الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أحمد شندي يكتب: الحروب السيبرانية والعولمة الرقمية

صدى البلد

الحرب السيبرانية أو Cyber Warfare هي حرب غير معلنة، وهي من أبرز معالم الصراعات السياسية والتجارية بين الدول. فقد بات من الصعب تخيل صراع عسكري اليوم من دون أن يكون لهذا الصراع أبعاد إلكترونية سيبرانية، وأصبحت في صلب اهتمامات الأنظمة الدفاعية لأي صراع يمكن أن يطرأ في المستقبل.

نلاحظ توجه العالم أجمع نحو تزايد الاعتماد على التقنيات الذكية والحديثة وتبني نماذج الحكومات والمدن الذكية، فإنه يصبح أكثر انكشافاً وعرضة للحروب السيبرانية، ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت أثناء جائحة كورونا لتيسير مهام العمل والتعليم عن بعد تزايد معها نشاط القراصنة مستغلين ضعف الثقافة الأمنية بكثير من مستخدمي الإنترنت حول العالم، وهو ما يتسبب في تهديد الأمن القومي وتعريض مصالح الأفراد والدول للخطر. وهو ما يعني أن الحرب السيبرانية قادمة لا محالة، بصورة قد تكون أكثر شراسة عن غيرها من الحروب، لذا بات من الضروري على جميع الدول التي تسعى للحفاظ على أمنها القومي أن تطور آليات للمواجهة وأن تستعد للمعركة القادمة.

ومن جهة أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي العمود الفقري للنمو الاقتصادي، وأصبحت العديد من الأعمال مبنية على توافر الإنترنت دون انقطاع، إلا أن أنظمة المعلومات تتعرض لسرقة البيانات وزيادة التجسس وصولاً إلى الحرب السيبرانية،وجانبها العنيف من حيث الاختراقات والقرصنة ونشر الفيروسات وغيرها من الأساليب، وهي في ذلك لا تفرق بين العام والخاص، وبين السري والمعلوم. ومن أهم خصائص هذه الحرب سرعتها الفائقة، وهي سرعة تدفق "الفوتونات" Photons عبر الألياف الضوئية، كما باتت عالمية الطابع والتأثير، غير محددة المجالات، ساحاتها غير مرئية ووسائلها خفية.

وكما تعتبر الحرب الإلكترونیة السمة الغالبة والرئیسة للحروب المستقبلیة , وتزداد خطورة تلك الحرب مع ازدياد اعتماد العالم على الفضاء الإلكتروني في البنى التحتیة المعلوماتیة العسكریة والمصرفیة والحكومیة إضافة إلى المؤسسات والشركات العامة والخاصة , ومما لاشك فيه ان تلك النوعية من الحروب هي الافق الرحب للاعمال الاستخبارية , ومهما قيل عن ان عدم اعتماد بلد كالعراق على التقنيات الرقمية يجعله بمأمن من تلك الهجمات فإن الامر قد يصح في نطاق الشركات والافراد الا انه لايصح في مجالات المؤسسات المالية والعسكرية التسليحية التي نعتمد فيها على استيراد اسلحة متطورة تقنياً تبقى عرضة لبوابات خلفية الكترونية من قبل المصنّع يستطيع من خلالها شل تلك الاجهزة من قبيل الطائرات الامريكية وسواها.

ومن جهة أخري تستخدم الحرب السيبرانية مجموعة من الوسائل والأدوات السيبرانية، قليلة التكلفة بالمقارنة بالأسلحة التقليدية والنووية، حيث تتطلب بالأساس مهارات نادرة لإنتاجها، ولا تحتاج لإطلاقها سوى منصات بسيطة (غير مرئية) تتمثل في موقع الإطلاق على شبكة الإنترنت، ومحرك للبحث، وشبكة تواصل اجتماعي، وخادم افتراضي أو مادي أو "سحابة بيانات". ويمكن تصميم هذه المنصات من قبل أي أشخاص مثل: القراصنة، والمتطرفين الدينيين أو السياسيين، والمجرمين الإلكترونيين من عصابات الجريمة المنظمة. ولا تترك الأسلحة الإلكترونية وما تفرزه من أزمات سوى القليل من الوقت للاستباق والوقاية والكشف أو رد الفعل بسبب السرعة الإلكترونية للهجوم.

وعلاوة علي ذلك نتيجة دخول عامل القوة السيبرانية كعامل مخلخل لتوازنات القوى في العالم , فقد سعت الدول الكبرى الى انشاء جيوش الكترونية عظمى لتدارك تلك الفجوة , ومن ابرز تلك الجيوش :

1- الوحدات الست في الولايات المتحدة : تعتمد الولايات المتحدة في الحروب الإلكترونية على ست عناصر هي الوحدة الأمريكية لقيادة “الفضاء الإلكتروني”، وهي المختصة بالتخطيط والتنسيق وإدارة عمليات الحروب الإلكترونية مع باقي الفروع التي تتبعها.

2- المكتب 121 في كوريا الشمالية : تمتلك كوريا الشمالية وحدة خاصة بالحروب الإلكترونية هي المكتب 121 “Bureau 121” وأهدافه الرئيسية هي كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان وأنشئ عام (1998).

3- اللواء77 البريطاني : انضمت بريطانيا للحروب الإلكترونية باللواء (77) في أوائل(2015) ويركز في الأساس على الحسابات المؤيدة للإرهابيين على “توتير” حيث يعمل اللواء البريطاني على شن الحروب النفسية ويتكون من (2000) جندي .

4- مخابرات الإشارة الروسية : وتتمثل في مجموعات من الهاكرز يعملون لصالح استخبارات الإشارة الروسية , وكان أحدث الهجمات التي يشنها هاكر روس بحسب ” سي إن إن” هو اختراق وزارة الخارجية الأمريكية واختراق أنظمة البيت الأبيض لدرجة تسريب جدول أعمال الرئيس الأمريكي باراك أوباما .

5 – الوحدة (61398) الصينية : تشتهر الصين بامتلاكها أحد أفضل الجيوش في الحروب الإلكترونية في العالم ورغم عدم الكشف رسميا عن الوحدة المسؤولة عن عمليات الاختراقات الصينية إلا أن وزارة العدل الأمريكية قالت أن الوحدة هي مصدر حروب الصين الالكترونية .

6 – الوحدة 8200 : اشتهرت اسرائيل باستخدام تلك الوحدة من أجل الحرب النفسية على الانترنت حيث تركز على 30 موقع بالإضافة إلى العديد من مواقع التواصل الاجتماعي وتبث رسائلها بعدة لغات منها العربية والإنجليزية والعبرية والفرنسية والإسبانية .

7 – جيش إيران الإلكتروني : وفي السنوات الأخيرة برزت إيران كقوة في الحروب الإلكترونية من خلال جيش إيران الإلكتروني والذي أظهر القدرة على اختراق أهدافه ببراعة على حد قول معهد الدراسات الاستراتيجية الأمريكي.

ففي ظل العولمة تغير مفهوم الزمان والمكان وتغيرت معه معالم الكرة الأرضية لتصبح قريه كونية صغيرة فيكفي ان يمرض شخص فى بلد ما حتى تصل العدوى الى اغلب دول العالم،  ويكفى ان يحصل تفجير فى مكان ما ليعم الخوف فى  كافة ارجاء العالم، ولم يقتصر الامر عند هذا الحد بل التفّت بمكر ودهاء على الحماية المقدسة لحقوق الانسان باستخدامها لمنطق السياسه الواقعيه كقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" فأباحت للمؤسسات والافراد وحتى للدول الإقدام على كل ما هو ممنوع ومحرم دفعاً للضرر ناسين ومتناسين بأن الضرر لا يُزال بمثله.

خلاصة القول

الحروب السيبرانية.. ذلك الصراع المنفلت من كل المعايير التقليدية قد قلبت الحال والمآل، فالهيمنة والنفط والترسانة العسكرية  لم تحل دون اصابتها والعديد من الدول العظمى فى عقر دارها وفي الصميم، وكيف لا والنفط  والاسلحة والترسانة العسكرية الهائلة التي تتباهى بها كمصدر قوتها بات يملكه غيرها، ومعه اشياء اخرى، كاشفة عن خلل فى منظومتها الأمنية. لذلك تعد حروب هى الاشرس والاخطر والادق ليطلق عليها البعض بلا مبالغة "بايدز الانترنت" "وحروب التركيع" فباتت تتصدر المشهد العالم حشدا وتحشيداً، استعداداً وتسليحاً ضد خطر مجهول فاعلة وهدفه ، حروب وان كانت صامتة وهادئة وناعمة ولا تبعث دخان ولا اصوات متفجرات  إلا أنها مفجعة وموجعة فى آن واحد فقناصها متمرس  يعمل بحرفية عالية، يتسلل بخبث تاركاً ورائه خسائر أحصى العداد معها دون توقف بالترليونات، فبدأ العالم معها مسرح مترامي الاطراف يقارع بعضه بعضاً الكترونياً،  أبطاله محاربون من نوع جديد يختفون خلف شاشات الحواسيب وغرف الدردشة  المغلقة وسط غابة من الآحاد والاصفار، يحيكون أخطر حروب على الاطلاق ضحاياهم على بعد آلاف الكيلو مترات، لا يفرقون بين خصم وحليف.