الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كواعب أحمد البراهمي تكتب: العدل 

صدى البلد

فلقد كفر أبن سيدنا نوح ولم ينفعه إيمان أبيه , وآمنت زوجة فرعون برغم كفر زوجها , وذلك لأن الدين هو يقين يمس القلب , ولأن الإيمان هو هداية للروح , ونعمة يعطيها الله لعباده . 
وكما أرسل الله الرسل سبحانه وتعالي فقد أرسل أيضا عذابه علي كل من عصوه , ولكن عندما أرسل عقابه  لم يفعل ذلك قبل أن  يرسل لهم الرسل للهداية . فقد قال جل وعلا في القرآن الكريم ( وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا ) - صدق الله العظيم .
وظلت تتنازع قوي الخير والشر والإيمان والضلال , وستظل ما ظل الإنسان علي قيد الحياة , وما زالت الأرض تدور حول شمسها .
وبالرغم من إستسلام الكثيرون من البشر للإعتقاد بعدم وجود إله , وأن الكون قد وجد مصادفة , إلا أن النفس البشرية من قديم الزمن تعتقد بطبيعتها أنه لابد للكون من خالق , ولا بد للإنسان من معبود . لذلك كان سيدنا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء يبحث عن إله , فظل يبحث حوله , فنظر إلي القمر لأنه عال في السماء ,وأعتقد أن الإله هو القمر , ثم قارن بين القمر والشمس فوجد الشمس أكثر ضياء, فإعتقد أن الإله هو الشمس . ولكنه لم يرتض ضعف القمر ولا ضعف الشمس وإختفاؤهما يوميا , فكيف للإله أن يغيب ؟. وظل حائرا يبحث عن إله .
وظلت الحقيقة الموجودة بداخل أغلب البشر , أنه لابد للكون من رب , ومن إله يدير له حركته .
ولكن قبل أن أخوض فيما أريد قوله فأنني أعترف وأقر بأنه يوجد كثير من البشر يعبدون النار , ويعبدون البقر , وقد لا يعبدون شيئا , ومع ذلك فإن سلوكياتهم الشخصية وكذلك سلوكهم مع الآخرين سواء في عملهم أو مع جيرانهم أو مع أي من يتعاملون معه تعبر عن الرقي والخلق والتقدم . 
ولا يمكن لأي شخص إنكار ذلك بأي حال من الأحوال , وذلك مرده إلي أن البشر عموما يوجد بداخلهم الإنسان الذي يملأه الخير , وذلك ناشئ معه في تكوينه وجيناته الفطرية التي فطر الله الخلق عليها . 
ولكن الأكثرية من البشر لا بد أن تردعهم القوانين الوضعية التي وضعها البشر بأنفسهم ولتحكم علاقاتهم ببعضهم البعض , وذلك موجود حتي قبل ظهور الإنبياء وإرسال الرسالات .
بل أن البعض يخاف من العقاب الدنيوي والقانون الوضعي أكثر من العقاب الآخروي وبالرغم أنهم يؤمنون بوجود الله وبالثواب والعقاب . 
وكذلك بعض النفوس منذ خلقت وهي لا تضمر الخير لأي شخص , بل بالعكس تميل إلي الدماء , والقتل , والسرقة , والحقد , والغيرة . 
وأكبر دليل علي ذلك أن أول جريمة أرتكبت علي وجه الأرض وراح ضحيتها سدس سكان الكرة الأرضية كان منبعها الغيرة . عندما قدم هابيل قربان لربه فتقبله الله منه , ولم يتقبل القربان من أخيه قابيل , فقام بقتل أخيه لأنه نفسيا لم يكن طيب النفس , ولم يكن بنفسه خير .
ويتضح كذلك أن الأخلاق موجودة بداخل البشر بغض النظر عن الدين , ففي عصر الجاهلية كان العرب يتصفون بصفات طيبة فاضلة منها الشجاعة , والكرم , ونجدة المستجير , وإغاثة الملهوف , وإجابة المستغيث , ونصرة المظلوم , وعدم الإعتداء علي النساء بالضرب .
وفي المقابل كانت توجد صفات سيئة مثل إغارة القبائل علي بعضها البعض , وسبي النساء والثأر  بل  كان البعض منهم يدفن المولودة  وهي علي قيد الحياة فقط لأنها أنثي دون ذنب لها.
وفي ذلك الكتاب لا نريد جدلا مع الذين يدينون بأي دين , ولكن هو نقاش مع الذين لا يعترفون بوجود الخالق أساسا , والذين يعتقدون أنه لا يوجد خالق ولا يوجد إله , وأن الكون وكأنما حدث ووجد بمحض المصادفة .

                       العـــــــــــــــــــــــدل 
جميعا يري ويشاهد ويعايش أحداث كثيرة جدا , وعندما ينظر إليها يجد ظلما كثيرا , وبالطبع بقانون البشرية المفروض أن يتساوي البشر والخلائق في كل شئ , والعادل من يعدل في العطايا , لأن الطبيعة التي ينادي بها هؤلاء ويرون بأنها الخالقة لابد أن تري ذلك جيدا وتعمل به .
فالأرض مثلا تعطيها الماء والحبوب فتعطيك ثمارا وشجرا , والشمس تشرق فتقوم بواجبها وتبخر الماء الذي يعود لنا أمطارا وأنهارا وهكذا .
والإنسان والحيوان ينموان في دورتهما الطبيعية من الميلاد وحتي الوفاة بطريقة مرسومة وممنهجة , ويرون أن الأرزاق تقسم بحسب العمل والجهد , وأن كل شئ يأتي كما تم العمل له من البداية فإن إعتنيت بما تزرع ستحصل علي ثمار جيدة . 
وهناك زروع أيضا وهبتها الطبيعة للإنسان ولا تحتاج إلي جهد منه , يكفي البذور والمطر لينبت الزرع والشجر . وقد يتفق الدين في تلك النقطة من أنه لكل عمل نتيجة , ولكل فعل ردة فعل.  
والسؤال هنا .. أين إذن تتحقق العدالة إذا لم تكن هناك آخرة؟ 
أين سيعاقب القاتل الذي أفلت من القانون ؟ 
وأين ستعاقب الزوجة التي تخون زوجها ؟ 
وأين سيعاقب الشاب الذي يضرب أخاه أو أمه أو أباه ؟
أين سيعاقب اللص الذي لم يكتشف أحد جريمته ؟ 
أين سيتساوي الذي عاش مريضا مهموما مع الذي عاش صحيحا سليما معافي ؟ 
من سيعوض من عاش فقيرا معدما لا يجد قوته , وغيره لديه المال الذي يشتري به كل ما يريد  ؟ 
أين سيحيا من كان خادما ذليلا مكسورا في خدمة سيد متغطرس ؟ 
أين سيجد الرقيق حريتهم الذين حرموا منها وعاشوا في ذل الرق والعبودية ؟ 
كيف يتساوي من شعر بالسعادة , مع من شعر بالشقاء ؟ 
أين تتحقق العدالة إن لم تكن هناك عدالة السماء ؟
أين يشعر الإنسان بالرضي وهو يجد نفسه منقوصا في كثير وغيره منعم في كثير ؟ 
إذن لابد أن يكون هناك إله ؟
لابد أن يكون هناك حكم عادل حكيم وأعدل من البشر العاديين , ولابد أن يكون أقوي منهم .