الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نرمين الشال تكتب: خدمة ما بعد البيع والخسائر الكبرى

صدى البلد

من سمات  الكتابة أنها  دائما ما تغري الكاتب  ليتشارك تجاربه مع الآخرين والتي في بعض الأحيان تعكس اخفاقا في موقف،  وحتى لو اضطررنا إلى  كشف بعض من خيباتنا، لأن هذه الخيبات ببساطة هي ذاتها التجارب التي يستفيد منها الباقين، خاصة إذا تعلق الأمر بشريحة كبرى من الناس.  

خلال السنوات الثلاثة الأخيرة تعرضت لأكثر من حادث سرقة، وفي كل مرة يكون هاتفي المحمول من بين المسروقات إن لم يكن أوحدها، وتكرر ذلك فبت محط سخرية  وأصبحت  اخفي تعرضي للسرقة عن  أقاربي وأصدقائي، ووصفتني أمي بالمهملة، بينما رأيت نفسي منحوسة وسيئة الحظ، وبين الإهمال وسوء الحظ، كنت في كل مرة أسارع بشراء هاتف جديد  وقد قررت عدم  التخلي عن علامتي التجارية مهما كلفني ذلك من دفع أموال  وحتى لو كان التغيير من باب مخالفة  الفأل.

ولأن الموديلات أصبحت كثيرة لضمان الحصول على  منتج  جيد ونصيحة قبل الشراء ذهبت للتاجر الأشهر ( الموزع المعتمد ) وقمت بشراء هاتف جديد،   وبعد دفع المبلغ  أخبرني أني لن اتمكن من تشغيل الهاتف أو تجربته  بسبب انقطاع خدمة  الانترنت فأخذته  وانصرفت وحين عودتي للمنزل لاحظت أن صوت الهاتف ليس جيد  وأني أسمع  أصوات المتحدثين  وكأن بها  (( حشرجة ))    وأنا متأكدة أن أغلبهم أصحاء لا يعانون بردا ولا كحة،  ذهبت إليه في اليوم التالي وقمت بإجراء تجربة أمامه فلم يعطيني اهتمام قال: الصوت في جميع موديلات هذه الماركة واحدة مهما اختلف السعر، ولما جدته واثق أقنعت نفسي أنه على حق وانصرفت متقبلة هذا العيب، وبعد مرور شهر من تاريخ الشراء   تفاجأت  بتعطل أغلب برامج الهاتف الأساسية  أصبحت لا تعمل وكانت هذه المرة الأولى التي يصادفني عطلا كهذا، حمدت الله أن هذا العيب ظهر ونحن في بداية فترة الضمان، اتصلت به فطمئنني أن الموضوع بسيط  لن يستدعي ارسال الهاتف للتوكيل.

في اليوم التالي ذهبت إليه،  أخذ الهاتف وقلبه  بين يديه ثم قام بالضغط على زر إعادة التشغيل وجرب تشغيل البرامج المعطلة وبالطبع لم تعمل، مرت دقائق وأنا أراقب حركاته في ذهول فقد بدا وكأنها المرة الأولى التي يمسك فيها بهاتف محمول فحاولت إعفاءه من الحرج  قلت  له الأفضل أن تتصل بالتوكيل وتخبرهم بالعطل، وكان رده حادا جدا : مش مستاهلة و تضطري تسافري محافظة تانية، الجهاز محتاج سوفت وير، ممكن  نصلحه هنا مش هيأثر على الضمان، سألته :  هل سيستغرق الأمر دقائق فانتظر أم أتركه  للغد؟ فأجاب : لا حضرتك أنا معنديش  صيانة  شوفي حد ينزلك سوفت!! سألته : إذا كان الأمر هكذا فما هو الفرق بينك وبين أي بائع آخر في محل صغير؟ فلم اتلقى أي إجابة .

في محل الصيانة الصغير كان الوقت كافي كي استرجع جميع ما درست وما قرأت عن سلسلة التوريد ودور الموردين والباعة في قياس رضى العملاء، وجمع ملاحظاتهم عن المنتجات، وتحديد السياسات البيعية التي تتبعها الشركات، وحاولت المقارنة بينه وبين ما لقيته من ( جليطة ) من البائع فقررت التوقف عن التفكير فما جدوى تلك  الأفكار والرؤى والدراسات التي لا تنقطع  إذا لم يتم الاستفادة منها وتحويلها لخدمات ومنتجات ملموسة يشعر بها المستهلكين وطالما مازال  هذا البائع  ومثله الكثير يتعاملون  مع الزبائن بمبدأ ( دبح القطة )  فحدود فهمهم  تنتهي عند  عتبات محلاتهم،  يجيدون التنصل من السلع  بعد بيعها، ولا يدركون أن خسارة العملاء لا تؤثر عليهم فقط بل على حركة التجارة المباشرة والاقتصاد الرسمي للدولة ولا عجب إذا ما علمنا أن مؤشر الشراء عبر الانترنت البعيد عن الرقابة المالية للدولة والغير خاضع لقانون الضرائب قفز مئات المليارات  خلال السنوات الأخيرة تاركا أثاره السلبية على الاقتصاد الوطني.