الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب : رائحتك ... !

صدى البلد


ألف خاطر وخاطر ، عاطفة ممتزجة مبهمة تسكن نفسى وخوف غريب مفاجئ يملئ صدري . أيكون كل ما كان بيننا من خلاف وتعنت وكره هو الحب ، أكان من حمقى أن أحلم بحياة أخرى بدونك ، كيف أغمضت عيناي عن حقيقتك وأدعيت الشجاعة بإنهاء حياتي الخاملة معكى . ألف خاطر وخاطر يضرب رأسي وتلك المرأة التى أمسح جبينها الآن ، رفيقة عمرى ، التى تعودت عليها وعايشتها لحظة بلحظة وساعة بساعة ، لابد أنها كانت تقاسي مثلى ، وكرهتنى مثلما كرهتها ، وتحملت مثلما تحملت . إنها الآن بين يدي ضعيفة ، مستسلمة ، صامته . 
لا تقلقي سنرحل سوياً ، سأرحل معكى الى أبعد مكان ، لن يرانى أو يراكى أحد فيه. سنرحل بكامل قوتنا أحراراً ، لا تخافى لقد اتخذت كل الاحتياطات لا تقلقى . على غير العادة تريدين مني أن أساعدك ، ارفعي يدك برفق وارتدى قميصك . أعرف أنك تفضلين اللون الأسود وها هو البنطلون إذن . لا تتنازلي عن كامل أناقتك و ترتدين دائمًا ما يجب وما يليق. ماذا ؟ ... نعم لقد قمت بكىّ ملابسك بإتقان ، و عطرتها جيداً ثم وضعت عطرك فى مكان يدك ،. سأساعدك فى تصفيف شعرك و ربط حذائك . هذة الرابطة تفضلى دائمًا أن يكون عليها حذائك ، هكذا رأيتك تفعلين مئات المرات . كنت أتخيل أنها ستكون المرة الأولى التى لا تعطينى فيها تعليماتك الدقيقة ولكنى شعرت أنها المرة الأولى التى لم تغضبى أو تصيحى أو ترسلي أسهم تناهيدك المعترضة كخوار الثور . 
هى المرة الأولى التى نخرج فيها سوياً فلا تخبرى أصدقائك أو أخوتك ، هذه المرة  لم اصطحبك للطبيب فلستى مريضة ، ولسنا فى زيارة مملة لأحد الأقارب ... أرحى جسدك ورأسك واتكئ علىّ فما أكثر ما اتكأت عليكى وتحملتي ثقلى ، سأريح المقعد لكي ، ضعى قدمًا فوق قدم كما يريحك ولن أعترض أو أشكو من طول ساقيكى فاليوم كل شئ متاح و افعلي ما تشائين .. نعم ياحبيبتى أغلقت محبسى الغاز والماء وتأكدت من غلق النوافذ بإحكام . غريب تقبلى لكل تساؤلاتك دون ملل أو ضجر . أتأمل فى وجهك بلهفة المشتاق والخائف من الفقد ، أشعر أنكى تهورتي الآن مثلى أو أنا تعقلت مثلك . انكمش جسدك ، كبرتى يا حبيبتى  أم ضرب الصغر عمرك وهيكلك . كل ما كرهته فيكى لم أعد أكرهه ، تطابقناً تماماً  عينك مثل عينى ، استدارة حاجبيك ، ضحكتى وضحكتك ، عرقى الذي اختلط بعرقك .. فالآن نبدأ سوياً من جديد ، فأنا أكره النهايات لما فيها من سخف وضيق أفق ... 
منّ يضع اصبعه على جرس الباب بهذة القوة ..؟ لا تقلقى يا حبيبتى الآن سيفقدوا الأمل ويستديروا  ، وسيراعوا تلك اللحظات التى لم ولن تتكرر بيننا مرة أخرى ..! رائحة غريبة ... ؟ أسمعهم فى الخارج يقولون رائحة غريبة ... لا رائحة غريبة هنا أين هي الرائحة ، كيف تجرأوا وظنوا بأن رائحتك غريبة ؟ اعذريهم هم لا يعرفونك جيداً .. أنا فى حاجة لإشعال سيجارة .. ألا تلاحظين أننا لم نعد نختلف وأنك لأول مرة تتركينى أتلاعب بدخانى داخل الغرفة دون أن أسمع سعالك الجاف . نعم كنتى تصري دائماً على رأيك واضطر أن أقبله ، لماذا دائماً كنت استسلم ولا أتمرد ، لماذا فى سرى تمنيت موتك ، لماذا كرهتك أحياناً ، لماذا لم تعدى المرأة التى أشتهيها ، لماذا فقدت فيكى الصديقة التى آنس إليها ، ما الذى يربطنى بكى وكل يوم هناك حرب مستمرة ، وخلاف ينعقد كل ثانية ، لماذا أفكر فى اليوم عشرات المرات فى طلاقك أو انتحارى ، و كل يوم لا أطلقك أو انتحر ، لماذا أفكر كل يوم فى خيانتك ولا أخونك ، لماذا كل يوم أفكر فى حياة جديدة وشريك جديد . ولا أنفذ حرفاً واحداً من تلك القرارات الحازمة التى اتخذتها ، كل يوم يتصاعد الخلاف بيننا و يتحول لشجار عنيف فأترك لكى البيت غاضباً واغادر ، فتقطعى الشجار قائلة : متنساش اللبن وأنت جاى عشان بنتك !! . أخرج وأقسم ألف قسم على ألا أعود مرة أخرى و ألا أشترى اللبن ، فى لحظة ألمح محل " بيع الألبان ومشتقاته " فأتوقف ! "، واتصور خيبة أملى حين أعود بلا لبن فأدخل واشترى . لماذا اشتريت ؟ لماذا وكل ما بيننا من حروب لا تراعى فيها شعورى ، حياة مليئة بالزغرات والتلميحات ... لماذا ؟ 
اطرقوا الباب كما تشاؤون ... لن أفتح أبداً ؟ ، " ميت " فلتموتوا أنتم ... ، تصورى يظنون أن معنا ميت في حين ليس معى سواكى ، أنهم كالعادة يخططون لمؤامرة ، ما أكثر المؤامرات التى ضربت طريقنا فى رحلتنا إلى هذة اللحظة . لماذا انقبض وجهك الآن ، مستاءة ... لماذا ؟ ، تقصدى عيد زواجنا السابق ، نعم لم أتذكره ولم نحتفل به ولم احضر لكى هدية . نعم كنت متعمداً ، مستحيل أن أحتفل بعيد زواجي منك ، كيف أهديكى شئ وأنتى لم تفكرى فى إهدائى إلا هذه الكلمات السامة المختارة بعناية شديدة .
ما هذه الثورة في الخارج ، فقدوا عقولهم ! ، يريدوا أن يأخذوكى .. لا فليقتلوني قبل أن يأخذوكى .. ففى عدمك موتى ، وفى اختفائك نهاية عمرى ، قلت لكى أنى أكره النهاية لأنها لم تأتى بالخير أبداً ... لابد أن تكونى معى كما تعودت ، هناك فرصة أخرى ليكون هذا العالم تحت أقدامنا ، حياة تخلو من الكره والندية والتعنيف ، حياة لا فائدة فيها من طرق الحديد بالحديد ومقابلة الحجر بالحجر ،  لا أخفى عليكى فساعات  الرضا بيننا كانت تمحى مرارة أيام ، وتصهر حديد رؤوسنا ونجد أن لا سبب ولا خلاف ولا ضجر . 
يبدو أن هناك خطأ ما يا عزيزتي ، فأنا فى الحقيقة بدأت أشم الرائحة وتأكدت أنها ليست رائحة حذائك و جواربك فقد خلعتهم وألقيت بهم فى الشارع  ، أنها أقوى من رائحة عطرك ، أقوى من وجودى بجانبك ، لا أستطيع البقاء هنا ، الرائحة تكتم أنفاسي والمرعب أنكى مصدرها . لابد أن أختار بعيداً عن قلبى و إرادتي فقد وصلت روحى الحلقوم ، لم يعد هناك مفرّ سأفتح الباب عمداً واتركهم يأخذوكى ، حزين لفراقك ولكن شعورى بالبقاء معكى  بات مستحيل ، سأترك لكى المكان لأنني أرغب فى هواء نقي ليس فيه أبداً تلك الرائحة  العفنة و الغالية رائحتك .