الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبد الرازق توفيق يكتب: وماذا بعد يعقوب؟

الصحفي عبد‭ ‬الرازق‭
الصحفي عبد‭ ‬الرازق‭ ‬توفيق، رئيس تحرير جريدة الجمهورية

قال الكاتب الصحفي عبد‭ ‬الرازق‭ ‬توفيق، رئيس تحرير جريدة الجمهورية، إنه يجب ألا نسمح بفوضى العقود الماضية.. وألا يفتى أصحاب الفكر الضحل.. وغير المؤهلين للحديث فى أمور الدين.. لقد دفعنا ثمناً باهظاً بسبب هذه الظاهرة التى أعتبرها أخطر من المخدرات لأنها تغتال أمماً وأوطاناً.. لذلك علينا أن نتعامل مع ما بعد فضيحة ومراوغة وتبرؤ يعقوب من أتباعه وضلالاته.. لقد استوعبنا الدرس ولابد أن تكون هناك إجراءات حاسمة ومعايير واضحة لمن يتحدث فى الدين.. وعقوبات رادعة تفوق عقوبة تجار المخدرات لمن يتجرأ على الإفتاء أو الحديث فى الدين.. حتى نحافظ على سلامة هذا الوطن.. وألا نكرر ما جرى وحدث.
 
.. وماذا بعد يعقوب؟
 
قبل خمس سنوات.. كنت أصلى «الجمعة» فى أحد مساجد العمرانية.. وكنت أصلى خارج المسجد.. وفى الركعة الثانية من الصلاة وقبل السجود على الأرض.. ظل خطيب الجمعة يدعو دعوات كثيرة.. وجميعها تطلب النصر لإخوانه فى أفغانستان وسوريا وليبيا ونيجيريا وباقى الدول التى تكثر فيها نشاطات الميليشيات الإرهابية والمقاتلين المرتزقة والذين يتاجرون بالإسلام والجهاد ويناهضون ويستهدفون إسقاط وضرب الدولة الوطنية.. كل ذلك ولم أجد دعوة واحدة لمصر سواء بالأمن والاستقرار والخير والرخاء.. وهى الدعوة الطبيعية التى يكررها ويؤكد عليها الإمام الصالح والطبيعى المحب لوطنه سائر جموع المصريين فالوطن أولى بالدعاء له بالخير والنماء والنصر.
شعرت بأن هناك أشياء خاطئة وأننى أمام خطيب من جماعة الإخوان الإرهابية وأذنابها.. لكننى قررت أن أتجه إلى داخل المسجد.. 

 

فى مسجد فى العمرانية وما أدراك ما العمرانية فى هذا التوقيت فهى أحد معاقل التنظيم الإرهابي.. وجدت الخطيب الإرهابى يختم الصلاة فبادرته بمجموعة من الأسئلة.. بلهجة حادة «أليست مصر أولى بالدعاء من إخوانك الإرهابيين فى كذا وكذا.. أليس لحم أكتافك من خير هذا البلد؟ وقلت: أمثالك لا يجب أن يكونوا على هذا المنبر الذى اعتلاه الرسول صلى الله عليه وسلم وكان خلقاً يمشى على الأرض محباً لوطنه.. يدين بالولاء والحب للأرض التى نشأ عليها.. ولنا فى ما قال وهو فى طريقه إلى المدينة مهاجراً من مكة المثل والدرس فى حب الأوطان «والله لولا أن أهلك أخرجونى ما خرجت والله لأنك أحب بقاع الأرض إلى قلبي».. لم يستطع الخطيب الإرهابى أن يرد على بنصف كلمة وقف مذعوراً مشدوهاً من هول الكلام.. خرجت وعلى الفور قمت بالاتصال بالدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ورويت له ما حدث الحقيقة ورغم أن المسجد كان ينتمى أيامها للجمعية الشرعية اتخذ إجراءات حاسمة وحقق فى الأمر.. ووجد أن هذا الخطيب مطرود من الخطابة فى القاهرة.. فانتقل خلسة إلى مساجد الجيزة لترويج ضلالاته وحقده على الدولة المصرية وانحيازه للجماعات الإرهابية على حساب الوطن.


بعدها مباشرة نفس الأمر تكرر فى مسجد الجمعية الشرعية بشارع رمسيس.. وهو قريب من جريدة الجمهورية.. وكنت فى مكتبى أسمع دعوات إمام المسجد حتى منتصف الليل خلال شهر رمضان.. وتتبعت عن قصد هذه الدعوات وجدت أن نفس الأمر تكرر لم يكلف خطيب المسجد نفسه بدعاء واحد لمصر أو شعبها أو جيشها أو شرطتها أو قائدها بالخير والتوفيق والسداد والحفظ والنماء وعلى مدار أيام تكرر نفس الأمر ولم أكن أملك إلا إبلاغ وزير الأوقاف بالأمر.. ليكشف أن هذا الخطيب يحمل نفس الأفكار المسمومة.. والغريب أنه كانت لديهم قطعان كبيرة من الأتباع والمغيبين.


أردت أن أقول هذا تعليقاً على ما قاله أمام المحكمة المدعو محمد حسين يعقوب الذى ظل رغم ضحالة فكره ومؤهلاته وأميته الدينية يغرر بالعديد من الشباب والأتباع ويؤيد ويدعو للجماعات الإرهابية وعلى رأسها الإخوان المجرمون.. وأمام المحكمة تبرأ من أتباعه وأنصاره ومريديه والذين ساروا خلفه دون فهم.. وكشف النقاب عن كوارث وقنابل وجرائم أخطر من المخدرات والقتل لأنها تستهدف أمة ووطناً وليس شخصاً بعينه.


أوراق التوت تتساقط من على وجوه الجهلاء وغير المؤهلين للدعوة والحديث فى الدين والإفتاء.. فهذا الذى يدعى محمد حسين يعقوب حاصل على دبلوم المعلمين.. وينكر معرفته وإطلاعه على الفكر الداعشى والإخوانى والنصرة والقاعدة وغيرها من التنظيمات والجماعات الإرهابية الضالة التى لا تمت للدين الإسلامى بشيء.


يعقوب قال إن حسن البنا كان يسعى للوصول للحكم وأن سيد قطب غير مؤهل وأنه لم يتفقه فى الدين وعلومه ولم يتعلم على يد شيخ مثله تماماً.. وما قاله يعقوب عن سيد قطب ينطبق عليه تماماً وباسترجاع خطب يعقوب خلال العقود الماضية تجدها تجافى وتخالف ما قاله تماماً.. وهو أسلوب للمراوغة والخداع والتضليل هو نفس منهج الإخوان المجرمين والمضللين.


يعقوب فى رده على سؤال للمحكمة حول حكم الانضمام للجماعات الإرهابية قال بالحرف الواحد لا يجوز التعصب لشخص واتباعه مطلقاً إلا شخصاً واحداً هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينحاز إلا لجماعة الصحابة.. هؤلاء كانوا يعتبرون «المرشد» هو لسان الله فى الأرض.. لا يملكون سوى السمع والطاعة.. والمرشد كان أهم عندهم من الدولة.


لن أعيد ما قاله الكثير من الزملاء هو هذه المراوغات والأكاذيب والأباطيل والانفصام الذى كلف الوطن الكثير من التضحيات والأرواح وكادت مصر لا قدر الله تسقط بسبب هذه الضلالات وتغييب وعى الناس.. ولكننى سأتوقف بالكثير من الرسائل حول ما قاله يعقوب أمام المحكمة حتى لا يتكرر ما حدث مرة أخرى فى أى زمن أو عصر فى مصر حماها الله من الفتن والضلال والإرهاب والتطرف.. وهذه الرسائل كالتالي..


أولاً: أن محمد حسين يعقوب وأخواته وإخوانه هم نتاج مرحلة من الفوضى والانفلات واستباحة الدولة وغيابها خلال العقود الماضية لم تلتفت فيها الدولة إلى خطورة هؤلاء على الوطن.. فهم أخطر من هجوم جيوش الأرض والأسلحة الفتاكة والمحظورة لأن هذه الأسلحة تستهدف بقعة محدودة من الأرض.. ويقع ضحايا بالآلاف جراء الحروب.. لكن خطورة هؤلاء أنهم يستهدفون قتل الأمة والوطن وتعاملت الدولة باستهتار وتراخٍ مع هذا الملف الخطير.. وأعتقد أن مثل هؤلاء كانوا نتاج مخطط مرسوم وممنهج لأجهزة مخابرات معادية لمصر وقوى الشر التى استهدفت تدمير عقول الأمة والمصريين ونشر السموم والإرهاب والتطرف واختطاف الهوية المصرية وتحريف وتجريد الدين الإسلامى من تعاليمه السمحة ليصبح فريسة الجهلاء وأصحاب الفكر الضحل.. فظهر هؤلاء الدعاة بتخطيط ودعم وتمويل كبير فمن منا ينسى الداعية الوسيم الدلوعة الحنين الذى سعى إلى جذب قطاع عريض من المصريين خاصة النساء.. وهو يرتدى أفخر البدل الإيطالية وصاحب الشارب المنمق.. اكتشفنا بعد ذلك أنه كان مدفوعاً من دول وأجهزة مخابرات لتغييب الوعى ونشر السموم والأكاذيب ودس الرسائل الخبيثة داخل عقول ووجدان المصريين واستقطاب الآلاف منهم يمكنه تحريكهم وتوظيفهم طبقاً لما يخططون له.


هذه النماذج «المصنعة» خصيصاً لمصر والمدفوعة الممولة والمدعومة خارجياً كانت تستهدف الاستحواذ على عقول ووعى المصريين ضد الوطن وهويته وتعاليم الدين الإسلامى السمح فكان البعض يعتقد زوراً أن الإخوان المجــرمين دعاة سـماحة ووسـطية واعتـدال وما هم إلا ترس وحلقة من المؤامرة وضعت وأسست وجندت وغرست خصيصاً فى جسد الوطن لإصابته بسرطان التطرف والإرهاب وبالتالى التقسيم والإسقاط والإضعاف والإفشال.


ثانياً: لابد أن نعى الدرس جيداً وأن تستمر الدولة بلا هوادة فى محاربة التطرف والإرهاب من خلال مواجهة شاملة كما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي.


ثالثاً: أن من يتحدث فى أمور الدين لابد أن تكون له مواصفات ومعايير وتأهيل على أعلى مستوى وأن يمر بالعديد من الاختبارات واللجان على أيدى كبار العلماء والمتخصصين وأهل الذكر والعلم.
رابعاً: إذا تجرأ أحد وتحدث للناس فى أمور الدين بغير علم أو جدارة أو تأهيل أو مؤهلات فلابد من تعظيم عقوبة هذه الجريمة وأن تكون عقوبتها أشد من تجارة المخدرات لأنها بالفعل أخطر على عقول ووعى الناس وسلامة الأوطان والمجتمعات وتهديد للأمن القومى والأمن والسلم المجتمعي.. ولعل ما حدث فى يناير ١١٠٢ فى العديد من الدول ومازال يحدث هو النموذج الذى يجب أن نضعه أمامنا.


خامساً: لابد من إحكام الرقابة على المنابر والإعلام والمساجد أيضاً.. والتأكد من هوية ومؤهلات وتصاريح كل من يناط إليه التحدث فى أمور الدين.. وأن نأخذ العلم من أهله.. وألا يكون هناك مجال للعبث وأن يكون الإمام والخطيب والداعية مثل «الطبيب» فلا يجوز من يتصدى لعلاج المرض أن يكون مهندساً أو صحفياً أو محامياً أو مدرساً فى إحدى المدارس أو نجاراً أو حداداً أو صاحب تعليم محدود.. ولكن الطبيب المؤهل والحاصل على تصريح لمزاولة مهنة الطب هو المنوط بعلاج المرضي.


سادساً: لابد من محاكمة هؤلاء الذين كذبوا وراوغوا وخدعوا الناس وإدانتهم بما قالوا من قبل وبما يقولون الآن ليكونوا عبرة لمن يجرؤ على الحديث كذباً باسم الدين من باب الاسترزاق أو الشهرة وحب الظهور أو التمويل ولا يجب أن يترك هؤلاء دون حساب لأن هناك كوارث وخسائر وتضحيات وشهداء سقطوا بفعل أقوالهم وأكاذيبهم وفتاواهم المضللة.


سابعاً: تأسيس كيان علمى موضوعى يضم أكبر وأعظم العلماء لتدريب وتأهيل ومنح التصاريح لمن أجيز لهم الحديث فى الدين.. وهنا أشيد بتجربة وزارة الأوقاف بإعداد وتدريب الأئمة والواعظات بشكل علمى وصحيح وتأهيل على معايير موضوعية.


ثامناً: يجب التأكيد على أن دار الإفتاء المصرية هى المنوطة فقط بالرد على فتاوى المواطنين وإطلاق الفتاوى الصحيحة والتى تخرج من صلب الدين الصحيح من خلال علماء أجلاء مصدر ثقة المسلمين.
تاسعاً: المراقبة الدائمة للمساجد والزوايا فى القرى والنجوع والكفور للتصدى للدخلاء على أحقية الحديث فى الدين والإفتاء.. والدعوة.


عاشراً: تجريم من يتحدث فى الإعلام التقليدى أو الحديث فى الدين دون جدارة وتأهيل واستحقاق ودون إقرار من العلماء الكبار وأهل العلم والتخصص.. ولابد من تنقية واختيار الدعاة فى وسائل الإعلام.


فى النهاية لا تستطيع أن تمارس مهنة الطب دون أن تكون طبيباً خريج كلية الطب.. ولا تستطيع أن تكون مهندساً مسئولاً عن الإنشاءات والمبانى وحياة الناس دون أن تكون تخرجت فى كلية الهندسة ومؤهلاً بأعلى شكل للعمل فى هذا المجال.


لذلك أعتبر رسائل المضلل يعقوب أخطر من المخدرات لأنها تغتال أمة وأوطاناً.. لذلك لابد أن نولى هذه القضية اهتماماً غير مسبوق.. ونبنى على أساس ما بعد يعقوب وإخوانه.. وحسان وأخواته.. وعمرو خالد وإخواته وألا نسمح لهذه الظاهرة أن تتكرر مرة أخري.