الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هذا هو الحب وقد جاز المدى

 ما أكثر ما كتب وقيل في الحب، منذ العصور القديمة وحتى اليوم؛ وتصدح الإذاعات في كل ركن من أركان المعمورة تتغنى بالحب وبكل اللغات. والحب يلعب دورًا أساسيًا في تشكيل الوجدان، بل يعد المسؤول الأول عن سلامة الإنسان النفسية والمجتمعية، من حيث صلاحه أو فساده، وفاءه أو خيانته، عدله أو ظلمه؛ فلا يمكن القول أن من امتلأ قلبه بالعشق الإلهي يمارس الجور والفجور على عباده في وقت هام قلبه بحب الله! ولا يمكن لرجل هام عشقًا بزوجه أن يأتي من الأفعال الخسيسة ما ينعقد اللسان عن ذكرها!
ولاشك أن الدقات الأولى للقلب حين يلقى الحبيب لم يستطع الكثيرون تعريفها أو شرح دوافعها وكينونتها، لكنها أولى همسات النفس في بؤرة الفؤاد لتبشره بأن تغيرات كيميائية وفسيولوجية وسيكولوجية ستعتري قلب ذاك المحب. 
ويبقى السؤال الذي عليك أن تسأله لنفسك حينذاك: هل ذات المشاعر التي جاءت لتعصف بقلبك فجأة يبادلك إياها الطرف الآخر، أم إنها عاصفة هبت من الصحراء لتحجب الرؤية عن الملتاع في هوى المحبوب؟  
وقد اشتقت مفردات عدة من كلمة الحب، فكان الحبيب، والمحبوب، والمُحب، والأحبة. إن معجمنا اللغوي يحوي مرادفات عدة للحب، تشير إلى كم المشاعر التي غاص فيها الأولون، ونسجوا منها أبدع قصص العشق والهوى، حتى أثْرت النفوس بكل ما يغذي القلب، ويهبه الحياة، فنقرأ فيه: الإخلاص، الإعْزَاز، الإِخاء، التَتَيُّم، التَعَشُّق، التَعَلُّق، التَلَطُّف، الجَوًى، الشَغَف، الشَغَفٌ، الصَبابَة، الصَبْو، الصَبْوَة، العِشْق، الغَرَام، اللَوْعَة، المَحَبَّة، المَعَزَّة، المَوَدَّة، المَيْل، الهَوَىً، الهُيَام، الوَجْد، الوَداد، الوَلَع، الوَلَه، الوُدّ، الوُلُوع.
ويمكننا تعريف الحب بأنه: مجموعة متنوعة من المشاعر الإيجابيَّة والحالات العاطفية والعقلية قوية التأثير، وتتراوح هذه المشاعر من أسمى الأخلاق إلى أبسط العادات؛ والدليل على اختلاف وتنوُّع هذه المشاعر أنَّ حب الوالدين يختلف عن حب الزوج/الزوجة، وحب الأهل يختلف عن حب الوطن، ولكن بشكل عام يشير الحب إلى شعور الانجذاب القوي والتعلُّق العاطفي، الذي يستقر في الفؤاد ويملأ حناياه.
وقد أعجبني تعريف آخر قرأته يقول: إن الحُبّ هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص أو شيء ما، وقد يُنظر للحبّ على أنّه كيمياء متبادلة بين اثنين؛ كما أنّ الحب هو مجموعة متنوعة من المشاعر الإيجابيَّة والحالات العاطفية والعقلية قوية التأثير؛ والحب عطاء مطلق غير مشروط، وشعور برباط دافئ نحو من تحب.
وفي داخل جسم الإنسان هرمون يسمى هرمون الأوكسيتوسين، والمعروف بهرمون الحب، وهو الأعلى نسبة عند الفتيات، وهو المسؤول عن صلاح العلاقة بين المحبَّين من عدمه. 
وقد أسرتني أشعار عنترة بن شداد حين قال:
يا عَبــلَ إِنَّ هَواكِ قَـــد جـــازَ المَــدى...وَأَنا المُعــَنّى فيـــكِ مِـــن دونِ الــــوَرى
يا عَبلَ حُبُّكِ في عِظامي مَع دَمي...لَمّا جَرَت روحـي بِجِسـمي قَـد جَرى
أما ابن الرومي فكانت كلماته أكثر دقة عن اللوعة والشوق للحبيب حين قال:
أعانقُها والنفسُ بعدُ مَشُوقَةٌ...إليها، وهل بعد العناقِ تَدان
وألثُمُ فاها كي تزولَ حرارتي...فيشتدُّ ما ألقى مِن الهَيَمانِ
أما الحب عند الإغريق فكان يمثل ركنًا أساسيًا في حياتهم اليومية، حتى أصبح له إلهًا من الآلهة مسؤول عن تأليف القلوب، يرمي المحبين بسهامه فيوقع بينهما الرغبة والشوق. وللحب عندهم سمات عده منها:
-أغابي: وهو أعلى أشكال الحب وأكثرهم كمالاً، ويعتبر من أقدم أنواع الحب بين البشر، سواء كان الحب الإلهي، أو العشق الإنساني بكل مظاهره وسماته.
-إيروس: وهو حب العاطفة الجيّاشة والمكثفة، ويحصل عندما يشعر الفرد بالرغبة والميل العاطفي، وهو يمثّل العلاقة بين العاشقين؛ وأفلاطون هو مؤسس هذا النوع من الحب.
-فيليا: وهي العاطفة التي نشعر بها تجاه أصدقائنا، وصاحب هذا الحب هو أرسطو.
-ستورج :وهو الحب الذي ينشأ بين أفراد الأسرة والأصدقاء والحيوانات الأليفة، والتي مع مرور الوقت يصبح أعمق وأقرب إلى الحب الغريزي.
أما المحدثين فقد قالوا إن كلمة "الحب" لها علاقة بشيء غير محسوس ولا يمكن تفسيره منطقياً، وينتج من أفعال مكتسبة أو غريزية أو انفعالية سواء بشكل واقعي أو تخيلي، تترافق بحالة من نوبات الرغبة المطلقة، بحيث يكون هناك طرفان، وهما الطرف الأول العاشق والآخر المعشوق، ويعيشان حالة من الحب عن طريق انجذابهما لبعضهما البعض بكتلة من المشاعر والعواطف الجيّاشة، فيشعر كل منهما باللذة سواء عند لقائهما أو عند التفكير ببعضهما.
وهكذا، يبقى الحب بيننا-بكل درجاته وأنواعه-اكسير الحياة مهما أصابنا منه. فهل لنا من طريق غيره؟

_________________
*كاتب وأستاذ أكاديمي

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط