الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جوائز الأوسكار مع آرون سوركن كاتب ومخرج أفلام المحاكمات

 

ومازلنا مع حديث جوائز أفلام الأوسكار لعام ٢٠٢١ وقد استعرضت في مقالتي السابقة الأفلام الأكثر حصاداً لأفلام جوائز الأوسكار هذا العام وفي هذه المقالة استعرض معكم واحد من ضمن الأفلام الأكثر ترشيحاً هذا العام لجوائز الإوسكار هو فيلم محاكمة مجموعة شيكاغو الـ٧ The Trial of Chicago 7 للمخرج والكاتب الشهير آرون سوركن. والفيلم تم ترشيحه لست جوائز أوسكار هذا العام.
الفيلم من الطراز السياسي الفاخر تدور أحدته في إطار أحداث تاريخية حقيقة دارت في ستينات القرن الماضي أي من أكثر من نص قرن. وتدور أحداث الفيلم في إطار محاكمة تاريخية قانونية خاصة بواقعة شغب وقعت أثناء انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي عام ١٩٦٨ في ولاية شيكاغو الأمريكية بين مجموعات شبابية مناهضة للحرب في فيتنام وقوات الشرطة الأمريكية. 
الفيلم يرصد أحداث سياسية حقيقة تخص قرار الولايات المتحدة بزيادة أعداد جنودها في حرب فيتنام تحت إدارة الرئيس الإمريكي الأسبق جونسن حيث قامت بعض المجموعات معظمها شبابية بالمطالبة بإنهاء الحرب تزامناً مع انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي والذي كان مقرراً فيه الإعلان عن مرشح الحزب الديمقراطي قبل الانتخابات الرئاسية. حيث قامت بعض حركات الشباب بالتظاهر والممثلة في حركة اليبيز Yippies وهي حركة نشطاء تدعي القيام بثورة ثقافية وهي تختلف عن حركات الهيبي Hippie الشهيرة في ذلك الوقت لأن الهيبيز لم ينغمسوا في السياسية كما فعل اليبي وقاد هذه الحركة جيري روبن وآبي هوفمان وهما ضمن الشخصيات السبعة في محاكمة شيكاغو وكانت من ضمن الحركات المناهضة للحرب أيضاً حزب الشباب الدولي وحركة الشباب السود المعروفة بحزب بلاك بانثير وبعض الحركات الطلابية المطالبة بمجتمع ديمقراطي والتي لا تساعد أي من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة الأمريكية كما أشار الفيلم.
تبدأ أحداث الفيلم بمشاهد حشد كل الحركات وتوجهها إلى مقر انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو مع تحذيرات من اشتباكات مع قوات الشرطة وذلك قبيل عقد الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتي فاز فيها لاحقاً مرشح الحزب الجمهوري الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسن الذي تولى رئاسة الإدارة الأمريكية في خضم الحرب في فيتنام.
وبعد مقدمة تقديم للقضية وهي مناهضة الحرب في فيتنام وتقديم طرفي الاشتباكات وأحداث الشغب على الأرض هما الحركات الأمريكية الشبابية المختلفة وعناصر قوات الشرطة يبدأ الفيلم بتعريف أطراف قاعة المحاكمة وهما المدعيين الفدراليين توماس فوران وريتشارد شولتز وذلك بظهورها في استدعاء للقاء مع النائب العام الجديد داخل وزارة العدل الأمريكية والذي تم تعيينه في بعد فوز الرئيس نيكسن برئاسة الأدارة الأمريكية الجديدة وتكليفهما بالتحقيق في أحداث شغب شيكاغو والتي مضى عليها خمسة أشهر ويتضمن التكليف ضمنياً العمل على إدانه المجموعة السبع والتي رفضت الأدارة الأمريكية السابقة إدانتهم أو التحقيق معهم. مشهد مقابلة النائب العام مع المدعيين الفدراليين هي مقابلة كاشفة لكيفية تغير أولويات الصراع السياسي مع تولي إدارة جديدة للحكم.
وبعد التكليف من النائب العام الأمريكي تنتقل أحداث الفيلم مباشرة إلى قاعة المحكمة الفيدرالية في مدينة إلينوى في ولاية شيكاغو حيث وقعت أحداث الشغب وهناك يكتمل مشهد المحاكمة بالتعرف على شخصية القاضي وهي شخصية محورية في هذه المحاكمة التاريخية وشخصية المحامي والسبع متهمين مجتمعين.
الفيلم رُشح لست جوائز أوسكار منها أفضل فيلم وأفضل نص سينمائي وهما لآرون سوركن كاتب ومخرج الفيلم بالإضافة إلى أربع جوائز أخرى.
وعندما نسأل كيف وصل فيلم بهذا التعقيد السياسي وكل تفاصيل الحقبة السياسية وجرعتة السياسية المركزة إلى ترشحه إلى ست جوائز؟ الإجابة ستكون الكاتب والمخرج آرون سوركن. وهو في الأصل كاتب قبل أن يكون مخرجاً ومنتجاً وممثلاً في بعض الأحيان. بدأ حياته كاتباً مسرحياً في نيويورك ولكن منذ بداياته أو منذ أن بدأ يسطع نجمه في عالم الفن والكتابة استطيع أن أقول أن سوركن مولعاً بمحاكاة عالم السياسة في أعماله الدرامية ويشهد على ذلك خمسة مواسم من مسلسله The West Wing والذي تدور أحداثه الخيالية على خلفية الحياة في البيت الأبيض. ووصول فيلم تاريخي سياسي للترشح لست جوائز أوسكار ليس مفاجأة لسوركن ومن يعرف أعماله فهي لأن كل هذه الترشيحات جاءت بعد سنوات من العمل الدؤوب بشغف وولع لكاتب ومخرج الفيلم في أعمال ذات صبغة سياسية فالفيلم ليس وليد اللحظة بل هو تتويج لمسار اختاره سوركن.
والفيلم من وجهة نظري لا ينقل لنا محاكمة عادية في تاريخ الولايات المتحدة ولكن الفيلم ينقل لنا مأزقاً سياسياً لأي صانع عمل فني ولكن بمنتهي الذكاء لم يضع الكاتب نفسه فيه طرفاً بالرغم من تقديم وجهة نظره داخل أحداث الفيلم ولكنه خرج بذكاء من المأزق بمشهد النهاية ليخرج من مأزق الانحياز التاريخي والسياسي وذلك بإنحيازه لأبطال جنود الجيش الأمريكي الذين سقطوا ضحايا في حرب فيتنام. هو الخروج الذكي من مأزق الانحياز للإجابة عن سؤال من بدأ أعمال الشغب في أحداث شيكاغو؟ المتظاهرين أم قوات الشرطة. مشهد النهاية أخرج صناع الفيلم من الحرج. كما أخرج سوركن نفسه من صراعات المأزق السياسي التاريخي بمنتهي الذكاء مرة أخرى عندما أقام محاكماتين واحدة في مقر الحركات الشبابية والتي انتهت بإداناتهم لأنفسهم بإثارة الشغب والثانية المحاكمة الرسمية في قاعة المحكمة والتي انحازت لأبطال الحرب ولم تدين رسمياً بشكل قاطع أحد الطرفين .
الأمر الواضح الذي يمكن أن نتتبع أثره في أعمال سوركن إنه يتمتع بتقدير خاص للأفكار الأمريكية ذات الصبغة الثورية في التنفيذ والمرتبطة بالشباب كما إنه مولع بفكرة المحاكمات والتي تعتمد على الحوارات الجماعية والمواجهات والتي يتقنها اتقاناً شديداً. فإذا عدنا إلى عام ٢٠١٠ أى منذ عشر سنوات وأكثر خرج فيلم سوشيال نت ورك The social network إلى النور وهو من كتابة آرون سوركن وهو يروي تاريخ خروج فيس بوك إلى العالم من خلال إلقاء الضوء على شخصية صاحب فكرته مارك زوكربيرج في إطار محاكمة عن أحقية الملكية الفكرية ونشأة فكرة تأسيس فيس بوك. الفيلم لا يرصد فقط أحداث ثورية الفكرة والتي بالفعل غيرت العالم منذ أكثر من عشر سنوات ولكنها تسلط الضوء أيضاً على شخصية صانع التغيير الثوري وهو مارك زوكربيرج نفسه والذي هو في حد ذاته شخصية ثورية على جيله وعلى زملائه وطريقة تفكيرهم وعلى تقاليد جامعته العريقة جامعة هارفرد. كما يجب ألا ننسى إنه فيلم يسلط الضوء على أصغر ميليردير في العالم صاحب أهم آليه تواصل وأعلام في العالم وهذاالفيلم أيضاً يعد شاهداً على شغف سوركن بطرح محطات أحداث جدلية تثير الجدل حتى وصولها إلى القضاء. فالكثير يصل إلى القضاء للبت فيه ولكن فيس بوك كان سبباً تكنولوجياً ثورياً طوى معه صفحات من الأشكال التقليدية لتداول المعلومات للأبد بلا رجعة. فاز سوركن بجائزة الأوسكار أفضل نص سينمائي لفيلم سوشيال نت ورك. أما وصول محاكمة المجموعة السبع في محاكمة شيكاغو ربما لم يكن سبباً مباشراً لبداية انسحاب جنود الجيش الأمريكي في نفس عام المحاكمة وهو ١٩٦٩ ولكنه عام فاصل بدأت معه الولايات المتحدة تطوي صفحة الحروب على الأراضي الأسيوية ضد الشيوعية والاشتراكية والذي انتهي بالانسحاب الكامل لقواتها من فيتنام عام ١٩٧٣.
من الواضح أيضاً إعجاب آرون سوركن بفكرة ثورية الشباب أمام فكرة العالم المؤسسي في بلاده ولكن دون فجاجة الإنحياز التي تُقدم في أفلام كثيرة ولكن لا ننسى أيضاً وقوفه العاقل أيضاً عند تناول ضحايا جنود الجيش الأمريكي في الحرب لأن إحترام الجيش الأمريكي من ثوابت الحياة في أمريكا ولا يمكن الحياد عنه مهما كانت طبيعة القضايا الجدلية في المجتمع. فالجيش الأمريكي وتضحيات جنوده يقفان في منطقة شبه مُحرمة ومقدسة في السينما الأمريكية. اعتمد سوركن على إخراج مشاهد حقيقة وثائقية بالأبيض والأسود ودمجها مع مشاهد تمثيليه بالألوان في فيلم محاكمة شيكاغو مما أعطى الفيلم ثقل المصدقية وهو تكنيك في الإخراج استخدمه ببساطه دون أن يعطينا إحساس مشاهدة فيلم وثائقي فتضيع النكهة الفنية للإخراج وكذلك حاول به أن يخرج نفسه من معادلة الانحياز لأحد الطرفين بعرض الحقيقة من خلال مشاهد حقيقة.
وبالرغم من أن الفيلم يبدو أمريكي الأفكار بسبب محتواه التاريخي والسياسي ولكنني أجزم أن المشاهد العربي والمصري سيجدوه قريباً جداً منهم بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على أحداثه إلا أن أفكار التوجه الثوري الأمريكي الذي تم استعراضه وطرحه في الفيلم قريبة جداً من أدوات ما يسمى ثورية الربيع العربي الذي اخترق العالم العربي في نهايات ٢٠١٠ عام سيكتشف المشاهدين للفيلم أن معظم أفكاره الثورية تم تصدريها وبيعها للشعوب العربية حتي في استخدام المفردات. وبالرغم من اعتراف الأكاديمية وهي الجهة المسئولة عن توزيع جوائز الأوسكار بالجهد المبذول في فيلم محاكمة شيكاغو وتقديرها لذكاء آرون سوركن وحنكته في الكتابة والإخراج بترشيحه لجائزة أفضل إخراج وأفضل نص سينمائي إلا أن الفيلم لم يتخطى مراحل الترشح لست جوائز. وربما لأسباب كثيرة منها جدلية الأفكار لأن فوزه قد يعيد إلى ـ١ جروج عميقة داخل الولايات المتحدة نفسها منها حقوق داكني البشرة أو السود والتي مازالت تعاني منها الولايات الأمريكية حتى يومنا هذا وجروح قرارات الحرب فالعالم لم يعد يتحمل المزيد من الانقسامات حول الآراء والقضايا ويؤكد على كلامي نوعية الأفلام الفائزة التي عرضتها في مقالتي السابقة. وربما لم ترى أيضاً الأكاديمية أن رسالتها هذا العالم تقديم فيلم عن الأفكار الثورية والعالم مثقل بالأزمات. الفيلم يستحق المشاهدة واشجع أى أحد مهتم بالسياسة والتاريخ أن يشاهده أولاً للاستمتاع بالفن وثانياً للإطلاع على التاريخ خاصة السياسي الذي دائما تتشابه أحداثه على مر الزمان وأيضاً للمقارنة والفيلم معروض حالياً على منصة نيتفليكس ولكني في النهاية أتفق مع الأكاديمية في تقديرها ال بالغ واحترامها للفيلم بترشيحه لعدة جوائز أوسكار وكذلك  أتفق مع توقفها عن تصعيده لمراكز الفوز بجوائز الأوسكار. فجوائز الأكاديمية رسالة السينما للأمريكية للعالم وهذا العام احترم اختياراتها الأنسانية  نظراً لكل ما تمر به الإنسانية من أحداث. 
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط