الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بدأت منذ قرن ولا تزال قائمة

تعرف على سبب أزمة دير السلطان.. مملوك للكنيسة المصرية وتطمع فيه إثيوبيا

أرشيفية - إثيوبيون
أرشيفية - إثيوبيون يقتحمون "دير السلطان" المملوك لمصر بالقدس

شهدت مدينة القدس الخميس الماضي تجدد التوترات بين الكنيسة القبطية المصرية، ونظيرتها الإثيوبية، فقام بعض الرهبان الإثيوبيين بالاعتداء على دير السلطان التابع للكنيسة المصرية، عبر إقامة خيمة وسط الدير ورفعوا العلم الإثيوبي عليها، مما أغضب رهبان الدير المصري، وتدخلوا لمنع هذا التعدي على الكنيسة المصرية، وإبلاغ الجهات الرسمية بالواقعة.

ويستعرض "صدى البلد" القصة كاملة لـ "دير السلطان" وتفاصيل الاعتداء الإثيوبي عليه كالتالي:

 

دير السلطان

يقع دير السلطان في مدينة القدس الشرقية بـ "فلسطين"، وتحديدا في حارة النصارى بجوار كل من كنيسة "هيلانة" للأقباط الأرثوذكس، والممر الواصل إلى سور كنيسة القيامة.

 

وطبقا لبيانات الكنيسة المصرية، يرجع تاريخ "دير السلطان" في القدس إلى عهد السلطان الأموي عبدالملك بن مروان ""684- 705م"، والذي وهبه للأقباط، ولذلك سمي بـ "دير السلطان"، وتم التأكيد على ملكية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للدير، في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي.

وفي النصف الأخير من القرن السابع عشر، لجأ الأحباش للكنيسة القبطية ليجدوا لهم مأوى مؤقتًا للإقامة لديهم بعد أن انتقلت أماكنهم في عام 1654، إلى كنيستي الروم والأرمن بسبب عدم قدرتهم على دفع الضرائب، فما كان من الكنيسة القبطية المصرية سوى استضافة الرهبان الأحباش كضيوف في بعض غرف دير السلطان بصفة مؤقتة حتى تنتهي مشكلتهم.

 

بداية الأزمة

في عام 1829، بدأت الكنيسة القبطية في ترميم دير السلطان، مما استدعى إخلاء الدير من كل قاطنيه من المصريين والأحباش، وسمح لهم بالعودة كضيوف عام 1840م، باعتبارهم من أبناء الكنيسة القبطية، ولكن في ذلك التوقيت قام بعض أصحاب المصالح من الحكومات الخارجية، ببث بذور التفرقة بين المسيحيين المصريين والأحباش، وحفزوا الرهبان الأحباش على القيام بمحاولات متكررة للاستيلاء على الدير.

 

عام 1906.. بداية الخطوات الإثيوبية للاستيلاء على الدير

طلب الرهبان الأحباش عام 1906، القيام بترميم الدير، كخطوة أولية في محاولة للاستيلاء عليه، ولذلك أسرعت الكنيسة المصرية بتقديم طلب للقيام بالترميم والذي وافقت عليه السلطات الرسمية آنذاك، لتؤكد بذلك أحقيتها كأصحاب الشأن والتصرف في الدير، وبعد الاحتلال الإسرائيلى، استولت إسرائيل على الدير وقامت بدورها بتسليمه إلى الأحباش بعد طرد الرهبان المصريين منه عقب حرب 1967، وحينها رفضت إسرائيل حكم المحكمة العليا الإسرائيلية برد الدير إلى الكنيسة المصرية، وفقًا لكتاب تاريخ الكنيسة المصرية.

 

الرئيس جمال عبدالناصر يتدخل لإعادة الدير

كما نجح الأحباش في إقناع الحاكم الأردني بالقدس بملكيتهم للدير، وتسليمه لهم خلال فترة حكمه للضفة الغربية، وهو ما دفع البابا كيرلس لمطالبة الرئيس جمال عبد الناصر بالتدخل، وبالفعل تحدث "ناصر" مع الملك حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية محاولا إقناعه بملكية الكنيسة المصرية للدير.

وتم إرسال وفد مكون من الأنبا يؤانس مطران الجيزة، وأنبا باسيليوس، وأنبا بنيامين، وأنبا أنطونيوس مطران سوهاج، إلى الأردن لمقابلة الملك حسين وإطلاعه على المستندات التى تثبت الملكية المصرية للدير، وبعد إجراء المفاوضات تم إصدار قرار عام 1961 م بإلغاء القرار السابق بملكية الأحباش، وتم إعادة مفاتيح الدير إلى أصحابه، وفي ذلك الوقت تبرع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخمسة آلاف جنيه لإعمار الدير، وبذلك تم تأكيد أحقية المصريين في الدير، وبرغم تلك الأحداث إلا أن المصريين كانوا حريصين على استقبال الأحباش.

 

الأحقية التاريخية للكنيسة المصرية في الدير

كانت الكنيسة المصرية قد أصدرت بيانا في 21 نوفمبر 2018، إثر تجدد الأزمة على ملكية الدير مع الكنيسة الإثيوبية، وأكدت الكنيسة في هذا البيان أن الدير أحد أديرة الكنيسة القبطية خارج مصر ومباني الدير ومشتملاته ومكوناته تدل على هُويته القبطية المصرية شأنه شأن جميع الأديرة المصرية وهو جزء من ممتلكات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة.

وأضاف البيان أن "دير السلطان" لم تنقطع فيه الرهبنة المصرية فيه وبداخل الأراضي المقدسة، ولم يخلُ يوماً من الأيام من الرهبان الأقباط المصريين حتى الآن، مشيرا إلى أنه بالرغم من المحاولات المتكررة للاستيلاء عليه والتى استمرت لمئات السنين، إلا أن الكنيسة المصرية تمكنت من الاحتفاظ به، وفي كل مرة كان يصدر الحكم لصالحها واستلام الدير بكل مشتملاته.

وأوضح البيان أنه حتى المرة الأخيرة في اعتداء 25 أبريل 1970، حكمت محكمة العدل العليا الإسرائيلية أعلى سلطة قضائية في إسرائيل بتاريخ 16 مارس 1971 لصالح الكنيسة القبطية المصرية لما لديها من مستندات تثبت ملكيتها وحيازتها للدير كوضع قانوني دائم في الأراضي المقدسة ولكن للأسف رفضت السلطة الحاكمة تنفيذ قرار المحكمة وقتها بسبب حالة الحرب مع مصر.

واختتم البيان: "تؤكد الكنيسة على أن دير السلطان كان وسيظل أحد ثوابت مقدسات الكنيسة المصرية القبطية الأرثوذكسية فى الأراضى المقدسة، ولكل مصرى فى العالم أجمع".

     

خبير.. أحقية دير السلطان للكنيسة القبطية

وفي هذا الصدد قال الكاتب والمفكر القبطي،  كمال زاخر، إن تعامل الكنيسة القبطية مع هذه الأزمة ليس أفضل تعامل، لأن الكنيسة المصرية ترى أنها هى  الأم وهى التى انبثقت منها الكنيسة الإثيوبية، وهذا صحيح بالفعل، ولكن لا يمكن التعامل مع هذه القضية بهذا الشكل حاليا.

وأضاف زاخر خلال تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن الكنيسة الإثيوبية أصبحت مستقلة ولها بطريركها الخاص، كما أن العلاقات المصرية الإثيوبية ليست في أحسن حال، وبالتالى من الممكن حدوث تخبط بين رعايا الدولتين بسبب الخلافات القائمة حاليا، وهذا ما رأيناه بالفعل في أزمة "دير السلطان"، ولهذا لا يمكن التعامل مع القضية بهذا الشكل من قبل الكنيسة المصرية.

 

الأزمة الحالية بدأت مع دخول الاحتلال الإسرائيلي القدس

وأوضح زاخر أن الأزمة بدأت بشكلها الحالى مع قدوم الاحتلال الإسرائيلى إلى الأراضي الفلسطينية واحتلاله مدينة القدس ووضع يده على الممتلكات القبطية المصرية في المدينة، مشيرا إلى أن الاحتلال بدأ في توزيع هذه الممتلكات بين كنائس "الروم الأرثوذكس - الأرمن - الكنيسة الإثيوبية" متجاهلا تماما الكنيسة المصرية في ظل الصراعات العربية التى كانت قائمة مع الاحتلال.

 

على الكنيسة أن تكون أكثر حسما مع تلك القضية

واختتم الكاتب والمفكر القبطي، كمال زاخر: "قبل بداية عودة الممتلكات القبطية إلى الكنيسة المصرية لم يكن هناك اهتمام كبير من الدولة لإنهاء هذه الأزمة، ولم يكن هناك دور ملموس للخارجية المصرية للتواصل مع باقى الدول وضمان عدم تدخل الأحباش مجددا، وعدم اعتدائهم على الممتلكات المصرية، مناشدا الكنيسة المصرية بالقيام بدورها في أن تأخذ مسارًا آخر أكثر حسما للتعامل مع تلك القضية".