الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار سُليمان عبدالغفار يَكْتُب: «رَمَضانيَّات»..ديوانْ أخْلاقِ الإسْلامْ

صدى البلد

• لِلإسْلامِ ديوانَهُ الأخْلاقي الذي يَتَضَمَّنُ دُسْتورَهُ وقواعِدَهُ وقَوانينَهُ في التَعامُلِ بَيْن الإنْسانِ والإنْسانْ – وبَيْن الإنْسانِ ومَظاهِرِ الكَوْنِ مِنْ حَوْلِهْ –هذا النِظام الأخْلاقي حَدَّدَ مَعالِمَهُ القُرْآنِ الكَريم، وأرْسَى قَواعِدَهُ فِكْراً وسُلوكاً على أرْضِ الواقِعِ هَدْي الرَسولِ الكَريم في كُلِّ مَراحِلِ حياتِهْ – بِاعْتِبارِهِ النَموذَج الأسْمَى لِلْإنْسانِ الكامِلِ الذي وَصَفَهُ رَبَّهُ بِأنَّهُ على خُلُقٍ عَظيمْ – فَكانَتْ دَعْوَتُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمْ "دَعْوَة أخْلاقية" في المَقامِ الأوَّلِ بِدايَةً مِنْ "التَوْحيدِ الخالِصِ لله" بِاعْتِبارِهِ قوام الخُلُقِ الفاضِلْ – فَهوَ القائِل "إنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمِ الأخْلاقْ"... فَأيْنَ مَوْقِع الأخْلاقِ في حياةِ المُسْلِمينْ ...!؟!.

• ... عِنْدَما نَبْحَثُ في الإسْلامِ عَنْ دُسْتورِهِ– أي قانونَهُ الأخْلاقي – فَإنَّنا نَعْلَمُ أنَّ لِلإسْلامِ عِباداتهِ وأخْلاقيَّاتِهْ – فَإذا كانَتْ العِبادات تَتَمّثَّلُ في الصَلاةِ والزَكاةِ والصيامِ والحَجّْ – وكُلَّها عِبادات لله تَشْهَدُ بِوحْدانيَّتِهِ والعُبوديَّة الحَقَّة لِذاتِهِ العُلْيا –فَإنَّ بَقيَّةُ الإسْلام قيَمٌ وأخْلاقٌ تَحْكُمُ مُعامَلاتِ الإنْسانِ وعِلاقَتِهِ بِغَيْرِهِ مِنَ البَشَرِ والمَخْلوقاتْ – وتُحَدِّدُ حَرَكَتهُ في الحياةْ ...!؟! –ويَقومُ دُسْتور الإسْلامِ على هَذِهِ الأخْلاق التي هى أصْل وقاعٍدة الحياةِ الإسْلاميَّة، والمَجال الواسِع لِحُرِّيَةِ الفِكْرِ والضَميرِ ومَسْئوليَّةِ السُلوكِ والعَمَلِ الذي يُضئُ بِروحِ الإسْلامِ في حَياةِ المُجْتَمَعِ المُسْلِمْ –فَرِسَالة الإسْلامِ لَمْ يَكُنْ الهَدَف مِنْها إقامَة "مُلْك إسْلامي" إنَّما إقامَة نِظام جَديد لا يَعْرِفُ الفَصْلَ بَيْن المضامين الاقْتِصاديَّة والاجْتِماعيَّة، ويَقومُ على التَرابُطِ والتآخي والإيثارِ ورَفْضِ العُبوديَّة التي تُبيحُ لِلْإنْسانِ إسْتِعْباد أخيهِ الإنْسانْ، واسْتِبْدال سُلْطَة المُلْك بِسُلْطَةِ الضَميرْ – فالضَمير الحَي هوَ الذي يَحْكُمُ سُلوك النَّاس ويَضْمَنُ قيام الأمَّة الفاضِلَة التي يُرْشِدُها ضَميرَها الإسْلامي بِكُلِّ ما فيهِ مِنْ خَيْرٍ وعَدْل – فَلا يَكون خَليفَة الرَسول هي هَذِهِ الحالَة إلَّا رَمْزاً لِلْحَقِّ وضَماناً لِلأخْلاق– هذا الأمْرُ لَمْ يَجِدْ طَريقَهُ إلى أرْضِ الواقِعِ في تاريخِ الأُمَّةِ الإسْلاميَّة سِوَى فَتْرَة قَصيرَة امْتَدَّتْ مِنْ عَهْدِ النُبُوَّةِ إلى عَهْدِ الخِلافَةِ الراشِدَة– لاسيَّما خِلافَة الصِدِّيق أبوبَكْر والخَليفَة العادِل عُمَر بِنِ الخَطَّاب ...!؟!.

• إنْطِلاقاً مِنْ هَذِهِ الحَقيقة – أنْشَأ الرَسول الكَريم "أُمَّة" ولَمْ يَذْهَبْ إلى إقامَةِ "دَوْلَة" تَقومُ على الغَلَبَةِ والسُلْطانْ – فَرَسولُ الله لَمْ يَكُنْ نَبيَّاً مَلِكاً – إنَّما أرْسَلَهُ اللهُ لِلعالَمين على تَنَوُعِهِم "هادياً ومُبَشِّراً ونَذيراً وسِراجاً مُنيراً" هَذا "السِراجُ المُنير" هو الطَريق الإسْلامي الهادي في التَنْظيمِ السياسي والاجْتِماعي، وهو الذي يَضْمَنُ لِلْمُسْلِمين الفَضْلِ الكَبيرِ مِنَ الله –مِثْلَما ذَكَرَتْ آيات سورَةِ الأحْزاب – إنَّهُ السِراجُ المُنير الذي إهْتَدَى بِهِ صَحابَتُهُ الكِرام– فَفَتَحوا أبْواب الخَيْرِ والعَدْلِ لِأُمَّتِهِم الناشِئَة – لَكِن هَذا السِراج الضَوَّاء بِأنْوارِ الرَسولِ لَمْ يَهْتَدي بِهِ مَنْ جاءوا مِنْ بَعْدِهِمْ – عِنْدَما جَعَلوا مِنْ خِلافَةِ رَسولِ الله التي تَقومُ على الشُورى والاخْتيارِ الحُرْ "مُلْكاً يَقومُ على الوراثَة وسياسةِ البَطْشِ والقُوَّةِ التي تَعْتَمِدُ على العَصَبيَّة التي جاءَ الإسْلامُ ليَهْدِمَها مِنْ أساسِها.

• ... وإذا كانَ الإسْلام هوَ "الطَريق المُسْتَقيم" الذي يؤدِّي رَأْساً إلى مُجْتَمَعِ العَدْلِ والرَخاءِوالأمْن –فَإنْ لَمْ تَصِل الأُمَّة المُسْلِمَة إلى هَذِهِ الغاية – فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ الطَريقِ الذي يؤدِّي إليْها – ولايُمْكِنْ إرْجاع هذا الأمْر – مِثْلَما يَقولُ البَعْض – إلى نِسْيانِ الأُمَّةِ لِأرْكانِ دينِها، وانْصِرافِها عَنْ عِباداتِها مِنْ صِلاةٍ وصَوْمٍ وزَكاةٍ وحَجّْ – فَهَذا لَمْ يَحْدُثْ لِلأُمَّةِ على امْتِدادِ تاريخِها في حالاتِ الازْدِهارِ والانْحِدارْ – إنَّما السَبَب الرَئيس لِهَذا الخُروج على المَنْهَجِ يَرْجِعُ – مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِنا – إلى الابْتِعادِ عَنْ "روحِ الإسْلامِ"وإهْمالِ "ديوان أخْلاقيَّاتِهِ" الذي تَقومُ بِهِ الحياة – فَلَيْسَ صَحيحاً أنَّ المُسْلِمينَ في عَصْرِنا هَذا – وفيما سَبَقَ مِنْ عُصور – كانوا بَعيدين عَنِ الدِّين – فَمَظاهِرِ الدِّينِ الخارِجيَّة وأشْكالَهُ مَوْجودَة – إنَّما الذي غابَ هو روح الدين ويَقظَة الضَمير ...!؟!... فَفي كُلِّ عَصْر، وفي كُلِّ جيل هُناكَ أُناسٌ هُم "أهْلُ دينٍ وتَقْوَى ومَكارِمِ أخْلاقْ" وآخَرين "أهْل فَسادٍ وفُجورٍ وعِدْوانْ"– حَتَّى في زَمَنِ الرَسولِ الكَريمِ وَجَدْنا المؤْمنين الحَق مِثْلَما كانَ هُناك مُنافِقون – وقَدْ أخْبَرَنا "القُرْآن الكَريم" بِذَلِك في "سورَةِ بَراءة" أو التَوْبَة – التي نَزَلَتْ في أعْقابِ "غَزْوَة تَبوكْ" في العامِ التاسِعِ لِلْهِجْرَة – وهِىَ مِنْ أواخِرِ ما نَزَلَ على قَلْبِ الرَسولِ الأمينِ لِتَكْشِفَ أحْوالِ المُسْلِمينَ وحَقيقَةِ مُجْتَمَعِ المَدينَةِ في أواخِرِ عَهْدِ النَبيِّ الكَريمْ – هَذِهِ الغَزْوَة كانَتْ "مِحْنَةً وامْتِحاناً لِلأُمَّةِ المُسْلِمَة" وبَيْنَما كانَ المُسْلِمون يَعْتَقِدون أنَّ "فَتْح مَكَّة" هوَ غايَةَ الإسْلامِ القُصْوَى – حَتَّى أنَّ "مُؤَرِّخي السيرَة النَبَويَّة" يُشيرونَ إلى أنَّ بَعْض المُسْلِمين قامَ بِبَيْعِ سِلاحِهِ مُعْتَقِداً انْقِطاع الجِهاد – فَجاءَتْ السورَة تَقولُ بِأنَّ جِهادَ النَّفْسِ وهوَ "الجِهادُ الأكْبَر" لِإصْلاحِ النُفوسِ على طَريقِ الإسْلامِ ومواصَلَةِ الفُتوحِ حَتَّى يَكونُ الدِّينُ كُلَّهُ لله ...!؟!.

• ... مِنْ أهَمِّ قَواعِد ديوان الأخْلاقِ في الإسْلامِ قاعِدة "الشورَى" وقاعِدَة "الأُسْوَة الحَسَنَة" فَقَدْ أرادَ الرَسول الكَريم أنْ تَكونَ "الشورَى" قاعِدَة أساسيَّة مِنْ قَواعِدِ بِناءِ الأُمَّة المُسْلِمَة – وجاءَ الأمْر الإلَهي "وشاوِرْهُم في الأمْر" مِثْل الأمْر بِإقامَةِ الصَلاةِ وإيتاءِ الزَكاةْ – وتَعودُ أهَمِّيَّة "قاعِدَة الشُورَى"– لِكَوْنِ أُمَّةِ الإسْلامِ هى أُمَّةِ النَّاسِ جَميعاً – ولَيْسَتْ أُمَّة جَماعة مِنَ البَشَرِ دونَ أُخْرَى – فالدِّين الإسْلامي جاءَ لِخَيْرِ النَّاسْ – كُلِّ النَّاس – فالإنْسان هوَ مِحْوَرِ الدينِ الإسْلامي – والقُرْآن الكَريم إلَهي المَصْدَر، لَكِنَّهُ إنْساني الغاياتْ – فَلَيْسَ في القُرْآنِ آيَةٍ واحِدة لا يُرادُ مِنْها خَيْر الإنْسان – كُلِّ إنْسان ...!؟! – ولَعَلَّ مِنْ أجْمَل ما قَرَأْتُ في أمْرِ الشُورَى – أنَّ الأمْرَ بِها جاءَ في أعْقابِ "الهَزيمَة المؤقَّتَة" التي واجَهَها المُسْلِمون في "غَزْوَة أُحُد" لِعَدَمِ الْتِزامِ بَعْضهم بِتَعْليماتِ الرَسولِ قَبْل بِدْءِ المَعْرَكَة – ورَغْمَ ما جَرَى جاءَ الأمْرُ الإلَهي "وشاوِرْهُم في الأمْر" – يَرْوي لَنا "الإمام القُرْطُبي" في تَفْسيرِهِ "الجامِع لِأحْكامِ القُرْآن" ما قيلَ في أمْرِ الشُورَى بِقَوْلِهْ – "لَعَلَّ أجْمَعُها ما جاءَ عَنِ الحَسَنِ البَصْري والضَّحاكْ – قالا – "ما أمَرَ اللهُ تَعالى نَبيَّهُ بِالمُشاوَرَةِ لِحاجَةٍ مِنْهُ إلى رأْيهم، وإنَّما أرادَ أنْ يُعَلِّمَهُم ما في المُشاوَرة مِنَ الفَضْلِ ولِتَقْتَدي بِهِ أُمَّتهِ مِنْ بَعْدِهْ –ثُمَّ ذَكَرَ القُرْطُبي أحاديث عَنِ الرَسولِ الكَريم في الشُورَى مِنْها: "ما نَدَمَ مَنِ اسْتَشارْ"...!؟! – ويَقولُ الشَيْخُ "رَشيد رِضا" تِلْميذ "الإِمام مُحَمَّدْ عَبْدُه" في "تَفْسيرِ المَنارْ" – "وشاوِرْهُم في الأمْرِ العامِ الذي هوَ سياسَة الأُمَّة في الحَرْبِ والسِلْمِ والخَوْفِ والأمْن – وغَيْر ذَلِكْ مِنْ مَصالِحِهِم الدُنْيَويَّة– أى داومُ على المُشاوَرَة وَواظَبَ عَلَيْها كَما فَعَلَ في غَزْوَة أُحُدْ – وإنْ أخْطَأَواالرأْي فيها، فَإنَّ الخَيْرَ كُل الخَيْر في تَرْبيَتِهِم على المُشاوَرَةِ والعَمَلِ بِها في مُسْتَقْبَلِ حُكومَتِهِم إنْ أقاموا هذا الرُكْنِ العَظيمْ ..." – ولَمْ يَفْرِضْ الإسْلامُ على مُعْتَنِقيهِ "نِظاماً سياسيَّاً بِعَيْنِهْ" إنَّما تَرَكَ ذَلِكَ لِمُتَغَيِّراتِ الزَمانِ والمَكانْ ...!؟!.

• ... وتأْتي قاعِدة "الأُسْوَة الحَسَنَة" التي تَجَلَّتْ مَعانيها في بِناءِ مَسْجِدِ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ بَعْد هِجْرَةِ النَبيِّ إليْها –فَقَدْ اشْتَرَكَ في بِنائِهِ بِنَفْسِهْ، وعَمل بيَدِهِ في البِناء، وقَدْ أرادَ أنْ تَكونَ "الأُسْوَة الحَسَنَة" سَبيلَهُ لِتَرْبيَةِ الجَماعة المؤْمِنَة– فَكانَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمْ – إذا رأى قيام المُسْلِمين بِعَمَلٍ مِنَ الأعْمالْ – بَدَأ هو العَمَل بِنَفْسِهِ دونَ أنْ يُصْدِرَ أمْراً – فَإنْ رآهُ النَّاس تَبَعوه فيه طواعيَةً واخْتياراً ومحَبَّةً – وأكَّدَ "الله تَعالى" مَعْنى الأُسْوَةُ الحَسَنَة وجَعَلَها قاعِدة دينيَّة وأخْلاقيَّة في سورَةِ الأحْزاب "لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجو الله واليَوْمَ الأخِر وذَكَرَ الله كَثيراً" – فالأُسْوَةُ الحَسَنَة واجِب وفَرْض على كُلِّ من وَلِيَ أَمْر مِنْ أُمورِ المُسْلِمين –وهى تأْديب عَنْ طَريقِ إيقاظِ الضَميرْ – فَإذا اسْتَيْقَظَ "ضَمير الجَماعة" أصْبَح هو قانونَها و دُسْتورِها ومَنهاجِها في الحياة – فَما قيمة كُل تَشْريعاتِ الدُّنْيا وعقوباتِ القَوانين مَعَ "الضَميرِ المَيِّتْ"...!؟!.

• في عالَمِنا المُعاصِر نَجِد دَوْلَة قَويَّة وراقيةمِثْل "بريطانيا" وهى لَيْسَتْ مُسْلِمة كَما نَعْلَمُ جَميعاً – لَكِنْ أهْلَها رَفَضوا أنْ يَكونَ لَهُمْ "دُسْتوراً مَكْتوباً" وفَضَّلوا أنْ يَظَلَّ دُسْتورَهُم مَحْفوظاً في الصُدور – أرادوا أنْ يَكونَ "دُسْتورَهُم" هوَ ضَميرَهُم الحَيِّ اليَقِظْ ...!؟! – هذا الأمْر جَعَلَ مِنَ الدُّسْتور الإنْجليزي "دُسْتور القُلوب ودُسْتور الضَمير" – هذا الدُّسْتور غَيْرالمَكْتوب أقْوَى مِنْ كَثيرٍ مِنَ الدَساتير المَكْتوبَة في دُوَلٍ لا يَتَقَيَّد مَسْئولوها ومواطِنوها بِأيِّ قانونٍ أو دُسْتور – مَكْتوباً أو غَيْر مَكْتوبْ ...!؟!– فيالَها مِنْ رِسالَةٍ لِمُجْتَمَعاتِ المُسْلِمينْ ...!؟!... فَلا مَجالَ لِوُجودِ انْفِصام بَيْن "القانون والأخْلاق" في الإسْلام – فالقانون لِإصْلاحِ الفَسادِ الظاهِرِ – بَيْنَما يَهْتَمُّ النِظامُ الأخْلاقي بِتَهْذيبِ النُفوسِ وتَرْبيَةِ الضَمائِرْ...!؟!.

• ... ومِنْ سُنَنِ الله تَعالى وقُدْرَتِهِ في خَلْقِهِ أنْ يَكونَ الإنْسانُ مَخْلوقاً ذا عِلْمٍ ومَشيئَةٍ وإرادَةْ – فَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ وَوَفْقَ إرادَتِهْ – مِنْ هُنا كانَ الثَواب والعِقابْ – ولا يَتَعارَضْ هذا مَعْ كَمالِ عِلْمِ الله جَلَّ شأْنُهْ – فَهوَ الأوَّلُ والآخَرُ والظاهِرُ والباطِنُ وهوَ بِكُلِّ شَئٍ عَليمْ – يَقولُ فَيْلَسوفُ الإسْلامِ الكَبيرِ الشاعِرِ الباكِسْتاني "مُحَمَّدْ إقْبال" في شأْنِ قَدَرِ الإنْسانِ وقُدْرَتِهْ "... المؤْمِنُ الضَعيفُ يَحْتَجُّ دائِماً بِقَدَرِ الله – والمؤْمِنُ القَوِيُّ هو قَدَرُ الله في أرْضِهْ، يُنَفِّذُ اللهُ بِهِ مَشيئَته..." فالتاريخُ يَكْتبهُ الأقْوياء – وما أكْرَم أنْ تَجْتَمِعَ القوَّة مَعْ مَكارِمِ الأخْلاقْ ...!؟!.

• ... فَلا يَجِبُ أنْ يَقومَ تَقييم الحَضاراتِ بِما تُحِقِّقَهُ مِنْ إنْجازاتٍ حَضاريَّة في مَجالاتِ العُلومِ والعِمارة والاقْتِصادِ والقُدُراتِ العَسْكَريَّة أو تَراكُمِ الثَرَواتْ – إنَّما بِمِقْدار ما تُقيمهُ مِنْ نِظامٍ أخْلاقي يُعْلي مِنْ قيمَةِ الإنْسانيَّة ودورِ الإنْسانِ في الحياة ...!؟!.

• ... وبِالعَوْدَةِ إلى "تاريخِ الحَضارات" لَنْ نَجِدَ حَضارَةً كالحضارة الإسْلاميَّة أثْرَتْ الحياة مِنْ حَوْلِها بِقيَمٍ وأخْلاقِ الإسْلامْ – إنَّما هذا الأمْر لَمْ يَكُنْ سوى ومضات أضاءَتْ التاريخْ – رَغْمَ أنَّ "نِظام الأخْلاق" هوَ ديوان الحياة الذي يَضْمَنُ الحِفاظ على الإنْسانِ والكَوْنِ مِنَ الفَسادْ ...!؟!... فَهَلْ نُدْرِكُ نَحْنُ المُسْلِمون أنَّهُ إذا كانَتْ "العِباداتْ" جُزْءاً مَعْلوماً مِنَ الدِّينْ – فَإنَّ "القيَم والأخْلاق" هي قوامُ الدِّيْن ...!؟! – وإلى مَتى نّظّلُّ وقوفاً على أعْتابِ "ديوانِ أخْلاقِ الإسْلام" بِكُلِّ ما فيهِ مِنْ صَلاحٍ لِأُمورِ الدُّنْيا ... وحَقيقَةِ الدِّينْ...!؟!.