الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المياه وتهديد وحدة أمريكا

رغم المسافات الشاسعة الفاصلة بين أثيوبيا وبين الولايات المتحدة الامريكية على شتى الاصعدة العسكرية والاقتصادية والحضارية ناهيك عن المسافات الجغرافية , الا ان حكومة أثيوبيا بسلوكها فى ملف النيل باتت تشكل تهديد وجودى على وحدة أراضى الولايات المتحدة الامريكية , تلك القوة الاعظم فى العالم , التهديد ليس عسكرياً ولا اقتصاديا بل تهديد أعمق وأشد فتكاً , وهو تهديد التصارع والتناحر بين الولايات الامريكية المترابطة منذ نهاية حرب الاستقلال , فى صراع بقاء لا صراع سيطرة , فكيف ذلك ؟ ومتى بدأ التهديد ؟

بدأ التهديد وهو ليس للولايات المتحدة وحدها فقط ولكن لمعظم دول العالم التى تتشارك مصادر المياه , عندما أعلنت أثيوبيا مبدأ مليكة منابع ماء النيل بمفردها , وهو مبدأ لو غض العالم الطرف عنه فلن يكون سوى كرة من الثلج تتدحرج وتكبر حتى يتحول العالم كله الى كرة ملتهبة من الصراعات فى حروب عالمية ثالثة , ولكنها لن تكون كسابقتيها مطلقاً , بل ستكون حروب أبادة , لأن الصراع فيها سيكون صراع بقاء لا صراع سيطرة عرق أو دولة , فهو صراع لأفناء طرف من أجل بقاء طرف آخر , صراع لن ينجو منه أحد .

وهذا الصراع سيبدأ بين الدول كمرحلة أولى , فلدينا فى قارة اوربا عدة دول أوربية تتشارك الانهار , ولدينا فى قارة أمريكا اللاتينية عدة دول تتشارك الانهار , ولدينا فى قارة أفريقيا عدة دول تتشارك الانهار أيضاً , وفى حالة قبول العالم لما تدعيه حكومة اثيوبيا من ملكية منابع نهر النيل وبالتالى ملكية مياه النهر فأن ذلك سيكون معناه أقرار مبدأ جديد فى العلاقات الدولية وأتفاقيات الانهار المشتركة بين الدول , وهو ما سيلبث ان يتحول الى صراع عسكرى من أجل البقاء , صراع لن تبقى فيه دول محتله ودول أحتلال , بل ستبقى فيه دول وتفنى فيه آخرى , كمرحلة أولى لحروب المياه من أجل البقاء .

بعد ذلك ستأتى المرحلة الثانية من الصراع على المياه من أجل البقاء , وهو الصراعات داخل الدول الواحدة ذات النظام الفيدرالى كالولايات المتحدة الامريكية , فكما ان لكل ولاية أمريكية حكومتها ولكل ولاية نظامها المالى والضريبيى الخاص بها ولكل ولاية حدودها التى تحرسها شرطتها الخاصة بها , فما المانع ان نسمع أصوات غريبة بأن يكون لكل ولاية مواردها المائية الخاصة بها اذا ما أقرت الولايات المتحدة ما تدعيه أثيوبيا من مليكة منابع مياه النيل ؟ وما نراه غريباً اليوم قد لا يكون مستغرباً غداً .

لذا فأن على العالم أجمع اليوم مواجهة الواقع الذى تحاول أثيوبيا فرضه على الجميع , مواجهته بكل قوة ممكنة , لأن فى أقراره أقرار ببدء صراع دموى بين الشعوب فى مختلف بقاع الارض , ولن أكون مبالغاً اذا ما قلت ان الصراع على موارد المياه فى بعض الدول الافريقية قد يأخد طابعاً قبلياً مستقبلاً , بأن تدعى كل قبيلة ان اى مورد ماء ينبع من أراضيها هو ملكية خاصة بها , فلا شئ بات مستبعداً فى ظل ماء ينزله الله من السماء منذ ان خلق الله الارض وما عليها ليشرب منه جميع خلق الله من هضبة الحبشة وحتى البحر المتوسط ثم تأنى حكومة اثيوبيا اليوم لتقول أنها مالكة الماء .

لذا فأن ألامم المتحدة ان لم تستطع حماية العالم من بذور حروب المياه التى تنُظر لها حكومة اثيوبيا الحالية , وتنشر بذورها فى العالم بما تفعله فى مياه النيل , فأن مصيرها لن يكون أفضل من مصير عصبة الامم التى فشلت فى منع الحروب العالمية السابقة , وسيذكر التاريخ ان الامم المتحدة كان بأمكانها حماية البشرية من صراعات البقاء ولكنها تقاعست .

واذا كانت الامم المتحدة قد تقاعست حتى الآن , وأكتفت بالبيانات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع , فأن على الولايات المتحدة الامريكية والصين وروسيا أن يدافعوا عن تماسك ووحدة بلدانهم بمواجهة بذور الحرب التى تنثرها حكومة اثيوبيا فى العالم , فكما سبق وان قلت فحروب المياه ه حروب بقاء ستبدأ بين الدول ثم تنتقل داخل الدول ذات النظام الفيدرالى وستصل فى نهايتها الى حروب بين القبائل والاعراق بعد ان تدمر الحروب الارث الحضارى للانسان , فحروب المياه لن تبقى لا على حدود ولا على بشر , وستعيد العالم الى عصر ما قبل التاريخ , ونسأل الله السلامة.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط