ذِكْرياتُنا هِيَ أيَّامُنا التي مَضَتْ وتأْبى أنْ تُفارِقُنا – وقَدْ ذَهَبَتْ أيَّامها ولَنْ تَعودْ – تَتَدَلَّى خُيوطُ الذِكْرَى مِنْ أعْماقِ الوِجْدانْ ...!؟! – فَمِنْها ما تَأْخُذهُ دَوَّامة النِسْيان ... ومِنْها ما يَظَلُّ مَحْفوراً على جُدْرانِ القَلْب – بِكُلِّ ما فيها مِنْ أحْلامٍ وأشْجانٍ وأحْزانْ – تُلْقَى بِظِلالِها على ما تَبَقَّى مِنَ العُمْرِ... وهَل حياةُ الإنْسانِ غَيْرَ فَيْضٍ مِنْ ذِكْرَياتْ ...!؟!.
... وهاهوَ "رَمَضانْ" يَتَحَوَّلُ بِدَوْرِهِ إلى ذِكْرَى مِنَ المَحَبَّةِ والشَجَنْ – مُتَعَجِّلاً الرَحيلَ كَدَأْبِهِ كُل عامْ – وكأنَّهُ عابِرَ سَبيلٍ كَريمٍ يَمْضي ... أو غَريبٍ بَيْن غُرَباءْ ...!؟! – ومِنْ تَجَلِّياتِ الغُرْبَةِ أنَّ مَنْ نَلْتَقيهِم مِنْ عابِري السَبيلِ دونَ سابِقِ مَوْعِدْ – نَراهُم وقَدْ اسْتَوْطَنوا قُلوباً تُضِئُ بِهِمْ عَتْمَةِ اللَّيالي وغُرْبَةِ الأيَّامْ ...!؟! – فَطوبَى لِلغُرَباءْ ...!؟!.
... وقَدْ أقْبَلَ "العيد" على عَجَل – إنَّما على غَيْر ما ألِفْناهُ مِنْ أعْيادْ ...!؟! نَسْتَقْبِلَهُ بِالفَرَحِ والدُّموعْ – فَرَحاً رُبَّما لأنَّنا مازِلْنا مِنَ الأحْياءْ – ودُموعاً لا تَجِفُّ على أحْبابٍ فارَقونا دونَ اسْتِئْذانٍ ... و دونَ لِقاءِ لِلْوَداعْ ...!؟! – لِتُعيدُنا الذاكِرة إلى أبْياتٍ لِشاعِرَنا الكَبير "أبي الطَيِّب المُتَنَبِّي"يَتَعَجَّبُ فيها مِنْ جَدْوَى قُدومِ العيدْ ...!؟!... يَقولُ فيها:
"... عيدٌ بِأيَّةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ
بِما مَضَى – أَمْ لِأمْرٍ مِنْكَ تَجْديدُ ..."
"... أمَّا الأحِبَّةَ فالْبيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيْتَ دونَكَ بِيْدَاً دونَها بيدُ ..."
"... ماذا لَقيتُ مِنَ الدُّنْيا؟ – وأَعْجَبَهُ
أنِّي بِما شاكٍ مِنْهُ مَحْسودُ ..."...".
... وها هيَ نِداءاتٌ وأشْواقٌ – لَعَلَّها تَحْنو على القُلوبِ والأرْواحْ – وهَلْ في الوُجودِ ما يَسْمو على فيوضات الوَجْدِ التي تَغْمُرُ الفؤادَ بِالحبورِ في هَدْأَةِ اللِّيلْ – لِتَرْقَى بِهِ "رهافَة الروحْ" على مَدارِجِ النُّور "بِوَمْضاتٍ مِنْ حَنانْ" يُطِلُّ بِها على مالَمْ يُدْرِكُ مَغْزاهُ مِنْ تَباريحِ الوَجْهِ الآخَر لِلْحَياةْ ...!؟!.
"... حَدَّثَتْني نَفْسي بِتَرْكِ الهُمومِ وَرائي – فَما أنْ بَدَأْتُ – وَجَدْتُ الهُمومَ أمامي ...!؟!".
"... إذا أهَلَّتْ حَقيقَةُ القَلْب ... بادَرْناها بِعُيونِ الشَكِّ ...!؟!...".
"... أتَيْتُ مُتَأخِّراً وقَدْ تَيَقَّنْتُ – أنَّ الكَمال لَيْسَ هُنا ...!؟!...".
"... الوَجْهُ مِرْآةُ القَلْب – واللِّسانُ حاصِلُ جَمْعُهُما مَعاً ...!؟!...".
"... هُناكَ مَنْ يَرَى بِعُيونِ قَلْبِهْ – وهُناكَ مَنْ لا يَرَى لا بِالقَلْبِ ولا بِالعَيْن ...!؟!...".
"... هَلْ يُمْكِنُ لِلْقَلْبِ أنْ يَكونَ حَريراً – فَلا تَعْلَقُ بِهِ الأشْواكْ ...؟؟!...".
"... أُساءِلُ نَفْسي: هَل ادَّخَرَهُ اللهُ لَكَ لِتَلْقاهُ بِبَراءَةِ الطُفولَةِ في نِهايَةِ الدَرْب – وقَدْ حَرَمَكَ بَراءَتِها في بِدايَتِهْ ...!؟!...".
"... كَيْفَ لَنا أنْ نَحْزَنَ – وهوَ مَنْ يَضَعُ المَحَبَّة في القُلوبْ ...؟؟!...".
"... إنْ لَمْ نَرْضَ بِما قَدَّرَهُ لَنا – فَما عَبَدْناهُ حَقَّ عِبادَتِهْ ...!؟!...".
"... مِنْ عَلاماتِ المَحَبَّةِ – رِضاكَ عَنْهُ في المَنْعِ قَبْلَ العَطاءْ ...!؟!...".
"... إذا أشْرَقَتْ قُلوبُ المُحِبِّينَ بِالرِضا – فَلَنْ يَغيبَ عَنْها دَليلَ مَحَبَّتَهْ ...!؟!...".
"... نَتَعَجَّبُ مِنْ أعْمالِ الخَلْق – ونَغْفَلُ عَنْ حِكْمَةِ الخالِقْ ...!؟!...".
"... لَيْتَني أهونُ لَدَى الخَلائِقْ – ولا أهَونُ لَدَيْهِ ...!؟!...".
"... إذا كانَ اليَقينُ يَقيناً – ما رَضينا بِشَئٍ سِوَى ما قَدَّرَهُ لَنا ...!؟!...".
"... مِنْ رَحْمَتِهِ بِعِبادِهْ – أنَّهُ وَحْدَهُ مَنْ يَعْلَمُ النَوايا – ولو تَرَكَ عِلْمَها لِلْخَلْقِ ما هَدَأَتْ الحَرْبُ بَيْنَهُم لَحْظَةً واحِدةْ ...!؟!...".
"... لا نُدْرِكُ نَوايانا بِغَيْرِ أفْعالِنا – لِهَذا يَدْعونا إلى فِعْلِ الخَيْر ...!؟!...".
"... هَلْ كانَ بيَدي أنْ أتَيْتُ مُتأخِّراً – ولَمْ يَغِبْ عَنِّي حُضورَكْ ...!؟!...".
"... ما أغْرَبَ أحْوالِ الإنْسانْ – أمامَهُ الفَضاءُ واسِعاً – ثُمَّ يَشْكو مِنَ الضِّيقْ ...!؟!...".
"... إنْ أحْبَبْتَهُ حَقَّاً – أوْجَبَ مَحَبَّتَكَ على بَقيَّةِ الخَلْق ...!؟!...".
"... إنْ لَمْ نُدْرِكْ مَحَبَّةَ الخَلائِقْ – فَما أحْبَبْناه ...!؟!...".
"... إنْ أحْبَبْتُه في الحَقيقة – تَضاءَل في قَلْبِكَ ما عَداهُ ...!؟!...".
"... كَيْفَ لِمَنْ كانَ مَعَهُ يَهونُ ...؟؟! – فَإنْ هانَتْ مَحَبَّتُهُ على غَيْري – فَهوَ في روحي مَصونُ...!؟!".
"... إنْ كانَتْ المَحَبَّة خالِصَةً لَهُ – أعْلَمَهُم أحْوالَهُم بِقُلوبٍ تَرى مالا تَراهُ العُيون ...!؟!...".
"... سَألْتُ القَلْبَ مِنْ زَمَنٍ – ما بالً نَوْمَكَ طالْ – فَلا حَياةٌ ولا نَبْضُ – قالَ: إذا أهَلَّ هِلالَهُ – فَلا صَحْوٌ ولا نَوْمُ ...!؟!...".
"... آهٍ يا شَيْخَنا الجَليل مِنْ مَتاهَةِ الطَريقْ ... وقَدْ غابَ الدَليلْ ...!؟! – ورَغْمَ العَثَراتِ يَحْدوني الأمَلْ في الوُصولْ – عَثَراتُ الطَريقِ أنا لَها ... وعَثْرَةُ العُمْرِ ... دونها المُسْتَحيلْ ...!؟!...".
"... يالا "مَحَطَّة الوُصولِ" تَبْدو لِعَيْني قَريبَةً – وقَدْ نادَى المُنادي ...!؟!.
... فَإنْ كانَ الرِّضا سَكَناً وراحَةً لِفؤادي ...!؟!
... أنْثُر عَلَيْهِ مَحَبَّةً في حالِ قُرْبٍ أو بِعادِ ...!؟!
... حَتَّى وإنْ طالَ المَدى – أمْ تَسارَعَتْ العَوادي ...!؟!...".
"... كانَتْ هَذِهِ "لَمَحاتٌ مِنْ حياةٍ" تُضِئُ بِنورِ اليَقين ... تَصْفو بِها النَفْس – رُبَّما غَفَلْنا عَنْها رَغْمَ أنَّها تَعيشُ فينا – لِتَفْتَحَ لَنا مَسالِكَ الخَيْرِ والرَجاءْ – كُلَّما اسْتَبَدَّ بِنا اليأْس ... أو ضاقَتْ بِنا الدُّنْيا في مَتاهاتِ الدُّروبْ ... إنَّها "الوَجْه الآخَر لِلْحياة"...!؟!...".