خطبتا الحرمين في ثاني أيام عيد الفطر.. تؤكدان: صيام الست من شوال من علامات الرضا والقبول.. والمداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان سبب لمحبة الله للعبد ورضاه .. فاحرصوا عليها وإن قلت

خطيب المسجد الحرام: 

• العيد من شعائر الله وموسم للبر والصلة وتجديد للمحبة والمودة
• من علامات الرضى والقبول إتباع الحسنة بالحسنة والطاعة بالطاعة

خطيب المسجد النبوي: 

• مَنْ ذاق حلاوة العبادة في رمضان استعاذ من الغفلة بعد الانتباه

تناولت خطبتا المسجدين الحرام والنبوي، في أول جمعة من شهر شوال والموافق ثاني أيام عيد الفطر المبارك، الحديث عن حكمة التنوع في العبادات، موصيتان بضرورة مواصلة العمل الصالح بعد رمضان سواء من صيام أو قيام وقراءة قرآن وغيرها من الطاعات والعبادات وأعمال البر.

هنيئا لكم ما بلغكم الله

ومن مكة المكرمة، قال الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام: هنيئا لكم ما بلغكم الله تعالى، من الصيام والقيام وقراءة القرآن، وما قسمه سبحانه في الليالي المباركة من الرحمة والغفران.

وأضاف «المعقيلي» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة:  فهنيئا للتائبين وهنيئا للمستغفرين، فكم من تائب قبلت توبته، وكم مستغفر محيت حوبته، وكم من مستوجب للنار، قد أعتقت رقبته، وهنيئا لكم هذا العيد الذي تفرحون فيه بنعمة الله وفضله عليكم، وتكبرونه وتشكرونه على ما هداكم، العيد شعيرة من شعائر الله، وهو يوم جمال وزينة، وفرح وسعادة وموسم للبر والصلة وتجديد للمحبة والمودة.

ونبه إلى أن السلف الصالح – رضي الله عنهم – كانوا يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ويخافون من رده وإبطاله، قال فضالة بن عبيد رحمه الله : لأن أعلم، أن الله تقبل مني مثقال حبة من خردل، أحب إلي من الدنيا وما فيها، لأن الله تعالى يقول «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ».

واستشهد بما ورد في سنن الترمذي: أن عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – قالت: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الآية «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ»، وقالت عائشة : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم : «أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ».

علامات الرضا والقبول

وأوضح أن من علامات الرضى والقبول إتباع الحسنة بالحسنة، والطاعة بالطاعة، فقال تعالى: « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا »، وهذه الحسنات، من الزاد الذي يدخره المؤمن ليوم القيامة، ويرجو بفضل الله ورحمته، أن يرجح بها ميزانه، فالمغبون من محقها، بما يجترحه من السيئات.

وأشار إلى أنه قد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتعوذ من الحور بعد الكور، ومن نقض العهد بعد توكيده، أصبح كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، فهدمت ما بنت، وبددت ما جمعت، والله جل جلاله يقول : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ».

المداومة على الأعمال الصالحة

وأفاد أن المداومة على الأعمال الصالحة، وإن قلت، هو دأب الصالحين، وهدي سيد المرسلين، فعن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قال: قلت: يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؟ هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة وفي الصحيحين: عن عائشة – رضي الله – عنها قالت: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله، ما دووم عليه وإن قل . وكان آل محمد – صلى الله عليه وسلم – ، إذا عملوا عملا أثبتوه.

ولفت إلى أن المداومة على الأعمال الصالحة، سبب لمحبة الله تعالى للعبد، ورضاه عنه، وحصول المودة له من أهل الأرض والسموات،وأن من بركات الاستمرار على العمل الصالح، الفوز بالجنة، والنجاة من النار، ففي الصحيحين، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة . قال: ما عملت عملا أرجى عندي: أني لم أتطهر طهورا، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور، ما كتب لي أن أصلي.

وبين أن من المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال، ففي صحيح مسلم: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر، وفي صيام الست من شوال، جبر ما نقص من صيام رمضان.

الحكمة من تنوع العبادات

 ومن المدينة المنورة، قال الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم، إمام وخطيب المسجد النبوي، إنه اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى وكمال علمِه ولطيفُ خبرتِه أن نوَّع من العبادات.

وأوضح «القاسم» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، أنه تعالى جعلها وظائف على القلب واللسان والجوارح، منها الظاهر والباطن، يجمعها كلها معنى واحدٌ به تتحقق العبودية، وهو اجتماع غاية الحب مع غاية الذل لله وحده، وعدّد سبحانه تبعاً لذلك مواسم العبادة، وكرّر أوقاتَها ومناسباتِها فضلاً منه ورحمة.

وتابع:  فلئن مضى موسم فيتلوه مواسم، ولئن رُفِع منارُ عبادة وأدركه من شاء الله عز وجل من العباد، فعما قريب يُرفَع لهم غيرُه، ولئن خُتِم على باب أجرٍ بمن سبق إليه فيوشك أن تُفتَح بعده أبواب، منوهًا بأنه رحل عنَّا شهر رمضان الذي جعله الله من أعظم مواسم الطاعة، ومن أكبر أسواق الخير.

وأضاف أن مَنْ أحسن فيه ووُفِّق للطاعة فليعلم أنه ليس رمضانُ وحدَه موسمَ العمل، ومَنْ أساء أو قصر فليبادر بتوبة تكمل ما نقص من إيمانه، مستشهدًا بما قال تعالى: « وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيٌّهَا الـمُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ».

مَنْ ذاق حلاوة العبادة في رمضان

وأشار إلى أن مَنْ ذاق حلاوة العبادة في رمضان، وامتلأ صدره بالخشوع والذل لله، حريٌّ به أن يستعيذ بالله من الحور بعد الكور، ومن الغفلة بعد الانتباه، فما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة.

وأضاف أن الموفَّقُ من اغتنم الفرصة قبل أن يحال بينه وبينها، فجعل العام كله رمضان، يسارع فيه إلى الخير ويسابق إلى الطاعة، فإن الإقبال على الله ليس له زمان ولا موسم، وما تمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف.

وأكد أن من توفيق الله للعبد أن يداوم على الصيام والقيام بعد رمضان، فيصوم ستاً من شوال ، ويصوم ثلاثة أيَّام من كل شهر، أو الاثنين والخميس، وعرفة لغير الحاج، وعاشوراء وغيرها من أوقات الصيام المطلق والمقيد، ويقوم من الليل ما تيسر له، مع المداومة على نوافل الصلاة، والإكثار من تلاوة كتاب الله وذكره سبحانه، وغيرها من العبادات مع الإحسان إلى الخلق.