الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: العدالة التي لا زلنا نبحث عنها

صدى البلد

ربما كانت طبيعة الانسان منذ كتابة التاريخ وحتى الان هي العيش في شكل فوضى بعيداً عن كل ما يمت للتنظيم والعدالة بشيء. وهذا ما كان سببه اننا دائما ما نتحدث عن أهمية التربية العائلية للأطفال كي يتم تربيتهم وتعليمهم على العادات والتقاليد المجتمعية والتي هي قوانين أخلاقية ينبغي مراعاتها في إطار العلاقات ما بين افراد المجتمع. آلية هذه العلاقات هي التي تحدد مستوى كل انسان ضمن المجتمع وحينما يحدث خلل في هذه الآلية نرى ان الكل ينظر بعين الريبة والشك لمن يخرج عن الضوابط المجتمعية.
ورغم تطور العلوم والتكنولوجيا في راهننا لا زالت تلك الآليات هي الأساس في التعامل ما بين أفراد أي مجتمع تجمعهم روابط فيما بينهم. ولكن السؤال المطروح؛ هل بمقدور هذه الروابط والعلاقات الصمود أمام التطورات التقنية التي باتت تشكل هاجس الانسان لما لها من تأثير شبه كلي حتى على ثقافة الانسان بحدِ ذاته/ فما بلك بالروابط والعلاقات المجتمعية.
ربما يكون التطور هو أحد سمات أو حقيقة المجتمعات التي لا تعرف السكون، بل هي فر حالة تطور مستمر وهذا مرتبط مباشرة بدرجة الوعي والفكر عند الانسان الذي يعتبر أساس تطور المجتمعات. التطور الفكري هذا يؤثر بشكل مباشر على كل ما في المجتمع من ثقافات وروابط وعلاقات وسلوكيات وقوانين تحدد مستو التفاعل المباشر ما بين افراد المجتمع فيما بينهم أو مع الآخرين.
من بين الكثير من هذه الروابط التي لها أهمية كبرى والتي لطالما اعتبرها الانسان المحدد الرئيس في تطور أي مجتمع عن الآخر، ألا وهي العدالة المجتمعية التي تخص كل من يعيش ضمن هذا المجتمع بشكل مباشر، والتي بغيابها سيتحول المجتمع إلى شبه مجتمع وحشي وتتحول كافة القوانين المكتوبة الأخرى إلى مجرد شعارات تُقال ولا تنفذ وبالتالي يتحول المجتمع إلى مجتمع تسوده قوانين الغابة كما يقال. أي أن القوي يفتك بالضعيف والغني يستعبد الفقير وبالنتيجة يتحول الانسان إلى ذئب يأكل أخاه الانسان كما قال "هوبز".
لذا، نرى أنه منذ القِدم وحتى الان دائماً ما كان يبحث الانسان عن العدالة قبل أي شيء آخر، لما لها من قوة كبيرة على معنوياته أو سلوكياته. فإما أن يكون انسان يتطلع لنشر الخير مع الأطراف أو العكس، وهذا متوقف على درجة العدالة المنتشرة بين افراد المجتمع فيما بينهم من أعلى الهرم إلى نهايته. إن توفرت العدالة بينهم بكل تأكيد أن كافة التقربات والسلوكيات الأخرى سيتم ضبطها لتدخل في سياقها الطبيعي في خدمة المجتمع والانسان. 
العدالة بنفس الوقت مصطلح فضفاض يتم تشويهه بعض الأحيان من المنتفعين الذين يرون مصالحهم أهم من أي شيء آخر، وهؤلاء المنتفعون دائماً ما نرهم يتحدثون كثيراً عن العدالة ولكن لا يطبقونها ويحاربون كل من يسعى لتطبيقها بنفس الوقت. لندخل حينها مرحلة النفاق الداخلي قبل الخارجي وهي خاصية أو تطبع يمتاز بها المنافقون معظم الأحيان. لهذا نرى أن ما نعيشه الآن من فوضى كبيرة أثرت بشكل كبير على كافة مجالات حياتنا سببها حالة النفاق وفقدان العدالة لمكانتها على يد هؤلاء الأشخاص. 
ورغم كثرة التعلم والتربية حول مفاهيم الحقوق والقانون والعدالة المنتشرة إلا أنه لا زلنا نبحث عن العدالة التي لا نراها على أرض الواقع. وكل ما نصطدم به هو غياب العدالة المجتمعية بشكل كبير واتساع العوة ما بين المجتمع والأنظمة المتسلطة على المجتمعات والتي تدعي أنها لم تأتِ إلا لتطبيق العدالة. هنا يبدأ الصراع ما بين المجتمع والأنظمة التسلطية وهو ما نراه الآن في حالة ثورات الشعوب على أنظمتها التي فقدت الأمل بها وبكذبها ونفاقها. وأنها حتى الآن أي الأنظمة لك تكن إلا أداة سرقة وفساد غير عادلة تُلهي الشعوب بأمور ثانوية كي تسرق ما تشاء وتتربع على عرشها لأطول فترة ممكنة. 
لطالما كانت العدالة مرتبطة بشكل وثيق بالمجتمع ولهذا نراها مترادفتين دائما ونسميها بالعجالة المجتمعية، لكن حينما تم فصلهما عن بعض وربطها بالدولة ومؤسساتها المختلفة وقوانينها الوضعية والوضيعة، اتسعت الهوة كثيرا وانحلت كافة الخصائص الأخرى أو آليات وعلاقات التي تربط المجتمع مع بعضها البعض. لذا، نرى حالة التفكك والتشتت المجتمعي الذي نعيشه قد وصل لمرحلة كبيرة جداً من الانحطاط من كافة النواحي.
فلا عدالة دون احترام ومحبة الانسان لأخيه الانسان بشكل جوهري وبعيداً عن النفاق والازدواجية في العلاقات، بل ينبغي ان تكون العدالة شفافة لأبعد درجة ممكنة ما بين كافة أفراد المجتمع أو حتى أفراد العائلة الواحدة. فبغياب العدالة لا يمكننا الحديث عن العائلة والوطن والأخلاق والضمير والمقدسات المجتمعية الأخرى.