الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً

الدنيا دار ابتلاء، والله تعالى جعل الابتلاء في الدنيا سبباً للعطاء في الآخرة، وجعل عطاء الآخرة تعويضاً عن ابتلاء الدنيا، والدنيا تستخف بنا، تجعلنا نفرح بها، وبمالها، وزينتها، والفرح مطلوب بشرط أن يكون بالحق، لأنه يوجد فرح بغير الحق يعني بالباطل: (ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) غافر 75– 76، والفرح والمرح بغير الحق يكونا بالتفاخر والتكبر والغرور، وهذه صفات الذين غرتهم الحياة الدنيا، الفرق بين المرح والفرح، أن الفرح قد يكون بالحق وقد يكون بالباطل، والمرح لا يكون إلا بالباطل ويأتي منهياً عنه. 
قال تعالى على لسان لقمان لابنه: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان 18، (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)، ولا تميل برأسك تكبراً، واحتقاراً للآخرين، فأحياناً يفتخر الإنسان بنسبه، أو بمركزه، أو بماله، أو بقوته، أو بذكائه، وتفوقه يحمله على أن يتكبر.
قال تعالى: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) الاسراء 37، لأنه تعالى لا يحب كل فخور مغرور: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد 23.
والفرح بغير الحق مثل الكفر بالنعمة وعدم شكر الله عليها بل التكبر بها كما فعل قارون: (..إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) القصص 76.
ومن أشكال الفرح بغير الحق أن الذى يغتر بالنعمة ينهار وييأس إذا أصابته النقمة: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ. وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ. إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) هود 9-11. 
مثل أن تحدث مصيبة بشكل مفاجيء، فعندما يكون الإنسان في رحلة ثم تتعرض الطائرة للسقوط أو السفينة للغرق، عندها يتحول الفرح الى تضرع، ثم إذا أنجاه الله وأنقذه عاد الى الكفر بالنعمة.
لكن المؤمن لا ييأس عند المصائب، ولا يفرح مغتراً بالنعم، بل يتخذ موقفا وسطاً فيشكر ويصبر، فيكون الإيمان سبباً في الرضى وراحة البال في كل الأحوال.
وقد يأتي الفرح بمعنى الشماتة، مثل حال المنافقين في المدينة تعبيراً عن كراهيتهم للنبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين: (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ) التوبة 50، ومثله فرح المنافقين بتخلفهم عن الدفاع عن المدينة: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ) التوبة 81،
وذلك عكس فرح من يقتل وهو يجاهد في سبيل الله: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) آل عمران 169–170.
أما السرور فيأتي بمعنى السعادة لأصحاب الجنة، لأن الناس يوم القيام سيكونون بين شقي وسعيد: ( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود 105-108. 
وسرور الفائز يوم القيامة بأن يتلقى كتاب أعماله بيمينه: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً. وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) الانشقاق 7-9، أما الذى كان مسروراً فخوراً في الدنيا فيتلقى كتابه بشماله ويدعو على نفسه بالهلاك: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً. وَيَصْلَى سَعِيراً. إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً) الانشقاق 10-15.
فالفرح بالحق يكون بطاعة الله، الفرح إذا جعل الله الإنسان سبباً في الخير: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) يونس 58.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط