الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رجب الشرنوبي يكتب: قفزة في الهواء

صدى البلد

 

علي مدار يومي الثاني والعشرين والثالث والعشرين من أبريل أستضافت الولايات المتحدة القمة الإفتراضية العالمية لملف التغير المناخي والإنبعاثات الحرارية..هذه الظاهرة التي صاحبت تطورات الثورة الصناعية وتستمر آثارها المدمرة حتي الآن ومن المتوقع أن تدوم لعقود أخري مقبلة..وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن عنها وعن عودة الولايات المتحدة لإتفاق باريس للمناخ في اليوم الأول له بالبيت الأبيض..رغم ان سلفه دونالد ترامب قد إنسحب من هذا الإتفاق قبل ثلاث سنوات وبالتحديد في نوفمبر 2018.

وسط حضور أكثر من أربعين زعيماً من زعماء العالم كان الحديث والخطط ينصب طوال القمة حول مدي إمكانية التخلص من الإنبعاثات الكربونية المصاحبة للأنشطة الصناعية والتي تنتج من الإستخدامات المختلفة لمشتقات البترول والفحم كأهم انواع الوقود الإحفوري إلي جانب الغاز  وهوالأقل ضرراً إذا ماقورن بهما.

كذلك كان الحديث في  مستقبل خطط التنمية المستدامة حول العالم في ظل البحث الدائم عن مصادر للطاقة البديلة والنظيفة..أيضاً تمت مناقشة مدي مساهمة الدول الصناعية الكبري في التصدي لظاهرة الإحتباس الحراري..خصوصا أن سبعة عشر دولة فقط من الحضور مسئولة بما يوازي ثمانون بالمائة عن مسببات هذا التغير المدمر للحياة الإنسانية والفطرية في ظل الإرتفاع المضطرد في  درجات الحرارة..وربما يزداد الأمر دهشة إذا علمنا أن أربعة أطراف رئيسية فقط مسئولة عن مايوازي خمس وخمسون بالمائة من هذا التحدي للطبيعة الإنسانية.

السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة الآن هل أستفادت الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها من إيرادات الذهب الأسود"البترول" كما كان يطلق عليه قبل أن يتوقف إستخدامه عالمياً بعد عدة سنوات..بعدما ظل العرب يستحوزن علي نصيب كبير منه سواء علي مستوي الإنتاج اليومي أو علي مستوي الإحتياطيات العالمية الدفينة منه لعقود طويلة؟؟!!بصيغة أخري هل كان ذلك الكنز وأهميتة الإستراتيجية بمثابة النعمة التي تسببت في تغيير مصير العرب وصنعت لهم أمجاداً ومجتماعات قوية وموقعاً مميزاً علي الخريطة الدولية بما يضمن حياة رغدة وكريمة للأجيال القادمة من شباب وفتيات العرب أم أنه كان بمثابة النقمة التي جلبت الأطماع والتربص بشعوبنا العربية ليزداد العرب هوان بعد هوان؟؟!!

هل كان إنتاج النفط منذ بداية إنتاجة بغزارة في الدول العربية مع نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي يمثل تحولاً محورياً في بناء تنمية إقتصادية عموماً وثورة صناعية وتكنولوجية خاصة   للبلدان العربية؟؟!!أم أنها  مجرد طفرة لم يكن للعرب فضل فيها بدأت وستنتهي كما ينتهي كل شيء داخل البلدان العربية ويظل حال المواطن العربي كما هو مجرد مستهلك لم يكن له يوماً تأثيراً واضحاً في عجلة الإقتصاد العالمي ولم يكن بشكل ملموس جزء من صناعة القرار الدولي.

إذا إستبعدنا مدخولات هذه الدول من النفط كم يصبح حجم الإنتاج المحلي للدول العربية النفطية مجتمعة؟؟!! أعتقد أنه سيأتي يوماً ما علي العرب ولن يتذكروا تأثيراً ملموساً وحقيقياً للنعمة التي ظلت بين أياديهم عقود طويلة سوي مرة واحدة..وهي المرة التي هدد فيها الزعيم الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله بقطع الإمدادات العربية من النفط عن السوق العالمي إبان حرب التحرير عام ثلاثة وسبعون..وكان بمثابة سلاح هام ساهم وقتها بلا شك في حسم المعركة..التي ساهم فيها كل العرب ولو بقوات رمزية علي الجبهتين المصرية والسورية.

ما إن أنتهت الحرب حتي إجتمعت الدول الصناعية الكبري في واشنطن العام التالي مباشرة في أول قمة للسبع الكبار عام أربعة وسبعون وتسعمائة وألف.. للعمل مجتمعين علي ضرورة تكثيف البحث عن بديل آخر  للنفط حتي لا تتهدد إمبراطورياتهم الصناعية مرة أخري وحتي لايكون الإقتصاد العالمي أسير ولو حتي بشكل جزئي لموقف عربي موحد كما حدث في حرب أكتوبر المجيد وكان الإستخدام المكثف للغاز وخصوصاً الروسي مع منتصف التسعينات من القرن المنصرم.

ستة دول عربية فقط كما جاء في آخر بيانات النفط العالمية هي العراق والجزائر وليبيا إلي جانب السعودية والإمارات والكويت تنتج بما يزيد عن خمس وسبعون بالمائة من إنتاج  أعضاء دول أوبك الثلاثة عشر وهو مايوازي واحد وعشرون بالمائة من الإنتاج العالمي للنفط..علماً بأن تكلفة الإنتاج العربي من النفط رخيصة جداً إذا ماقورنت بتكاليف الإنتاج العالمية من الذهب الأسود وهو مايعني الفرق الشاسع بين تكلفة الإنتاج وأسعار برميل النفط..ولا يخفي علي أحد بأن المخزونات الإستارتيجية من البترول في باطن الأراضي العربية تمثل الرقم الأهم في الإحتياطيات العالمية منه.

لكن هل لازالت الفرصة سانحة أمام العرب فيما تبقي من وقت؟؟!!قبل أن يسدل الستار علي عصر إستخدامات  البترول ويفقد قيمته ولايصبح العمود الفقري لمنظومة الطاقة العالمية وهو الذي قامت عليه أعتي الإقتصاديات العالمية في أمريكا والصين وأوروبا والتي بدأت بالفعل تعتمد علي انواع أخري من الطاقة البديلة وقليلة الضرر مثل الغاز إلي جانب الطاقة النظيفة والمتجددة..في الوقت الذي أنفقت معظم الدول العربية وخاصة الخليجية معظم مدخولاتها من البترول علي السلع الإستهلاكية والترفيهية حتي ماأقامته من صناعات معظمة لسلع إستهلاكية هشه لاتصمد طويلاً أمام التطور العالمي!! لابل تشارك وبقوة في إعداد الخطط والصرف علي إيجاد مصادر بديلة من الطاقة النظيفة والمتجددة رغم  أنهم أقل البلدان في الحاجة إليها كما جاء بمشاركة الإمارات بقمة المناخ  أو زراعة مليارات الأشجار الخضراء والسعي إلي عمل مشروع الشرق الأوسط الأخضر كما جاء بمشاركة المملكة العربية السعودية.

كعادتنا نحن العرب دائماً نلهث وراء كل مايأتي به الغرب ودائماً نسارع إلي إبداء حسن النواياً والإلتزام أو الإنصياع لكل مايصدر عن واشنطن والدول الفاعلة بدلاً من أن نحاول أن نكون جزء من القرار العالمي رغم أننا دائما ضحايا لأفعال الغرب ولسنا نحن السبب وراء إرتفاع درجات الحرارة وزيادة نسب الكربون في الهواء.. ولعل إيران وماتفعله الآن وهي التي تقف أمام العالم منفردة بصرف النظر عن صحة وقفتها من عدمة خير دليل علي إدارة العرب لمواردهم..علماً بأن إيران  أيضاً دولة نفطية مثلها في ذلك مثل دول الخليج العربي ولكن ماذا تفعل إيران في ظل عقوبات دولية صارمة منذ عقود وماذا يفعل العرب الكيوت!!

ساءت العلاقات بين الأوروبين وأمريكا أثناء ولاية ترامب بسبب فرضه رسوماً جمركية علي المنتجات الأوروبية كالصلب المصدر للسوق الأمريكي وأيضاً عندما أختلفت وجهات النظر حول الملف الإيراني النووي وإنسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية وملفات عالمية أخري أختلفت فيها المصالح.

عندما جاء جو بايدن وقررت الولايات المتحدة والأوروبين أن تعود العلاقات إلي سابق عهدها كأعضاء مؤسسين وحلفاء في حلف الناتو كانت التحركات الفعلية علي الأرض..تمت عودة العلاقات التجارية إلي سابق عهدها ورجعت أمريكا إلي دعم منظمة الصحة العالمية وعادت الولايات المتحدة إلي إتفاق باريس للمناخ بل وأستضافت قمته وبدأت المواقف في وجه إيران تتوحد من أجل عودتها إلي الإتفاق والإنصياع للموقف الأوروبي والأمريكي.

عندما قرر العرب الصلح وعودة قطر مرة أخري للعمل العربي المشترك كان تنظيم كأس العرب في الدوحة في ديسمبر القادم..هكذا يفكر الغرب وهكذا يعملون وهكذا يفكر العرب ولايعملون!!!

حسناً فعلت مصر حينما قررت القيادة السياسية قبل سنوات البحث عن ثروات مصر الدفينة من الغاز الطبيعي..حسناً فعل الرئيس السيسي حينما قرر أن تكون مصر مركز إقليماً للطاقة خصوصاً مع توافر الإرادة الوطنية لبناء دولة حديثة تعمل علي توطين الصناعات والتكنولوجيا.. الإستثمارات الضخمة في الكهرباء و مجمع بنبان لإنتاج الطاقة النظيفة قرب اسوان وكذلك محطة الطاقة النووية هناك في الضبعة كانت ضرورية فمصر بلد فقير في إنتاج البترول.

كان من الضروري الإعتماد علي النفس في إيجاد مصادر بديلة للطاقة تكفي إحتياجاتها المحلية و يمكنها أن تصدر مايزيد عنها لدول الجوار العربية والأفريقية..كل الأماني ان يستفيق العرب قبل فوات الأوان وكل الآمال تنعقد علي أن تنجح مصر فيما تخطط له وتتبوء مكانة بين الأمم تناسب شعب تضرب جذوره في أعماق التاريخ آلاف السنين.