الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: لا نعاني نقصاً في الذكورة بل «الرجولة»

صدى البلد

شتَّان ما بين من يفتخر ويتمختر مرحاً في الأرض ويصف حاله بأنه الآمر والناهي إن كان في البيت أو العمل ويرى نفسه ذكراً لا يضاهيه أحد بفحولته التي منها يستمد كامل قوته وهويته في إثبات نفسه على من حوله ضمن العائلة والمحيط الذي يعيش فيه. وعلينا ان نعترف نحن النسوة أننا بتنا في عالم ذكوري بحت يحيط بنا من كل جانب من جوانب حياتنا. هذه العقلية الذكورية التي لا تعتمد الوعي والعلم والفكر والادراك أساساً لها في تعاملها مع الآخر والغير، بقدر ما تتعامل معه وفق غرائزها ومشاعرها وشهواتها التي تؤمن أنها الوحيدة القادرة على تعريفه وإثبات وجوده وماهيته في عالم تنتشر فيه الفوضى في كل مكان.
هذه الفوضى التي أصبحت تنتشر في كل مكان وفي كل زاوية من زوايا البيت والمنطقة والمحافظة والدولة والوطن والمنطقة برمتها، حتى تحول فيها الانسان ذئباً لأخيه الانسان ينهش لحمه ولا يتركه إلا جثة هامدة تتلوى من شدة الألم والعذاب. اصبح الرجل الموصوف بالذكورية يتمتع بساديته على أفراد عائلته والمحيطين به من الأقارب ولا يسمع لهم كلمة ويحاول بكل ما أوتي من إمكانيات مادية أن يثبت وجهة نظره الصائبة والسليمة دوماً، وأن الآخر هو المخطئ الذي ينبغي عليه الاعتذار بشكل مستمر حتى وإن لم يكن ثمة سبب لذلك. 
إنها نفسها صفة المستبدين من حكامنا وزعماؤنا المتربعين على عرش سلطانهم بذكوريتهم الفجة والذين حولوا الوطن إلى مزرعة وحديقة بالنسبة لهم، وكل من يعيش فيها عليه أن يكون من القطيع فقط. يأكل ما يتم تقديمه لهم من دون أي تذمر وينفذ ما يُطلب منه من دون تردد وحتى وقت الكلام والنوم والاستراحة محددة بالتوقيت الذكوري الذي يحدده هو على أساس انه يفهم القطيع أكثر من القطيع بحدِ ذاتهم. هؤلاء هم حكامنا الذين حولوا الشعب إلى قطيع وحولوا المجتمعات بكل ما فيها إلى مجرد مزرعة، يسرح فيها القطيع وفق برنامج يومي تم إعداده مسبقاً من قبلهم. ووفق هذا الجدول ينبغي على الشعوب أن تتحرك وتتكلم وتضحك وتبكي وتأكل وكل من يخرج عن هذا البرنامج، بكل تأكيد هو مرتبط بأجندات خارجية وغير مطيع وربما يكون عميل ومخبر لدولة أجنبية تعمل على تقسيم الوطن المقدس.
فإذا كانت عقلية حكامنا الذكوريين المستبدة بهذا الشكل منذ عقود خلت، فبكل تأكيد سيكون تأثيراتها الثقافية والشكلية واضحة على كل من يقلد هؤلاء الحكام في تقرباتهم وتعاملهم اليومي مع الآخرين. فلا فرق بين الحاكم وزعيم الدولة والوطن وما بين السيد في البيت الذي يعتبر وطن مصغر لمستبد اسمه رب الأسرة. هذا هو الحال الذي وصلنا إليه من خلال الوطن المقدس الذي كنا نعشقه ونفتديه بأرواحنا إلى أن رأينا وشاهدنا حقيقة الحكام والزعماء ورب الأسرة حينما تصربهم أصغر مواقف منددة بسلوكهم وتقرباتهم اللا مسؤولة وغير الجدية.
فنرى الحكام يعسكرون الأزمات ويصفون كل من يعارضهم بالخونة والعملاء لأنهم خرجوا عن عبوديتهم وفكروا أن يعيشوا يوماً أصحاب كرامة وعزة نفس. وفي مستنقع الفوضى المنتشر لا نرى سوى الصوت الذكوري هو الصوت الذي لا يُعلى عليه مهما كان، ويتم وصفه بالصوت النشاز مباشرة إن لم يكن من المسبحين والحامدين للزعيم.
وعليه ربما يمكننا القول إننا نعيش الفوضى ليس فقط من قبل التدخلات الإقليمية والدولية في منطقتنا التي يريدونها دماراً وخراباً، بل نعيش فوضى انتشار العقلية الذكورية والتي هي أسوء بكثير من فوضى التدخلات تلك التي ذكرناها. فوضى العقلية الذكورية أجبرتنا نحن النساء أمام خيارات محدودة جداً، فإما أن نقبل ذكوريتهم الرعناء كما هي ونستمر بحاتنا من دون معنى ولا هدف سوى اشباع تلك السادية الذكورية لأسيادنا وزعماؤنا أو أننا نرفضها وحينها نكون وجهاً لوجه أمام لعنات العادات والتقاليد المجتمعية المتحكمة في كل جوانب الحياة، أو أن نبحث عن خيار آخر يقتلعنا من هذه الفوضى الخانقة والتي لها ألف حساب وحساب ونحن لم نستعد لها بالقدر الكافي. 
إنها عملية وعي لا أكثر كي نحرر ذاتنا مما نحن فيه من تسلط الآخرين علينا بسبب جهلنا بذاتنا واغترابنا عن حقيقتنا الوجودية وثقافتنا التي كانت يوماً ما هي الأساس في تطور المجتمعات الإنسانية. اغتربنا عن هذه الحقيقة وربطنا أنفسنا بالشكليات والماديات حتى وصلنا إلى ما نحن عليه. إدراك الذات ربما تكون الخطوة الأولى للوعي والمعرفة والتي هي بنفس الوقت الدرب الذي سيخلصنا من التسلط الذكوري الذي بات يخنق الانسان ولم يدع له متنفس من الحرية. فهل من إرادة تجعلنا نتخذ هذا القرار أم أنه لم يحن الوقت بعد؟ أم أنه الكثير من النساء يفكر كما أفكر ولكن تشتتنا وصرخاتنا المجزأة ومحاولاتنا المبعثرة، هي سبب آخر لما نحن عليه. بكل تأكيد ينبغي مراجعة الذات مرات عدة يومياً للوصول لرأس الخيط الذي سنتمسك به والذي ربما سيكون بداية الخطوة الأولى نحو الوعي الذاتي ومعرفة معنى الحياة الحرة. 
بالفعل أننا لا نعاني من تكدس الذكور والعقلية الذكورية في مجتمعاتنا، بل ما نعانيه هو نقص في الرجولة والشهامة التي تعي معنى الانسان وتتقرب وفقه على أساس أن الكل مكملين لبعضهم البعض وليس على أساس القوة والمادة. عملية مضنية بكل ما للكملة من معنى أن ترى رجولة في حاضرنا لأنها باتت من النوادر تقريباً. طبعاً هذا لا يعني أن نفقد الأمل بقدر ما علينا خلقه وتربيته لأننا في المقام الأول نحن النساء مسؤولات عمّا نعيشه في ندرة الرجولة. لأننا نسينا التربية على حساب الركض وراء الاستهلاك والشكليات من الحياة وتركنا جوهر الحياة معناها. وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن عليه. هذا الاعتراف بحد ذاته ربما يكون الدافع من أجل إعادة بناء الوعي لدينا من جديد وعلى أسس سليمة.