الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطر المشاعر الرقمية

 تساءلت دوماً عن سر تحول العلاقات الإنسانية إلى أخرى إلكترونية،.. وكأن التكنولوجيا الرقمية لم تكتفي بدنيا المال والخدمات أي كان نوعها لكنها تسربت في غفوة مشاعر إلى عالم الغرام، فأصبح الحب قوامه رمز "قلب" وأدلة إثباته  مجرد رسائل على التطبيقات الهاتفية، وبضغطة إلغاء تمحى تفاصيله وهوامشه من على حائط الذاكرة كما سبق وبمنتهى التجبر تخلص أحد طرفيه من كلماته ووعوده الالكترونية!... أقول هذا الكلام بمناسبة قرار المجلس الأعلى للجامعات بإلغاء الكتب الجامعية وتحويلها إلى إلكترونية من أول العام الدراسي الجديد، وذلك ضمن خطة الحكومة للتحول الرقمي بالكامل في جميع الجهات والمؤسسات الحكومية.. 
ورغم أنني من أشد المؤيدين للتحول الرقمي لكن لا أعرف لما انتابني حالة رعب على الحياة الورقية؟!،.. ربما لانتمائي لجيل ربط الورق بالمشاعر، فالعشق  عندي توليفة مكتبية من روايات إحسان عبد القدوس وأشعار نزار وجويدة.. ودوار لهفته يكمن في أغنية "جواب" للعندليب، وصرخة شاركت فيها سميرة سعيد لمن سبق ونبض له القلب بأغنيتها الشهيرة "مش حتنازل عنك أبداً مهما يكون".. وجائز لدخولي عالم الصحافة في وقت صعب، فعلى جميع  مؤسساته  القومية لافته "ممنوع الدخول"، واقتحامه يعتمد على قلم جريء  وكاميرا فوتوغرافية تسجل أهم اللقاءات والتحقيقات.. ولو أراد احدنا التفوق،.. عليه أن يقضي ساعات طوال وسط أوراق وصور قديمة بأرشيف المعلومات حتى يستخرج كل صغيرة وكبيرة تخص الموضوع المزمع الكتابة عنه.. 
ولأنني على يقين أنه بقدر صعوبة الحصول على الشيء تكون  درجة الحفاظ عليه، فكنت ولازلت أتمسك بعملي، حبي، صداقتي، وجميع علاقاتي باختلاف أنواعها حتى لو كلفني الأمر ضياع المتبقي من عمري.. 
على عكس كثير من الأجيال الجديدة التي نشأت على عالم التكنولوجيا الحديثة، يمكن سهلت دنياهم لكن الأكيد أنها أفقدتهم متعة البحث وشغف الانتظار.. نعم.. فالبحث عن معلومة بين الأوراق القديمة سعادة في حد ذاتها لا يمكن لمن لم يعيشها أن يتصورها، وانتظار ساعي البريد برسالة غرامية تعيد الروح فرحة يستحيل لمن لم يجربها تخيلها.. 
وبعد كل ما قيل ويقال،.. أليس من حقي أن أتخوف على ضياع الورق وسط عالم الرقمنة؟!.. أصدروا كتب وبوابات الكترونية كما تشاءون، واتبعوا احدث الطرق التعليمية بمنصات الكترونية تواكب العصر، أقيموا معاملاتكم البنكية بكروت الفيزا، واستخرجوا أوراقكم الرسمية عبر الانترنت.. كل هذا رائع وجميل لكن لماذا لا يتم الجمع بينه وبين الورق؟!،.. فلو حدث أي خطأ إلكتروني، ومحيت بعض المعلومات أي كانت طبيعتها نعود لأوراقنا القديمة كأدلة ثبوتية غير قابلة للضياع..   أي بمعنى أدق، بدلاً من إلغاء الكتب الجامعية وتحويلها لإلكترونية نجمع بين النظامين حتى لا ينسى أبنائنا أهمية وقيمة الورق.. احتمال أن تعيد الكتب الورقية الهيبة للمشاعر فلا تمحى بضغطة زر الكترونية كالمعلومات التي لا نريدها..           
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط