الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«حروب بر مصر 2021»: التأثير الدولى

تتكون التوجهات و الأدوار و الأهداف من تلك الصور التي يحملها متخذو القرارات، من مواقفهم من العالم الخارجي و قراراتهم و تطلعاتهم لكن الحقيقة أن السياسة لها جانب تطبيقي يتكون من الأعمال (actions) التي تقوم بها الحكومات في مواجهة الآخرين بهدف التأثيرعلى بعض التوجهات و القيام ببعض الأدوار و كذلك تحقيق الأهداف و الدفاع عن الانجازات.  إن الفعل هو شكل من أشكال الاتصال و الهدف منه هو التأثير على/ أو تغيير سلوك أولئك الذين تعتمد عليهم الحكومة في تحقيق أهدافها. قد ينظر إلى الفعل على أنه إشارة (signal) يبعثها المرسل الفاعل إلى المستقبل بهدف تغيير الصورة التي يحملها هذا الأخير عن الفاعل، و تتخذ ألأفعال و الاشارات في السياسة الدولية أشكالا متعددة مثل الوعد بتقديم مساعدة خارجية، أعمال الدعاية، استظهار القوة العسكرية، استعمال حق الفيتو في مجلس الأمن، مقاطعة مؤتمر، تنظيم مؤتمر، تقديم انذار في وثيقة دبلوماسية، دعم حركة تحرر، مقاطعة منتوجات دولة ما أو اعلان الحرب. تبدأ العملية السياسية الدولية لما تحاول دولة (أ) من خلال أفعال و اشارات دعم أو تغيير سلوك دولة أخرى (أي أفعالها و سياساتها و الصور التي تحملها) و من هنا يمكن تعريف القوة على أنها "القدرة العامة لدولة ما على مراقبة سلوك الدول الأخرى" (power is the general capacity of a state to control the behaviour of others ). 

تحاول الدولة (أ) التأثير على الدولة (ب) لأنها قامت بتحديد مجموعة من الأهداف التي لا يمكن تحقيقها (أو كما أدركت ذلك) إلا إذا قامت الدولة (ب) (أو دول أخرى كذلك) بالعمل (ج). إذا كانت هذه هي القاعدة لعملية السياسة الدولية فإنه يمكن النظر إلى القدرة على مراقبة السلوك من زوايا مختلفة:

1       التأثير (influence) – أحد أبعاد القوة- هو أساسا وسيلة للوصول إلى هدف . هناك بعض الحكومات التي تحاول أخذ التأثير كهدف في حد ذاته لكن معظم الحكومات ترى فيه وسيلة تماما مثل المال و يتم استعماله للوصول إلى غايات معينة أو الدفاع عنها مثل المكانة ، الاقليم، الشعب، الموارد الأولية، الأمن، الأحلاف.

2       تستعمل الدولة (أ) في أعمالها ضد الدولة (ب) بعض الموارد (ressources) و التي هي كل الخصائص الفيزيائية و الفكرية التي يمكن استعمالها كأدوات للاقناع و المكافأة و التهديد و العقاب. على مستوى السياسة الدولية يمكن أن يكون للدبلوماسية التي تصاحب الأفعال أهمية توازي أهمية الأفعال ذاتها، فالدولة التي تستنفر قواتها و تصرح أن ذلك يعود إلى أسباب داخلية يكون موقف الدول الأخرى منها  مخالفا تماما لموقفها من الدولة التي تستنفر قواتها و تهدد باللجوء إلى إعلان الحرب لأن الاشارات و الدبلوماسية تكون لها أهمية توازي أهمية الأعمال  الرئيسه مثل الاستنفار و حشد الجيوش.

3       أن فعل التأثير على الدولة (ب) يتضمن حتما علاقة بين الدولتين (أ) و (ب) حتى إن ولم تكن في هذه العلاقة عملية اتصال مباشرة بين الطرفين، و إذا استمرت هذه العلاقة لمدة زمنية معينة يمكن القول بأن هناك "عملية" (process).

4       إذا كان بإمكان الدولة (أ) ارغام الدولة (ب) على القيام بعمل ما بحيث لا يمكن للدولة (ب) ارغام الدولة (أ) على القيام بنفس العمل في هذه الحالة يمكن القول أن الدولة (أ) تمتلك أكثر قوة من (ب) في تلك القضية بعينها و من ثم بالاستطاعة اعتبارالقوة "كمية" (quantity) لا يكون لها شأن إلا عند مقارنتها بقوة الدول الأخرى و القوة بهذا المعنى نسبية.

 

أنه يمكن النظر إلى القوة من زوابا مختلفة: فهي وسيلة/ قائمة على الموارد/ هي علاقة و عملية/ . ينقسم مصطلح القوة إلى ثلاثة عناصر تحليلية: فالقوة تضم: 1  -الأفعال (acts) للتاثير على الدول الأخرى ، 2     - الموارد (ressources) لإنجاح عملية التأثير 

3       - الاستجابة (responses) أو ردود الفعل على أعمال الدول الأخرى.  وعند  رسم سياسة ما أو استراتيجية لتحقيق الأهداف يطرح متخذو القرار الأسئلة التالية:

1-      انطلاقا من  الاهداف المحدده مسبقا ، ما هي الأشياء التي نتمنى أن تقوم بها أو لا تقوم بها الدولة (ب)؟

2-      كيف نتمكن من جعل الدولة (ب) تقوم أو تمتنع عن القيام بالعمل (ج)؟

3-      ما هي الموارد التي نمتلكها فى مواجه الدولة (ب)  تقوم بالعمل (ج) من اجلها أو تمتنع عنه؟

4-      كبف سيكون رد فعل (ب) المحتمل على محاولتنا للتأثير على سلوكها؟

5-      ما هي التكلفة التي ندفعها مقابل قيامنا بالعمل 1 أو 2 أو 3 ؟

 

علاقة القوة بالتأثير: 1-      إن التأثير لا يتضمن فقط امكانية قدرة الدولة (أ) على تغيير سلوك الدولة (ب) بل كذلك محاولات الدولة (أ) لإقناع الدولة (ب) على مواصلة سياسات أو سلوك معين يكون لصالح الدولة (أ) أو يخدم مصلحتها، فعملية التأثير إذن متواصلة و لا تتوقف عند قيام الدولة (ب) بالسلوك (ج).

2-      من الصعب ايجاد حالة لا يكون فيها للدولة (ب) كذلك بعض التأثير على الدولة (أ). النموذج المقدم آنفا يفترص التأثير في اتجاه واحد من (أ) إلى (ب) لكن الحقيقة أن التأثير عملية متعددة الاتجاهات لأن الدولة (أ) لا تحاول الوصول إلى أهداف معينة ما لم تكن هناك أعمال دول أخرى في النظام الدولي توجه اهتمامها نحو وجهة معينة. أدنى ما يمكن أن يوجد هو مشكل التغذية العكسية (feedback) في العلاقات بين الدول: فإذا لبت الدولة (ب) رغبات الدولة (أ) بقيامها بالعمل (ج) فذلك قد يؤدي بالدولة (أ) إلى تغيير سلوكها و قد يكون ذلك التغيير لصالح الدولة (ب).

3-      هناك نوع من العلاقة التي تتضمن "رد الفعل المنتظر" و هي الحالة التي تكون عليها الدولة (ب) في انتظار مكافأة أو عقوبة من طرف الدولة (أ) و بالتالي تلجأ إلى تغيير سلوكها حتى قبل تقديم الدولة (أ) أي اشارة تدل على أنها ستقوم بعمل ما. تسلـّم نظرية الردع (deterrence theory) بأن العدو (ب) لن يقوم بالهجوم على (أ) ما دام يعلم مسبقا بأن مستوى ما سيلحق به من دمار سيكون كبيرا. العكس تماما قد يحدث في العلاقات الدولية و هي الحالة التي ترغب فيها (أ) قيام (ب) بالسلوك (ج) و لكنها لا تقوم بالتأثير على (ب) خوفا من قيامها بالسلوك (د) و هو رد فعل لا يخدم مصالح (أ) من وجهة نظرها. قد تكون فكرة "رد الفعل المنتظر" متعددة الأطراف (multilateral) حيث ترغب (أ) قيام (ب) بالعمل (ج) لكنها لا تلجأ إلى دفعها للقيام به خشية من قيام الدولة (ك) - و هي دولة ثالثة- بالعمل (د) و الذي لا يخدم مصالح (أ).

4-      في إمكان الباحثين في العلاقات الدولية قياس القوة و التأثير، لكن ما يهم في السياسة الدولية هو ادراك التأثير و القدرات من طرف متخذي القرار و الطريقة التي يترجمون بواسطتها اشارات الحكومات الأخرى، و ما ملايين الدولارات التي تنفقها الدول على العمل المخابراتي إلا بهدف تكوين صورة عن قدرات و نوايا الدول الأخرى، و إذا ما كانت الهوة بين الإدراك و الواقع كبيرة فإن ناتج السياسة الخارجية يكون كارثيا بالنسبة للدولة.

5-      قد تلجأ الدولة (أ) للتأثير على (ب) لمنعها من القيام بالعمل (ج) و يسمى هذا بالقوة السلبية (negative power) أو الردع ، بحيث تمنع (أ) أعمالا معينة تراها في غير مصلحتها الوطنية و هذه حالة متكررة كثيرا في السياسة الدولية (ابرام فرنسا و بريطانيا لاتفاقيةميونيخ مع ألمانيا بهدف نتعها من غزو تشيكوسلوفاكيا).

العنصر الثاني للقوة هو تلك الموارد التي تجمعها (أ) للتأثير على (ب) و لا يمكننا معرفة قدرة دولة للسيطرة و مراقبة أعمال و سلوكات دوا أخرى ما لم نتمكن من معرفة الموارد و القدرات الموجودة على الساحة. من الواضح أن العلاقات السياسية لا تتضمن أطرافا ذات تأثير متساوي، ففي السياسة الداخلية بإمكاننا جرد قائمة من القدرات التي تمكن جماعة بشرية من التحكم في بقية الشعب و التأثير على أهم القرارات و تتضمن هذه القائمة حسب الباحث "روبرت دال" (Robert Dahl) القدرات المادية: المال، الثروة، الأخبار، الوقت، الحلفاء السياسيين، المناصب الرسمية، التحكم في مناصب الشغل ، و القدرات غير المادية مثل الشخصية و خصائص القيادة. إن هذا لا يعني أن كل من يملك هذه العناصر يقود الآخرين لأن ذلك يستوجب حسب "روبرت دال" تعبئة الشخص لتلك العناصر لتحقيق الأهداف السياسية و امتلاكه لمهارات التعبئة "فمن يستعمل الوقت و المال و الأصدقاء و شخصيته لأهداف سياسية قد يتمكن من التأثير على الآخرين، أما من يستعمل نفس الأشياء لاختراع مصيدة فئران فهذا لا يصلح للسياسة".

في السياسة الدولية يقصد بهذا القدرات و الموارد التي تتم تعبئتها من قبل الدولة بغرض تحقيق أهداف بعينها في حقل السياسة الخارجية، فالموارد لا تحدد الاستعمالات التي تذهب إليها (القوة النووية قد تستعمل لإنتاج الكهرباء أو للردع أو للحرب) لأن الستعمال مرهون بالأهداف التي ترسمها الدولة. إن تنوع وسائل السياسة الخارجية لدولة ما للتأثير على الآخرين لها علاقة بكمية القدرات و نوعيتها، فأعمال الدولة و أهدافها مرهونة بقدراتها. الخلاصة هي أن طريقة استعمال الدول لقدراتها مربوطة بأهدافها الخارجية لكن اختيار الأهداف و الوسائل له علاقة مباشرة بالموارد المتوفرة لدى تلك الدولة.

اكتشف الباحثون في شؤون المجتمع البشري أن الأفراد و الجماعات يلجأون لاستعمال الكثير من التقنيات الأساسية للتأثير على بعضهم البعض، و في النظام السياسي الدولي حيث تنعدم القوة المهيمنة و مركز السلطة الشرعية فإن الدول تلجأ إلى المساومة (bargaining)  و قد اقترح كوينس رايت (Quincy Wright) و تشارلز شليتشر (Charles Schleicher) و أورغانسكي (A.Organski) أربع تقنيات للمساومة في مجال السياسة الدولية و التي لها أهمية كبيرة لفهم ممارسات التأثير في النظام الدولي.

 

فالدولة (أ) في انتظار ثلاثة سلوكات تقوم بها (ب):

1-      تقوم (ب) بالعمل (ج) في المستقبل

2-      لا تقوم (ب) بالعمل (ج) في المستقبل

3-      تواصل (ب) القيام بالعمل (ج) في المستقبل

 

و انطلاقا من هنا، أمام (أ) مجموعة من التقنيات:

1- الاقناع (persuasion) و التي قد تتضمن التهديد، المكافأة و كذلك العقوبات لكن الواقع هنا يشير إلى تلك الحالات التي يتقدم فيها طرف باقتراح معين أو نقاش حول مسألة ما و يطلب من الطرف الآخر قبول اقتراحه دون أن يلوح بالتهديد أو المكافأة. لا نستطيع التسليم دوما بأن ممارسة التأثير تحدث دوما ضد آمال الآخرين و أن نهاية التأثير تكون لصالح (أ) ضد (ب) (المثال: دولة تقترح ندوة دولية حول المخدرات و الدولة الثانية توافق).

2- اقتراح مكافأة (the offer of rewards) و هي الحالة التي تعد فيها (أ) الطرف (ب) بتقديم مكافآت إذا ما وافقت الأخيرة على مقترحات (أ)، و المكافآت كثيرة و متنوعة. فلربح الدعم الدبلوماسي في تنظيم الندوة الدولية حول المخدرات قد تقترح (أ) على (ب) دعما ماليا أو تخفيضا في الضرائب الجمركية على سلعها أو دعما لها في ندوة حول وسائل الاتصال أو تعدها برفع العقوبات السابقة المسلطة عليها.

3- تقديم مكافأة (the granting of rewards) في بعض الأحيان تطلب (ب) المكافأة قبل قيامها بالعمل المطلوب منها من قبل (أ). مثلا: في مفاوضات لتوقيف الحرب غالبا ما يرفض كل من الطرفين التخلي عن أسلحته حتى يرى بأن الطرف الآخر يحترم الاتفاق.

4- التهديد بالعقاب (the threat of punishment) و ينقسم إلى نوعين:

أ- التهديد الايجابي (positive threat) و هي الحالة التي تهدد فيها (أ) برفع الضرائب الجمركية، بقطع العلاقات الدبلوماسية، بحصار اقتصادي ضد (ب) أو باستعمال الحرب.

ب- التهديد بالحرمان (threats of deprivation) بحيث تهدد (أ) بقطع المساعدات الخارجية عن (ب) و ايقاف المكافآت و الامتيازات الأخرى التي منحتها إياها (أ) في السابق.

5- ايقاع عقوبة غير عنيفة (the infliction of non-violent punishment) تقوم (أ) ببعض التهديدات تجاه (ب) كي تدفعها إلى تغيير سلوكها و لا يمكن لهذا التغيير أن يحدث بالوسائل الأخرى، لكن الإشكال هنا هو أن هذه الحالة قد تؤدي بالطرف (ب) الى استعمال نفس الوسائل التي قد تؤدي الى حالة غير مرغوب فيها من الطرفين (مثلا: زيادة النفقات العسكرية) فقد يقود مثل هذه الحالة الى تصعيد قد يصل الى المواجهة العنيفة ما لم يتم حل المشكلة.

6-      استعمال القوة (force) في غياب تعدد الوسائل المتاحة اليوم للسياسة الخارجية كانت الحكومات سابقا تلجأ في مفاوضاتها الى الاعتماد على القوة التي كانت بمثابة الطريقة الوحيدة التي تمكن الدول من ممارسة التأثير (مثلا: سابقا كانت فكرة نزع السلاح معناها التخلي عن أهم وسيلة في السياسة الخارجية). 

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط