الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: دراما رمضان والواقع (2)

صدى البلد

 

استكمالاً لما سبق ذكره في المقال السابق، وبعد مرور 25 يوماً من شهر رمضان المعظم، واتضاح معالم معظم ما تم عرضه من أعمال درامية على شاشات القنوات الفضائية، يظل مسلسل "الاختيار (2)" على القمة مع "لعبة نيوتن"...

فلقد استطاع صناع مسلسل "الاختيار (2)" بمهنية شديدة نقل ما حدث على مدار السنوات العجاف التي عاشتها مصر وهي تحارب إرهاباً داخلياً كان على استعداد لحرق الأخضر واليابس على هذه الأرض الطيبة من أجل تمسكه بالبقاء، وقد أوضح المسلسل بشكل مدهش لا يضاهيه مئات المقالات ولا الرسائل المباشرة الثمن الغالي الذي دفعه هؤلاء الرجال لاستقرار هذا الوطن، فمهما كان يُحكى عن بطولات أبناء مصر الأبرار في مكافحة هذا الخطر الذي كان يحدق بالبلد، لم يكن كما شاهدناه على مدار الحلقات التي تم عرضها من هذا العمل الدرامي المتميز
والمُلفت للانتباه أن صناع هذا العمل قد حرصوا على تقديم الحقائق الموثوقة كما هي دون تغيير أو انحياز مهما كانت، ففي حلقة معركة الواحات التي تم عرضها بالأمس، لم يحاول المؤلف ولا المخرج المبالغة في تبرير ما حدث وإنما نقل الحقيقة كما هي، دون وضع لمسات درامية هوليوودية لتقديم صورة مغايرة لما دار في هذه المعركة، حتى الحوار كان كما هو في الواقع حينها على لسان المسؤولين مما أضاف لقيمة العمل الفنية، حيث أن هذه الموضوعية في التناول التي انحازت إلى الحقائق قد جعلت المشاهدين يتفهمون جيداً حجم التضحية التي حدثت، وأن الوضع المستقر الذي نعيشه الآن وننعم به، قد دفع ثمنه أبطال ضحوا بأرواحهم، وأسر تنفطر قلوبها على فقد الأعزاء وأبطال آخرون ما زالوا يعملون على مدار الساعة في خدمة هذا الوطن العزيز لكي يبقى آمناً مطمئناً، فلقد استوعب الشعب جيداً بعد عقد من الزمن معنى الشعور بالأمان الذي لولاه ما انتعشت التجارة والاستثمار والسياحة ولما توسعنا في البناء الذي قفز بمصر هذه القفزة الحضارية في السنوات الأخيرة

وبالنظر للعمل الدرامي الآخر الذي جذب الانتباه، نجد أن خيوط "لعبة نيوتن" الدرامية قد بدأت تتضح بسلاسة مدهشة وحرفية فائقة، فبقدر الدقة التي تهتم بكل التفاصيل التي أبدعتها ورشة تأليف المسلسل، بقدر تفاعل الصورة معها والكاميرا التي تتحرك بعناية لتلتقط كادرات معبرة لكل حدث، كما أن المايسترو – تامر محسن – قد أظهر أنه مخرج متمكن ويمتلك كل أدوات المخرج المحترف الذي يهتم بأدق التفصيلات دون حشو مشاهد وإقحام ممثلين أو تكبير لدور على حساب العمل كما يحدث من مخرجين آخرين مما أكسب العمل هذا الإيقاع السريع الذي يمتع المشاهدين
كل هذا بالإضافة إلى الإبداع الذي يقدمه نجوم المسلسل وعلى رأسهم الفنان الكبير سيد رجب والنجم المتميز محمد فراج ومحمد ممدوح ومنى زكي

أما "القاهرة – كابول" فلم يقدم جديداً سوى تألق الفنانة حنان مطاوع التي تثبت أن جينات الإبداع يمكن توارثها، خصوصاً إذا كانت من الأبوين معاً، كما أن دور الفنان خالد الصاوي قد سحب الكثير من رصيده في هذا المسلسل، فلا الأداء مقنع ولا الدور مناسب له على الإطلاق، أما الموهبة الفذة - فتحي عبد الوهاب – فلا زال يحاول إيجاد فرصة تمكنه من تفجير ما بداخله من طاقات فنية وإبداعية والتي يمكن لها أن تظهر مع بطولة مطلقة في عمل آخر، بينما محاولة طارق لطفي ليست بالسيئة، لكن سيناريو وإخراج العمل هما المسؤولان عن الشكل النهائي الذي ظهر به

أما "نسل الأغراب" فيذكرني بما يقدمه ما يسمون ب "مطربي المهرجانات"، فهم يقدمون نغمة قد يتراقص معها بعض المتابعين دون الاهتمام بالصوت أو محتوى ما يُقال من كلام، سيما إذا كان أحد هؤلاء (المطربين) مشهوراً ودعا معه أحد أقاربه أو أصدقائه لمشاركته الغناء!

ولا زال مسلسل "هجمة مرتدة" على نفس الوتيرة التي بدأ بها في محاولة لتقديم عمل وثائقي دون الاهتمام بالمسارات الدرامية أو التمثيل، وكأنه محاكاة لرواية مُقررة على طلبة المدارس يقوم بتجسيدها بعض الممثلين في عمل تعليمي يشاهده الطلاب يوم الجمعة للمساعدة على تذكر أحداث الرواية التي يدرسونها!


لم تسنح لي الفرصة ولم أجد الوقت لمتابعة أكثر من ذلك من هذا الكم الهائل من الأعمال الدرامية في رمضان، لكن المهم هو أن يحاول صناع هذه الدراما في المواسم القادمة تقديم فن هادف يوضح الصور الطيبة والجميلة في مجتمعنا الطيب الذي يعيش مرحلة من النمو والازدهار، وكفانا ما تم تقديمه من نماذج سيئة وجرائم بشعة بدعوى الواقعية، فليس كل الواقع هكذا، ارحمونا يرحمكم الله.