الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب : حيوان (قصة قصيرة)

الكاتب الصحفي رضا
الكاتب الصحفي رضا نايل

كانت الأمطار قد توقفت، وأنا أفتح النافذة، فتدفقت ريح باردة مبللة بالمطر، أسرت في جسدي قشعريرة جعلتني أرتجف، والأفق الممتد خارج النافذة له سقف رصاصي اللون، حيث تتكاثف السحب التي تنذر بسقوط المزيد من المطر، وعلى امتداد الطريق الفارغ من المارة، الممتلئ ببرك متقطعة من المياه، رأيتها وأنا أهم بغلق النافذة تتنقل بين الوحل وبرك المياه بمرح طفولي مأرجحة إحدى قدميها في كل بركة تمر بها وهي قادمة في اتجاهي.


ثم جلست أسفل عمود الإنارة الواقف أمام النافذة، ولم تلاحظ عيني التي تراقبها من وراء النافذة شبه المغلقة، وهي تخلع حذاءها لتغسل قدميها في بركة المطر أسفل نافذتي، فلم أستطع رفع ناظري عن حذائها، فأصابعها التي تراكمت عليها الأوساخ وبدت وكأنها مطلية بالقار، كانت بارزة من مقدمة الحذاء بأظافرها الطويلة التي تشبه مخالب حيوان أليف، وبينما عمود الإنارة يصب ضوءه عليها في مساء ينبئ بليل مظلم كالقبر، بدأت تحرك قدميها في  البركة فتحولها لمستنقع من الطين اللزج، والأمطار الخفيفة المتساقطة تبدو في ضوء عمود الانارة  كخيوط  رفيعة تتناثر في الجو بفعل الريح التي أصبحت أشد قوة وأقسى برودة، وعندما أرعدت السماء وأضاء وميض البرق سقفها الرمادي ابتسمت وهي تنظر لأعلى، وحبات المطر الذي ينهمر بغزارة تدغدغ  وجهها، بينما تٌحدث فقاقيع المطر دومات صغيرة حول قدميها الراكدة في البركة.


ثم رأيتها تقوم وهي تتحسس جلبابها الغارق في ماء المطر، ثم انحنت لتمسك بأطرافه فخلعته، فإذ بها عارية.


وبينما أنا أحدق ككلب جائع في قامتها المائلة للطول شاعراً بشهوة تثور داخلي، وعيناي معلقة بنهديها المستديرين كثمرتي رمان، وأردافها المكتنزة، وماء المطر يتقاطر على منحنيات جسدها ثم يسيل عكراً على فخذيها بعدما حمل الوسخ العالق بها فيبدو جسدها وراءه كما المرمر، وجدتني أبكي بشكل هستيري وأنا أرتجف كالمحموم، لاعناً ذلك الحيوان في داخلي الذي يقتات عليها وهي تقف عارية وسط البرد والريح والمطر، فكانت هي النقية كما المطر، وكنت أنا الملوث كمستنقع عفن.


فدفعت النافذة بقوة وقفزت منها، فالتفتت نحوي في ذعر وفرت كما تفر فريسة من حيوان مفترس، فركضت خلفها، وقدمي تطيش في برك المياه، والأمطار الغزيرة تضرب وجهي كالسياط، والريح تدفع معطفي فيرفرف في الهواء كجناحين، وعندما أمسكتها حاولت الهرب من بين ذراعي كسمكة تتلوى لتفلت من بين يدي صياد، ولم تهدأ حتى دثّر معطفي جسدها المرتجف.
ومن بين مَزق السُحب الكثيفة المُتتابعة كالأمواج بدى ضوء خاطف للقمر فانعكس جسدانا في ظل واحد ممتد على صفحة بركة من مياه المطر.