الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شيرين والوحي الإلهي

 

تلقيت دعوة من الدكتور نبيل المحيش، أمين بيت المثقفين العرب، أحد رموز الثقافة العربية بأرض الحرمين الشريفين، لحضور ندوة أمس لتكريم الشاعرة الكبيرة شيرين العدوي، والتي تولى تقديمها الإعلامي حسن الشاذلي.

وقد سعدت أيما سعادة لوجود حشد من كبار النقاد والكتاب والمثقفين والشعراء جاءوا من كل فج عميق ليحتفوا بها أيضًا. شعرت بالفخر لأن ابنة بلدي الحبيبة تلقى كل هذا الحب والتكريم في تظاهرة عربية فريدة من صفوة المثقفين العرب، الذين يمثلون التيار المستنير في وطننا العربي. أسماء كثيرة ساهمت في تلك التظاهرة الرفيعة منهم الشاعر الكبير أ. أحمد سويلم، أ.د.شريف الجيار، أ.د.أحمد عفيفي، د.محمد حسن عبدالله، د.محمد أبو الفضل، د. رفيعة غباش من الإمارات، هاجر كيفي من تونس، إخلاص فرنسيس من لبنان، نصرة فليتي من الجزائر، محمد الشقحاء، وغيرهم كثر.

ومما زاد سعادتي تلك الرؤى النقدية التي قدمها كبار النقاد حول قصائد ودواوين الشاعرة شيرين العدوي. ولعل من العبارات التي صورت المشهد الشعري عند شيرين العدوي تعبير الناقد د. شريف الجيار حين قال إن شيرين العدوي كتبت القصيدة لتبقى، وأن الموت في لغة شيرين العدوي يشير إلى بدء الحياة. وأشار أحد النقاد إلى الدور المهم الذي تلعبه في احتضان شباب الشعراء والكتاب، وبما تقدمه لهم من عطاء يوازي عطاء الأم لأبنائها.  

لقد عرفت شيرين العدوي منذ سنوات قريبة، فوجدتها على الصعيد الإنساني تجمع بين الأدب الجم، والرقة الشديدة، والبساطة في التعامل، والطيبة والوفاء، والتدين الفطري، والاجتهاد والمثابرة، والإخلاص في العمل، إلى جانب عزة النفس.

هي ابنة المنصورة، أشهر مدن العواصم المصرية التي أنجبت أعظم الكتاب والفنانين والمثقفين، أمثال السيدة أم كلثوم، وفضيلة الشيخ محمد الشعراوي، وأنيس منصور، وفاتن حمامة، وغيرهم كثر. وهذه المدينة تركت أثرًا كبيرًا في التشكيل الباكر لشيرين العدوي، جعلها تطمح دومًا إلى العلا لتلحق بركب أبناء بلدها ممن اعتلوا سدة الثقافة والفن في مصر والعالم العربي.

التحقت شيرين العدوي بكلية دار العلوم، بجامعة القاهرة، وهي محطة مهمة للغاية في حياتها وتكوينها الأدبي والأيديولوجي. فدار العلوم إحدى قلاع اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية والتاريخية. وهناك جمعت بين اللغة والتاريخ والثقافة العربية؛ مما انعكس على دراساتها وتميزها الأدبي فيما بعد.

أما عن نبوغها الشعري، فقد تدفق الشعر من بين أناملها وهي لاتزال في مرحلة مبكرة من شبابها، ربما منذ المرحلة الثانوية، عندما كانت لا تزال تقيم في مدينة المنصورة، وفي كلية دار العلوم كشفت عن نفسها كشاعرة موهوبة سيقف عند شعرها الكثيرون ممن يتذوقون حلاوة الكلمة. وبالفعل، انتبه إليها كبار الشعراء والمثقفون وأفسحوا لها طريقًا لتثبت ذاتها. وقد استطاعت السير بخطى ثابتة في ذلك الطريق، طريق التميز والنبوغ الشعري. فخرجت قصائدها الواحدة تلو الأخرى لُتكمل البنيان الشعري لديها وتصقله، وما أن مرت سنوات معدودات حتى تمكنت شيرين العدوي من أن تتبوأ مكانة متميزة بين الشعراء الكبار. 

ورغم أنها مقلة في الإنتاج الشعري، إلا أن القصيدة لديها لها سمات متميزة، وربما تحتاج إلى أدوات نقدية خاصة حتى يمكن الوقوف عند أسرار جاذبيتها وعبقرية تعبيراتها وصورها الجمالية. وتتميز القصيدة عند شيرين العدوي ليس فقط بالبنية الصُلبة، بل باستدعاء مفردات فريدة من بطون المعاجم تجعل المرء يقف طويلاً عند عبقرية المغزى والمعنى، إضافة إلى الصور الجمالية البديعة التي تحلق بالمرء عاليًا في سماء العربية.

ويغلب على قصائد شيرين العدوي الجانب الصوفي، فمن يقرأ تلك القصائد يكتشف المنحى الصوفي فيها، مما يعكس الوازع الديني عندها، وهُيامها بالمتصوفة والأدب الصوفي. ومن المحتمل أيضًا أن رحلة الآلام التي عصفت بمراحل من حياتها قد لعبت دورًا كبيرًا في ترسيخ الوازع الصوفي عند شيرين العدوي؛ فمن رحم المعاناة والألم يولد الإبداع.

وأثناء الندوة عقبت شيرين العدوي قائلة: أنها لا تكتب القصيدة عن عمد، إنما هي إلهام من الله، حين يتجلى عليها تمسك القلم لتكتب ما يُملى عليها. وهذا يفسر لنا تأنيها الشديد في إخراج القصيدة. فهناك شعراء يمسكون القلم ويغزلون عشرات القصائد كل عام، وهناك من ينتظر الوحي والإلهام ليسمو بقصيدته، وأظنها من الصنف الأخير.

إن شيرين العدوي أيقونة للشعر العربي متكاملة العناصر الفنية والإنسانية، نعتز ونفخر بها؛ أيقونة يجري الشعر الأصيل على لسانها كالماء سلسبيلاً. 

* كاتب ومؤرخ

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط