الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كل واشكر مولاك في العيد


يعتبر كعك العيد والبسكويت وغيرها من الحلويات التي يحرص المصريون على وجودها بالمنازل قبيل انتهاء شهر رمضان الكريم، ابتهاجًا بإتمامهم صيام الشهر الفضيل وقيامه على أتم وجه، وابتهاجًا بحلول عيد الفطر المبارك.
وخلال الأسبوع الأخير من رمضان الكريم نشهد منظرًا مألوفًا في كافة الأحياء الشعبية بمصر، وهو منظر السيدات الخلاب وهن يحملن صواني الكعك والبسكويت على رؤوسهن متجهات بها إلى الأفران لتسويتها والعودة بها إلى المنازل لإتمام تجهيزها. ويبقى هذا المنظر أحد سمات الشارع المصري كل عيد، لاسيما عندما يصحبه صوت أم كلثوم وهي تشدو "يا ليلة العيد أنستينا وجددت الأمل فينا". 
والسؤال هنا: متى عرف المصريون الكعك والبسكويت؟
يثبت التاريخ أن المصريين لهم باع طويل في صناعة الكعك على عكس البسكويت الذي عرفوه عن طريق الأجانب الذين أتوا إلى مصر حديثًا لاسيما الإيطاليين. والمصريون من أقدم الشعوب التي عرفت صناعة الكعك في مصر الفرعونية، وقد أطلقوا عليه اسم ''الأقراص''، لكونه مستدير الشكل، كقرص الشمس.
ومن أبرز الشواهد على أن الكعك صناعة مصرية قديمة بعض المناظر المفصلة لصناعة الكعك في مقابر طيبة ومنف، من بينها ما صور على جدران مقبرة الوزير "رخمي رع"، من الأسرة الثامنة عشرة، وتشرح تلك المناظر كيف كانت تتم صناعة الكعك آنذاك؛ حيث لم تختلف صناعته آنذاك عنها في عصرنا الحديث، فقد كانوا يستخدمون نفس المكونات التي تستخدم حاليًا في صناعة الكعك، ويقومون بتشكيل العجين بأشكال مختلفة، ويحشونه بحشوات متباينة طيبة المذاق. وكانوا يتقنون بتشكيله بمختلف الأشكال الهندسية والزخرفية، كما كان البعض يصنعه أيضًا على شكل حيوانات أو أوراق الشجر وغيرها، وكانوا يرسمون عليه أيضًا صورة الإله رع، على شكل قرص الشمس.
وقد استمرت صناعة الكعك بين المصريين خلال العصرين اليوناني والروماني مرورًا بالعصر البيزنطي إلى أن وصلت إلى العصر الإسلامي لاسيما في عهد الدولة الطولونية في مصر (868-904م) حيث كان يصنع حينها في قوالب خاصة، ثم انتقلت صناعته إلي الدولة الإخشدية وأصبح من أهم مظاهر عيد الفطر حينذاك. وينسب بعض المؤرخين صناعة كعك العيد إلى العصر الطولوني في مصر، وإن كانت الشواهد الأثرية تثبت أن المصريين القدماء قاموا بصناعته قبلهم.
واهتم الفاطميون في مصر (909 -1171م) بإبراز كافة الأعياد الدينية والاحتفاء بها وإضفاء مظاهر البهجة عليها بين المصريين. فقد اهتموا بصناعة الكعك في عيد الفطر، حيث كان الخليفة الفاطمي يخصص مبلغ عشرون ألف دينار لصناعة كعك العيد، وكانت المخابز تتفرغ لصناعته من منتصف شهر رجب؛ ثم أنشئت بعد ذلك ''دار الفطنة''، وهي دار مخصصة لصناعة الكعك. 
وفي عصر المماليك(1250- 1517م) كان الأمراء يوزعون الكعك على الفقراء والمتصوفة من باب الصدقة، خاصة في مدرسة الأميرة خوند تتر الحجازية، بحي الجمالية، التي كانت توزع الكعك الناعم والخشن على العاملين هناك.
وقد لاقت صناعة الكعك رواجًا كبيرًا في عصر المماليك مما حدا بهم إلى إنشاء سوق يطلق عليه اسم سوق "الحلاويين" في باب زويلة، حيث كان يعرض الباعة هناك أجود أنواع الكعك خلال العشر الأواخر من رمضان، بعدما تفنن صناعه في نقشه بقوالب مختلفة. 
وتوجد في متحف الفن الإسلامي عدة قوالب لصناعة الكعك في مصر الإسلامية وقد كتب عليها عبارات ''كل هنيئًا واشكر''، و''كل واشكر مولاك'' وغيرها؛ وهي العبارة المستمدة مما رواه المؤرخون عن السلطان قايتباي حين خرج للحج، فلاقاه مندوب شريف مكة ومعه سماطًا من الحلوى التي يبدو أن السلطان لم يتذوقها من قبل، فسأله عن اسمها، فأجابه بقوله: "كل واشكر".
وفي العصر الحديث لعب الشوام الذين هاجروا إلى مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين واستقروا بها دورًا مهما في تطوير صناعة الحلويات بمصر ومنها كعك العيد والبسكويت أيضًا، حيث ظهرت تقنيات جديدة للصنعة أضفت إليه شكلاً متطورًا لاسيما مع استخدام الماكينات الحديثة لتحل محل المناقيش المعدنية التي كانت النسوة تنقشن بها الكعك في بيوتهن قبل الذهاب لتسويته في الأفران.
ولم يعد الكعك قاصرًا على مصر بعد ذلك، ولم يعد مرتبطًا بأعياد المسلمين فقط، بل أصبح أيضًا مرتبطًا بالأعياد المسيحية، سواء في مصر أم في الدول الشرقية والأوروبية. فيمكنك شراء الكعك من أثينا أو برلين أو باريس، ولكن بأحجام أقل مما هو عندنا بما يوازي قضمة للكعكة الواحدة.
وختامًا، كل واشكر مولاك، وكل عام وأنتم بخير
_________________

* كاتب ومؤرخ
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط