الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد شحتة يكتب: دار الإفتاء وأصحاب الهوى

صدى البلد

المتأمل لتعليقات الصفحة الرسمية "لدار الإفتاء المصرية"، سيجد حالة من الصخب من المتجرأين على الفتوى بشكل عام وعلى اختصاص دار الإفتاء بشكل أدق، كردة فعل على ما تنشره دار الإفتاء من فتاوى عبر وسائلها الإلكترونية المختلفة.

حالة الصخب هذه يقودها أناسا قد لا يكون لديهم الحظ الوفير من العلم الشرعي، أو طلاب علم ما زالوا يدرسون ولم يحصلوا بعد على إجازة إتمام العلوم الشرعية، وبين هذا وتلك تخرج أحكامهم منصبة على فتاوى الدار بأنها تخالف إجماع العلماء، وما كان عليه السلف الصالح، أو أنها فتاوى فسق وضلال كما نشاهد في بعض التعليقات، رويدا أيها المتابعون ورأفة ورحمة على أناس قد تضلهم تعليقاتكم أو تطيش بعقولهم بعيد، دعونا نتسائل: من أين عرفتم أن هذه الفتاوى تخالف إجماع العلماء ؟، وكيف قستم مخالفتها لما كان عليه سلفنا الصالح؟، بل قبل هذا وذاك كيف تنصبوا أنفسكم حكام؟ ومن المعلوم أن هذا الأمر يحتاج إلى شروط وضوابط دقيقة.


وهنا يجب أن نشير إلى أمر إيجابي في هذه الصورة، وهي غيرة هؤلاء الشباب على دينهم ورغبتهم في العمل وفق ما جاء به المشرع، لكن هذه الغيرة ما يشوبها هو منهجية التخصص، هذه المنهجية التي تمكن صاحبها من استنباط وقياس الأحكام الشرعية وسحبها على الواقع بما يصلحه مع الحفاظ على الثوابت الواردة في هذا الحكم، المنهجية التي شكلت مذاهب فقهية متنوعة لكنها تسير على ثوابت لا تتغير، ولا تأتي هذه المنهجية إلا من خلال دراسة متأنية ومستفيضة لعلوم الشريعة على يد علماء أفذاذ، يشهدون أو يجيزون من يمكنه العمل بها واستئمانه على واقع الناس.

 

وهنا أتوجه بنداء يحدوه الحرص والخوف على شبابنا أن يضيعوا دين الله وأحكامه وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا، ونقول : يا سادة اتركوا التخصص لأهل التخصص ، فلا يمكن لأحد من هؤلاء أن يناقش طبيب أو مهندس في عمله ، ولو فعلها أحدهم لهاج عليه الطبيب بقوله "انت هتعلمني شغلي" وهذا حقه فالله تعالى يقول في محكم التنزيل ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) وأهل الذكر ليسوا العلماء الشرعيين فقط وإنما كل في تخصصه أهل ذكر وأهل علم ويجب تقديره.


ويجب كذلك توضيح، أن دار الافتاء المصرية هي مؤسسة وليس فرد، وهي منهجية وليس فكر أو رأي شخصي، فلا تصدر فتوى إلا من خلال لجان يرأسها فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، وكل شيخ في هذه اللجان يدلي بدلوه وفق المنهجية المعتبرة في الفتوى، فلا يمكن أبدا لدار الإفتاء أن تخالف العلماء، ولكن ما يجهله الكثير أن أمر الفتوى متغير باختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وقد لا يدرك الكثير ذلك أن ليس كل شيخ أو أزهري أن يصدر فتوى ، فالإفتاء صنعة ولها أركان وأدوات لابد من امتلاكها أولا قبل التصدى لأمر الفتوى، عملت دار الأفتاء على توافرها في كل من توليه أمر الفتوى باسمها.

وقبل أن أختم بنصيحة إلى الشباب الذين يقدمون على أمر التشكيك في الفتوى ولا يمتلكون الادوات المجيزة للفتوى، بضرورة ألا ينزعج القائمين في دار الأفتاء من هذا النقد المفتقر  لمنهجية علمية، وأن يحملوه كما ذكرت في مقدمة مقالي أنها غيرة غير منضبطة من الشباب على دينهم، وعليهم أن يقابلوها بمحاولة التقويم والرد عليهم بمنطقية تتفهمها عقولهم لأن هدفنا الوعي وتصحيح الأفكار المغلوطة والمشوهة التي يدسها البعض في عقول الشباب، لا أن نقصيهم فنتركهم لمن يعبث بهم، وعلى الشباب أن يواصلوا البحث لكن بأدواته المعتبرة حتى يتحققوا، وأن يتركوا المجال للمتخصصين فهم أحرى بالأمر من غيرهم، وأن يواصلوا السؤال والاستيضاح لكن بأسلوب يناسب ديننا وأخلاقنا، فلسنا أمة فوضوية ولكننا أمة منهجية معتبرة.