الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. رأفت محمود محمد يكتب: إفريقيا والشوكولاتة السويسرية

صدى البلد

ليس هناك أكثر بهجة للنفس من تناول قطعة شوكولاتة، مؤشر للرفاهية، وحب للحياة، حلم الطفل الإفريقي، الذي بعد أكثر من أربعة عقود مضت على التحرر من نير الاستعمار القديم، ما زالت قارته هي الأدنى في مؤشرات التنمية، والأعلى في مؤشرات البحث عن الموارد الطبيعية.
تناقض يعكس أن الأرض التي تحررت من الاستعمار منذ هذه العقود لم تستفد بعد من خيراتها، ومازالت تحمل على ظهرها وفي باطنها ما يدعو الجميع إلى التكالب عليها، وإنه هناك الكثير من الجهد الذي يجب القيام به لتنهض القارة.
فطريق التنمية تعثر كثيرًا لأسباب بعضها يرجع إلى عدم نضج تجربة إدارة شئون الدول بعد استعمار جرف معه كل شيء، ومحاولات دائمة لإفساد ساستها، وتغذية الاضطرابات السياسية والأمنية بها، ليوجد لنفسه المبرر للتدخل في شئون دول القارة، واستغلال مواردها، وموقعها الاستراتيجي.
وقد عقدت خلال الفترة الماضية العديد من المؤتمرات ومنتديات رئاسية ووزارية بين هذه القوى ودول القارة، مثل مؤتمرات القمة الأمريكية والروسية والصينية والأوروبية الإفريقية، وقوى أخرى ساعية إلى فرض نفوذها على دول القارة مثل مؤتمرات القمة الهندية والتركية الإفريقية ودول أخرى، وكلها مؤتمرات حملت عناوين التنمية والرخاء لدول القارة، ولم يتغير واقع القارة المتدني في مؤشرات التنمية، بل باتت دول القارة واقعة في أتون صراعات هذه القوى مع بعضها البعض.
فلا يختلف نهج الاستثمار الحالي داخل القارة كثيرًا عن نهج المستعمر القديم، فلم يشق مستعمر طريق إلا وكان يصل بين المناجم والمزارع إلى الموانئ، ليحلب ويستنزف خيراتها، ولم يفكر قط في ربط الدول الإفريقية بعضها البعض، فنادرًا ما قام ببناء طريق يربط دولة إفريقية بأخرى، ومن ثم كيف سيحدث التبادل التجاري والربط بين مصالح شعوب القارة؟.
فالاستثمارات الحديثة التي أتت من خارج القارة هدفت إلى الاستثمار في الموارد الطبيعية وتسهيل خروجها من الموانئ الإفريقية، ولم يكن لها أهداف تنموية حقيقية، بل العكس هو ما حدث، حيث عانت القارة من تدنى التجارة البينية وعدم وجود شبكة لربط الطرق سواء داخل الدول الإفريقية أو خارجها، فهي ذات الأهداف بثوب جديد.
حتى من قدم إلى القارة كالصين دون مشروطيات سياسية، وضح أنه يدير علاقاته بدول القارة في إطار صراعه الكوني للتموضع، والسيطرة على موارد الخامات، والتأثير على صناعة القرار داخلها لتحقيق مصالحه.
فالكثير من دول القارة محملة حَالِيًّا بديون تم تقديم تسهيلات للحصول عليها، واستثمارات لتسهيل نفاذ تجاراتها وخامات الدول الإفريقية إلى مصانع خارج القارة.
وسعت القارة كثيرًا للتنمية الذاتية بوضع استراتيجيات لتنميتها، والحد من الاضطرابات الأمنية، كهدف إسقاط البنادق، والآلية الإفريقية لمراجعة النظراء، كآلية إفريقية للمراجعة الذاتية، وتقييم الأداء لإعلاء مبادئ الديمقراطية، والحكم السياسي والاقتصادي الرشيد للدول المشتركة بها، وكذلك إطلاق رؤية 2063 لتنسيق الجهود للنهوض بالقارة على مدار الفترة الممتدة من 2013 إلى 2063 والتي تمتد لخمسين عامًا.
ويأتي مؤتمر وكالات الاستثمار في إفريقيا الذي دعت إليه مصر ونظمته الهيئة العامة للاستثمار، والذي عقد منذ أيام قليلة في مدينة شرم الشيخ المصرية وشرفت بحضور جلساته، ليكون كاشفًا عن السعي نحو تلافي سلبيات الماضي، والرغبة الإفريقية الحقيقية في تحقيق التكامل، والعمل الإفريقي المشترك. حيث حمل مندوبي أكثر من 35 دولة إفريقية ليس فقط رغبات صادقة في التعاون والتكامل الإفريقي، بل هموم أوطانهم الباحثة عن الاستثمار الحقيقي، والذي يعود بالنفع على دولها، وليس تمهيد الطرق لاستنزاف الخيرات من جديد.
في الحقيقة هذا المؤتمر فكرته عبقرية، فمن يستطيع أن يتحدث عن هموم الاستثمار والتنمية غير رؤساء هيئات الاستثمار في القارة، ففي حديث إفريقي- إفريقي، وبجلسات عمل تم إدارتها بعناية على مدار ثلاثة، طرحت تحديات الاستثمار في القارة بكل شفافية، ومعها كذلك الفرص المتاحة داخل دول القارة؛ فرص تبحث عن مستثمرين حقيقيين ليسهموا في بناء بنية تحتية مازالت لا تلبى طموحات دول القارة في تعزيز التبادل التجاري بينهم.
مائة مليار من الدولارات فجوة استثمارية في البنية التحتية تعاني منها دول القارة، على الرغم مما يثار من تكالب دولي على الاستثمار داخل القارة، وتغول الصين، إلا إنه في الحقيقة مازالت شبكة الطرق الإفريقية هي الأسوأ بالمقارنة بالقارات الأخرى، والأدنى في مؤشرات الفقر وسوء التغذية، على الرغم من كونها عامرة بالأراضي الخصبة، والمياه الوفيرة، تناقض يشير إلى نمط الاستثمار القادم من الخارج.
فمثلًا، ساحل العاج وغانا، أكبر دولتان تنتجان الكاكاو في العالم، وعماد صناعة الشكولاتة في العالم، ولا يمثل إجمالي الناتج القومي لهما شيء يذكر من دخل شركة نستله السويسرية، أو هيرشي الأمريكية المصنعتان لأنواع مختلفة من الشوكولاتة، ويعترضان على زيادة رسوم منتجي الكاكاو في الدولتين.!!
فالتجارة البينية بين دول القارة هي الأدنى بين قارات العالم، ومعظم تجارتها تذهب إلى الخارج، ومعظم دولها مازال اقتصادها يرتبط بالعالم الخارجي أكثر من ارتباطه بدول من داخل القارة.
رغبة حقيقية في العمل الإفريقي المشترك وضحت من كلمات المندوبين في المؤتمر تترجم خلاصة تجربة الاستغلال والتأمر التي مرت بها الدول الإفريقية خلال العقود الماضية، فبدا واضحًا أن الدول الإفريقية تحاول تعدى مرحلة عدم الاستقرار السياسي، والأمني، بل والترويج للفرص الاستثمارية والمزايا التي تملكها كل دولة، فمد الطرق، وشبكات المياه، والصرف الصحي، ومحطات مياه الشرب ليست بالاستثمارات أو القدرات الفنية التي تحتاج إلى خبرات من خارج القارة، كما تعد فرص هائلة للشركات المصرية للعمل مع نظرائهم من الدول الإفريقية، ولتكون بداية استثمار وتنمية حقيقية.