الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود أبو حبيب يكتب: يا وابور قولي رايح على فين

صدى البلد

في كل إجازة لي وأنا عائد من عملي، استقل القطار في رحلتي الجنوبية، تلك الرحلة التي أحبها في كل مرة اكثر من سابقتها، ما جعلني أعشق القطار بكل درجاته، وإن لم يكن لهذه الرحلة من ميزة غير أنها تريحني من بعض سائقي الميكروباص الذين يشعرون الراكب أنه داخل فصل متحرك وعليه أن يلتزم بتعليمات المدرس -أقصد السائق-، الذي يطلق مدخنته داخل السيارة ووقودها السيجارة تلو الأخرى، فضلًا عن تخطي السرعة المقررة للطريق، مما يقلل نسبة التحكم في السيارة حالة حدوث خلل مفاجئ، فإن كانت رحلة القطار بديلًا عن هذا فقط لكفاها.

وحتى لا يأخذنا الحديث ونقطع المسافة ذهابًا إيابًا ولا يصيبنا من سفرنا سوى الحديث عن البعض من سائقي الميكروباص؛ تعلمون جميعًا أن الأعياد والمناسبات العامة هي عام  الشقاء لهيئة السكك الحديدية، حيث تتضاعف الأحمال وساعات العمل والجهد، المحولجي والسائق والكمسري وفني الصيانة منظومة متكاملة يقودها الوزير، والحق يقال: فالرجل نشاطه وتحركاته لا تكاد تتوقف ليلًا ونهارًا.

تبدأ الرحلة بالوقوف أمام شباك التذاكر، وإن كنت أشاهد من يقطن خلفه في بعض الأحيان غاضبًا، لكن لا ألوم عليه كثيرًا، فهذا حال البعض عندما يعملون تحت ضغط يصبحون هم الضغط ذاته، تأخذ تذكرتك في يدك وتمر تنتظر القطار وكأنه يوم مشهود جُمع له الناس، يتحرك القطار في وقته المقرر أو يزيد، تترك المحطات الواحدة تلو الأخرى، وتجده يقف دون إنذار، تبحث عن سبب لهذا الوقوف المفاجئ فلا مجيب لك إلا صوت القدر الذي يردده الراكبون "كل تأخيره وفيها خيرة"، تنطلق مجددًا وقبل أن يستنشق صدرك الهواء يضيق مرة أخرى بسبب الوقوف المفاجئ، ويظل صدرك يضيق ويتسع كلما وقف القطار أو تحرك، حتى تصل إلى محطتك وتظل تسأل فلا مجيب، ساعتها تستشعر حديث النبي ﷺ "السفر قطعة من العذاب".

التطوير الذي شهدته هيئة السكك الحديد كبير، فضلًا عن التحدي الكبير لتستعيد شبابها، لكن ما زال المأمول منها كثير، خاصة لأبناء الجنوب الذين لا يعرفون طريقًا للعاصمة أكثر من شريطها الحديدي، وعلى القائمين عليها بداية من أصغر موظف إلى أكبر مسؤول أن يدركوا أنهم هم والجنود المرابطين لحماية الوطن سواء، فهؤلاء يحمون أرواحهم وهم يحملونها على طريق السلامة.
القطار الذي تغنى له الفنان الراحل: محمد عبد الوهاب بأغنية "يا وابور قولي رايح على فين"، والتي تعكس أن رحلة القطار كانت دليل على الاستجمام؛ ننتظر أن تتغنى به الأجيال الحالية والقادمة، ولن يحدث هذا إلا إذا شعر كل هولاء بالراحة أثناء رحلاتهم، فلما لا يكون هناك تعليمات في بداية الرحلة بالأماكن التي من المتوقع أن يقف فيها القطار بسبب أعمال الصيانة المستمرة لتطوير الشبكة الحديدية، بالإضافة لخط ساخن يطبع على تذكرة الراكب، تصل من خلاله أصوات المواطنين أثناء رحلتهم، عندما يلاحظون شيء قد يعرقل سيرهم ويجعلهم مراقبين على أي خلل قد يحدث، ينقلون همومهم بأنفسهم، ويُسمعون شكواهم للمسؤولين، فيصبحوا شركاء في التطوير، أو أن تحل بديلًا عنه إذاعة داخل القطار ترد على تساؤلاتهم قبل أن يطرحوها، خاصة وأن هناك حالة من الذعر هذا العيد نتيجة الحوادث المتكرره للقطارات، فحقًا علينا أن نطمئنهم، فيستبدلوا آهاتهم بكلمات عبد الوهاب في شجن، بدل من أن تتمتم السنتهم بها في عناء "يا وبور قولي رايح على فين".