EN 
تم الإعلان قبل عدة أشهر عن نجاح مصر في استرداد 5000 قطعة أثرية من الولايات المتحدة، بعد رحلة بحث وتعاون طويلة بين وزارتي الآثار والخارجية المصرية والسلطات الأمريكية، نتج عنها استرداد القطع التي خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، وكانت ضمن مقتنيات متحف «الكتاب المقدس» بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
يرصد «صدى البلد» الجهود الأولى لاسترداد هذه القطع، لاثنين من أساتذة التاريخ القبطي في مصر، استطاعا من خلال البحث والدراسة والتواصل مع الجهات المعنية في استرداد المجموعة المكونة من 5000 مخطوطة وقطعة من البردي، تتضمن نصوص باللغة القبطية وبالخط الهيراطيقي والديموطيقي، واللغة اليونانية، ومخطوطات لصلوات دينية مسيحية مدونة بالعربية والقبطية معاً أو العربية فقط، وعدد من الأقنعة الجنائزية من الكارتوناج وأجزاء من توابيت وروؤس تماثيل حجرية ومجموعة من البورتريهات الخاصة بالمتوفين".
جهود سابقة
ترجع بداية معرفة السلطات المصرية عن هذه المخطوطات المصرية، إلى أبريل عام 2018 حين سافر د. عاطف نجيب المدير السابق للمتحف القبطي، برفقة د. إبراهيم ساويرس خبير اللغة القبطية، بطلب من إدارة متحف «الكتاب المقدس» المفتوح حديثا للجمهور، وهو متحف نوعي متخصص في كل ما يتعلق بالكتاب المقدس، وكان الهدف من السفر هو دراسة وتوثيق مقتنياته.
يروي د. إبراهيم ساويرس مدرس اللغة القبطية بكلية الآثار جامعة سوهاج تفاصيل هذه الرحلة، ويقول لـ «صدى البلد»: "الهدف من الرحلة كان فحص مجموعة من البرديات القبطية بحسب ما ورد إلينا في الخطاب الرسمي، ولكن بعد السفر وجدنا المتحف يضم كم كبير من المقتنيات المصرية".
ثم تفاجئا بأن المتحف يضم بردي هيراطيقي وديموطيقي بجانب البردي اليوناني والقبطي، مع وجود مئات القطع المصرية الأخرى غير المعروضة بالمتحف مثل قطع التوابيت والكرتوناج وبورتريهات شبيهة ببورتريهات الفيوم وغيرها من القطع المصرية.
يوضح مدرس اللغة القبطية لـ «صدى البلد» أن المتحف لم يقدم ما يثبت ملكيته لهذه القطع والمخطوطات، بدليل عدم عرضها في المتحف والاكتفاء بوجودها في المخازن فقط، مشيرا إلى أنه ود. عاطف أدركا أهميتها من الناحية العلمية وفي الوقت نفسه ضعف موقف المتحف الأمريكي.
عن خطة العمل، أوضح ساويرس: "بعد وصولنا تم تكوين فريق عمل مصري أمريكي، تمثل في د. عاطف وأنا والعالم مايك هولمز، وعالمين آخرين اجتمعنا بهم عبر سكايب.. وبدأ العمل في متحف الكتاب المقدس ثم العمل بالمخازن والغرف الإدارية، مع زيارة أجنحة المتحف ومراجعة المراجع المتخصصة في المخطوطات".
تاريخ القطع الأثرية المُستردة
بحكم دراسته للمقتنيات، يوضح د. إبراهيم ساويرس أنها محفوظة جيدا بين شرائح زجاجية، ويقول عن التوثيق لـ «صدى البلد» أن البرديات الديموطيقية والهيراطيقية تعود للعصر المتأخر، وتضم نصوص دينية معتادة، ومنها ما يعود لعصر الملك أوسركون، أما المجموعة اليونانية فهي كثيرة العدد ومختلفة الأحجام ترجع إلى القرن الرابع وما قبله.
أما المجموعة القبطية، فقد تعرف الباحث المصري على نسخة شبه كاملة من مزمور 111 بالصعيدية على بردي، وترجع إلى القرن الرابع، وكذلك قطع مختلفة لنصوص أدبية تعود إلى الفترة من القرن الثامن حتى العاشر، على حد وصفه، ومنها أيضا ما يرجع إلى كنيسة في قرية جنوب محافظة سوهاج بصعيد مصر، والقطع الأخرى ترجع إلى العصر البطلمي، ومخطوطات الكتاب المقدس، وأخرى من سفر المزامير ومن البشائر الأربعة وباقي العهد الجديد الذي يتسم بالندرة الشديدة.
أول تحرك للوزارة
يعد د. عاطف نجيب خبير المخطوطات القبطية والمدير السابق للمتحف القبطي بالقاهرة، ومدرس مادة المخطوطات القبطية بكلية الآثار جامعة القاهرة، ومدرس في معهد الدراسات القبطية قسم الآثار، أول من قام بتحرك رسمي بين الجهات الأمريكية والمصرية، وذلك بعد إتمام رحلة دراسة المخطوطات في متحف «الكتاب المقدس» قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام.
ويقول في تصريحات خاصة لـ «صدى البلد»: "السفر كان بهدف توثيق المخطوطات المجهولة بالنسبة لهم ولكننا تفاجئنا بكنز غير معلن عنه لا يضم المخطوطات فقط، مع طلب منهم لعقد اتفاق وهو الحصول على حق عرض المقتنيات المصرية لمدة 10 سنوات ولكن حال الموافقة المصرية فإن هذا يثبت ملكيتهم لها، وهو ما يتنافي مع الوضع الحقيقي".
ويتابع د. عاطف: "عرضت على الأمر على وزارة الآثار، مع رفض الجانب المصري لإعطاء حق النشر لأنهم لا يمتلكونها، حتى أرسل نائب مدير المتحف الأمريكي قائمة كاملة بالمقتنيات المصرية مكونة من 300 ورقة.. لتبدأ بعدها رحلته في الضغط على الجانب الأمريكي وضرورة ردها إلى مصر أولا".
رحلة العودة
نتج عن الرحلة التي استمرت 3 سنوات إرسال الجانب الأمريكي ما يقرب من 4 اتفاقيات، كانت كلها تحت إشراف د. عاطف ويوضح: "قبل التواصل مع الوزارات المصرية كان الجانب الأمريكي يستعين بي لتصحيح الاتفاقيات وفقا للقوانين واللوائح المصرية".
في مايو 2020، حدثت المفاجأة حيث أعلن الملياردير الأمريكي ستيف جرين مالك متحف «الكتاب المقدس» لأول مرة عن خطأه لشراء القطع الأثرية المسروقة من مصر عن طريق أكسفورد ولندن، ونشر بيانا عبر الموقع الرسمي للمتحف قال فيه: "أعتذر عن تورطي شراء مقتنيات من مصر والعراق نتيجة لمستشارين سيئين، ولكن هناك مستشارين جيدين نصحوا بضرورة عودتها إلى أوطانها مجددا، ونعلن استعدادنا لتسليم المقتنيات لمصر والعراق".
ويوضح خبير المخطوطات، أن هذه هي المرة الأولى التي تعود فيها آثار مستردة إلى مصر دون دفع أي مقابل من ميزانية الدولة، وعن اهمية المخطوطات المستردة، "إنها المرة الأولى التي يتم العثور فيها على هذا الكم من مخطوطات البردي، ورغم أنها شذرات لكنها نادرة وهامة لتوثيق التاريخ المصري" كما قال لـ «صدى البلد».
