الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نبيذ «الفخرانى».. وخادمه «طريف»!

 

من قواعد النقد الموضوعى وأبجديات المقال التحليلى لأى عمل فنى، أن ننتظر كلمة النهاية ويسدل الستار على الأحداث، ثم يلتقط الناقد قلمه ويشرع فى الكتابة بإنصاف وقراءة متأنية .. ومع قيمة ورمز كيحيى الفخرانى بكل تاريخه ومشواره الثرى مع الدراما، لامانع من كسر القاعدة واستثناء تجربته الأخيرة فى “نجيب زاهى زاركش” من الانتظار المعتاد .. فثمة نماذج تدفعك إلى الاحترام والتقدير وتتعجل الإشارة إليها ليسارع الجمهور فى متابعتها والاستمتاع بأحداثها .. وكثيرا ما يشجعنا “الكينج” الفخرانى على الالتزام بمقاعدنا وتحريك مؤشر القناة لمشاهدة وجهه على الشاشة بكل تعبيراته وإيماءاته واستيعابه الواسع لتفاصيل ما تحت جلد الشخصية المحورية .. وشريط ذكرياتنا معه حافل بشخصيات شديدة التنوع والخصوبة دراميا وإنسانيا منذ طربوش “الباشا” فى أجزاء ليالى الحلمية، وانتهاء بـ “قبعة” الخواجة عبد القادر العظيمة، وقناع “ونوس” الشيطانى .. والآن نبحر مع الثرى نجيب زاهى زاركش فى كل ليلة ونحتسى بعقلنا ومشاعرنا “كئوس الخمر” يوميا فى غرفته الأنيقة ذات الأثاث الشارد يتحدث ويفصح عن أسراره مع خادمه المخلص “طريف” .. ومن الغرفة ننتقل إلى العالم الخارجى لنطوف على بساط “زركش” المريح حول هموم الجيل الجديد من اختناق وضياع .. ظلم وتجاهل للمواهب، وأحلام تائهة لاتعرف دليلا أو مرشدا .. رغبة فى التمرد على قيود العائلات الأرستقراطية البلاستيكية، وتفكير فى الهروب من الواقع إلى السفر والهجرة بعيدا نحو المجهول .. ووسط هذا الزحام من المشاعر الأنماط المركبة نفسيا واجتماعيا .. وفلسفيا .. يتجول السندباد “نجيب” باحثا عمن يرث كل ما لديه من مال وأصول ودماء .. ولم يشغلنى أبدا طبيعة النهاية أو مدى اتفاقها مع المنطق أو شذوذها بحسابات الفن ورؤية فريق العمل .. فالأكثر أهمية فيما يدور أمامنا هو براعة ريشة “عبد الرحيم كمال” فى رسم أبطاله وتطعيم ألسنتهم بكلمات وحوار منحنا طاقة إيجابية لتذوق المعانى واستحضار حالة الشعراء والمثقفين الشجية .. وكاميرا “شادى الفخرانى” الناعمة وإفساحها المجال ليعبر الممثل عن إمكانياته وإحساسه بالشخصية التى يؤديها دون استعراض بالصورة أو ادعاء إخراجى، فجمال السيناريو فى عرض المشاهد بين بشر يتحدثون ويشعرون ويتفاعلون فيما بينهم بالكلمة .. والنظرة .. والهمسة!.
وإذا كان “نجيب بك” من صناعة قماشة “الفخرانى” الفاخرة، فهذه القماشة تفرعت منها مساحات أخرى اكتشفت مناطق مضيئة وإبداعية لدى جميع الممثلين حتى ولو نطق عضو واحد بجملة أو جملتين .. أما الحدوتة “طريف” فلم يكن من الممكن أن يحظى العمل بكل هذه الدسامة والرشاقة فى الأفكار والخيال لولا هذا الخادم الغامض الذى أتقن لعبته الفنان الجميل محمد محمود وأمسك بخيوطه الشفافة بحرفية ووعى وذكاء .. وخفة ظل صادقة .. وتتشوق لظهوره إما راوياً أو جليساً لسيده أو عاشقاً فى جوفه أو زوجاً ساخطاً .. أو كاتماً للسر الخطير وحافظاً للقصر الكبير .. كوكتيل حالات لايجيد إعداده وتجهيز مكوناته إلا ممثل ذو خبرة ثقافية .. ومهارة مسرحية!.
-  ما أشهى كأس النبيذ الأصلى الذى يزداد نشوة ومذاقاً كلما تقدم به الزمن وطال عمره .. ونبيذ “الفخرانى” العتيق لايفقد تأثيره ولايشبع أحد من شربه .. ومعه ألذ طبق فاكهة اسمه “طريف”!.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط