الحرب على الارهاب ومواجهة التحديات الأمنية الجديدة، بموازاة دور أوروبي يرافق برامج التنمية ودعم الديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد. 
وفي هذا الإطار يجب الوقوف علي " وثيقة استراتيجية الأمن القومي" الصادرة في مارس 2021 ، حيث يتم في أطارها توجيه سياسة الإدارة الجديدة،وتشخيص المصالح وموازنة الأولويات. فقد افرزت بشكل واضح الملفات التي تمثل نقاط خلافية في السياسة الخارجية بشكل كبير وفي التعاطي مع الملف الروسي علي وجه الخصوص. 
أولا: الملفات الإقليمية فالتمركز العسكري الدائم في سوريا والتي تسعى روسيا  خلاله إلى تقويض النفوذ الأمريكي وتعزيز وجودها كقوة عظمى عالمياً من جهة، وتصوير نفسها كبديل للغرب من حيث لعب دور الوساطة في النزاعات الإقليمية وتوريد الأسلحة من جهة اخري.
ثانياً: التدخل الامريكي في دول الجوار الروسي:  فالتطورات العسكرية في شرق اوكرانيا اعادت الملف إلي الواجهة فمزيد من الدعم الأمريكي الملموس لكييف والحركات الديمقراطية حول محيط روسيا سيثير قلق موسكو ، مما يؤجج انعدام الأمن في روسيا ، ويعظم التخوف من "الثورات الملونة" في جوارها، وهو الأمر ذاته فيما يخص تدخلها بيلاروسيا جراء القمع العنيف الذي يمارسه نظام لوكاشينكو المدعوم من موسكو .
ثالثا، ملف حقوق الانسان:  تستخدم الولايات المتحدة ملف حقوق الانسان للضغط علي روسيا، فقد انتقد بايدن خصمه بسبب التزامه الصمت حيال تسميم زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني
فعند تتبع التسلسل الزمني للتصعيد بين الجانب الأمريكي والروسي ، تتبلور سياسة بايدن الخارجية إزاءها والتي يمكن نعتها على انها سياسية بنج بنج، فقد بدأ التصعيد في لهجة الخطاب الأمريكي ضد روسيا حين وصف الرئيس الأمريكي نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه قاتل وهي تعد مرحلة نوعية جديدة في المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.وعلى الرغم من الوضع المتدهور في العلاقات، فإن الكرملين لم يرفض اقتراح بايدن عقد قمة للرئيسين في أوروبا، بل وشارك في قمة المناخ يستضيفها بايدن عبر الإنترنت.
وبالتزامن مع ذلك ، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا ،كما طردت 10 دبلوماسيين روس، كما حذرت الولايات المتحدة روسيا من "التداعيات" إذا توفي المعارض أليكسي نافالني، وهو الامر الذي تعاطت معه موسكو بسياسة تصعيدية حيث فرضت عقوبات على الولايات المتحدة، وأمرت بخروج 10 دبلوماسيين أمريكيين من البلاد، وفرضت حظرا على دخول ثمانية مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين.
الخلاصة،  أن تحسين العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة يعتمد فقط على الإرادة السياسية للرئيس الأمريكي جو بايدن، التي سوف تركز الفترة المقبلة على مجالين رئيسيين هما: استعادة السيطرة على الأسلحة وتقوية الناتو للحد من المغامرة الروسية من جهة.والحفاظ على رادع قوي واستعادة المصداقية مع حلفائها مما يضيق مساحة المناورة التي تمتعت بها روسيا خلال عهد ترامب سواء في إفريقيا أو الشرق الأوسط من جهة اخري
ولا يستبعد أن يكون توتر العلاقات مع روسيا مجرد محاولة للتعمية على الهدف الأساسي وهو مواجهة التوسع الصيني والتي يتضح جليًا تنامي التخوف الأمريكي من حضورها على المسرح العالمي. وكانت إدارة الرئيس ترامب قد وضعت الصين في مقدمة الأهداف الجديرة بالمواجهة الفورية الأمر الذي حشدت له قوات وحلفاء في بحر الصين الجنوبي.