الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حرب الأقصي الجديدة!

الاستهداف الصاروخى الفلسطيني للقدس وتل أبيب يعد نقلة نوعية تاريخية فى الصراع العربي الإسرائيلي، فلأول مرة يتم هذا الاستهداف الصاروخى يمكن منذ قيام دولة إسرائيل، فلم يتم استهداف القدس وتل أبيب في أية حرب عربية إسرائيلية سابقة، بشكل مباشر .

والحديث هنا عن أثر معنوى لا مادى، بعد صد أغلب هذه الصواريخ بمنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، لكن من المهم أن نسرد تفاصيل قدرات هذه الصواريخ الجديدة، لأنها تدخل الصراع علنية لأول مرة وتحوله لمنطقة أخرى جديدة، وهى وفقا لبيان كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، صواريخ من طراز A120، تيمناً بقائد القسام رائد العطار.

وأفاد بيان الكتائب: "هذه الصواريخ، تحمل رؤوساً متفجرة ذات قدرة تدميرية عالية، ويصل مداها إلى 120 كم، وتدخل الخدمة بشكل معلن لأول مرة".

وكانت كتائب القسام، قد قصفت مستوطنات القدس، بسبعة صواريخ في تمام الساعة السادسة من مساء الاثنين ١٠ مايو ٢٠٢١، عند انتهاء مهلة المقاومة للاحتلال بوقف عدوانه على القدس والمسجد الأقصى، لكن منظومة القبة الحديدية صدت أغلب هذه الهجمات.

لكن الفكرة في تجاوز المدى الاستهدافى، وكسر الخطوط الحمراء والحواجز النفسية، وهذا في حد ذاته تحول كبير جدا في الصراع له إسقاطات منوعة ومعقدة، ولقد ظهر هذا جليا في رد فعل الجيش الإسرائيلي، الذي أوقف تدريباته التى كانت مرتبة من قبل، وكانت تماثل حربا على عدة جبهات، ليركز على الرد على هذا التطور الجديد، وبالفعل وسع وزير الدفاع الإسرائيلي بينى جانتس ورئيس أركانه أڤيڤ كوخافي مساحة إعلان الطوارئ، حتى ٨٠ كيلومتر من قطاع غزة، وهذا أمر غير معتاد، حيث كان أقصى تقدير لحالة الطوارئ لصد أية رشقات صاروخية أو قذيفية من الفصائل الفلسطينية، لم يتجاوز ال٤٠ كيلومتر من قبل.

ومن المؤكد أن هذا سيمنح الفصائل دفعة كبيرة للعمل على تطوير مدى وقوة هذه الصواريخ، والأمر لا يختلف كثيرا من حماس للجهاد، خاصة أن الاثنين يركزان جدا على عدم تفويت الفرصة، ومجاراة بنيامين نتنياهو في الحرب الدينية التى يريد جر الفلسطينيين لها لإنقاذ نفسه بأية طريقة من السقوط السياسي والجنائي، بالذات بعد فشله في تشكيل حكومة وبدء إنقسام المعسكر اليمينى عليه.

*سيف القدس

أسمت الفصائل هجماتها بسيف القدس، والتى وصلت ل٧٠٠ قذيفية حتى كتابة تقدير الموقف، والأمر مرشح للزيادة، لم يتجاوز القبة الحديدية سوى عدد قليل، ومنها فقط ما أصاب منازل لمستوطنين، وانتشرت صور المستوطنين والمسعفين مفترشين الأرض خلال ضرب صفارات الإنذار، التى لم تتوقف منذ الاقتحام الثانى للأقصي، حتى توقفت الدراسة في عدة مستوطنات، وفتحت الملاجئ في عدة أماكن بالإضافة لمستوطنات غلاف غزة، في القدس وتل أبيب وديمونة والنقب وعسقلان، لكن في الساعات الأخيرة تتزايد الإصابات والاستهدافات بين صفوف الإسرائيليين وبالذات في عسقلان.

*لماذا تسمية حارس الأسوار؟!

فيما أسمى الإسرائيليون ردهم من الدبابات والمقاتلات، والذي أوقع عشرات الشهداء ومئات الإصابات منهم عدد كبير من الأطفال والسيدات، "حراس الأسوار"، ويقصدون هنا أسوار القدس، وهى أغنية عسكرية إسرائيلية شهيرة تداولت منذ عام ١٩٧٧، احتفالا ببقائهم في القدس بعد حرب ١٩٧٣.


* الحرب على القدس

أى إن الصراع هذا المرة مباشر على القدس، والأمر لا يقف عند حد الصراع العسكرى، بل وصل للسياسى، حيث هاجمت الرئاسة الفلسطينية حديث نتنياهو عن أن القدس عاصمة لإسرائيل، ومن المتوقع أن يتسع المشهد، ولا يهدأ بشكل كبير، رغم التدخلات الدولية والعربية، والمرشح أن يكون عيد الفطر هذا ساخنا، لكن تل أبيب تعتمد عليه في هدوء الأجواء وإنصراف المعتكفين في الأقصى، إلا أن الواقع يؤكد أن الأمر مرشح لسخونة أكثر خاصة أن المظاهرات الداعمة تملأ الداخل العربي في إسرائيل، وسقط فى مواجهاتها شهداء، فيما هناك مظاهرات في عدة دول، واستدعاءات للسفراء الإسرائيليين، ومتابعة حثيثية من أوربا وأمريكا.

*حماس تنقذ نفسها لا الأقصي

الزاوية الأخرى للمشهد، هى هدف حماس من هذا التصعيد غير التقليدى، فالحركة الإخوانية تدرك تمام الإدراك إنها كانت ستدخل مساحة فتور شعبي ورسمى كبير، وكان من غير المستبعد أن يكتب نهايتها مع الوقت، لذلك استغلت الأجواء لتعود للصدارة بقوة، بهذا الفكر الجديد في التصعيد، ومنها الخطاب الساخن غير التقليدى المستهدف لشرائح جديدة من المجتمع الفلسطينى لا تتواجد بينهم بقوة، ومنهم المقدسيين وحتى مجتمع الضفة الغربية، وطبعا تأجيل الانتخابات الفلسطينية الذي كان لإسرائيل وقوى دولية وجهات فلسطينية دورا كبيرا فيه، مهد لحماس الطريق لذلك، وبالتالى فإن الموقف في صالحها بشكل أو بأخر، فالقيادى الحمساوى المختفي محمد ضيف، الذي لا يظهر كثيرا، حذر إسرائيل بكلمات قوية، وأيضا القيادات الحمساوية بالخارج دخلت على الخط ومن تركيا بالذات، ولم يترك إسماعيل هنية الأمر لهم فقط، وتدخل هو الآخر ولا يتوقف عن الوعيد، والمتحدث العسكرى الحمساوى يؤكد على مواصلة إطلاق القذائف على كل نقطة تستطيع الوصول لها في إسرائيل ويرصد الإصابات المحققة بشكل دورى، وساعدتهم تل أبيب بالحديث عن تحديث الأهداف قبل عمليتها الحالية، حارس الأسوار، والأمر لا يختلف بشكل أو بأخر مع حركة الجهاد الإسلامي، حيث لا يتوقف أمينها زياد نخالة عن التهديد والوعيد، وتطلق قذائف هى الأخرى من وقت لآخر ولها نصيب من الشهداء.

الخلاصة :

المشهد الفلسطينى الإسرائيلي، دخل مرحلة جديدة غير إعتيادية بالمرة بعد التصعيدات غير التقليدية في المسجد الأقصي، على عدة مناحى منها القدرات العسكرية بالاستهداف الصاروخى الفلسطينى للقدس وتل أبيب، ولا يمكن إبعاد التوترات السياسية الإسرائيلية عن هذه التطورات، فهى محور مهم، فنتنياهو لن يترك مكانه بسهولة لخصومه، إن كانوا داخل الليكود أو في معسكر "لابيد - بينت"، وبينى جانتس وأفيف كوخافي لن يتركوا الفرصة لتحقيق أهدافهم الشخصية هم أيضا، حيث استدعيا قوى احتياط إضافية وضاعفا مهمة عملية "حراس الأسوار"، وبالتالى الأمر لن يهدأ قريبا، رغم بعض السيناريوهات المروجة في هذا الإطار، على خلفية الصغوط الدولية والعربية على الجانبين لإنهاء حالة الحرب المفاجئة هذه، والتى أكدت أن الأقصي طالما كان المشعل لأى تطورات غير تقليدية، ولا يمكن أن ننسي أن انتفاضة ٢٠٠٠، كانت بدايتها بإقتحام شارون للأقصي.. أى أن الأمر لا يخرج عن إطار العمل المدبر بشكل أو بأخر، وإجمالا المشهد الفلسطينى الإسرائيلي بعد هذه التطورات لن يعود كما كان، ومتوقع له تغييرات كثيرة نترقبها.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط