الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من خياط وكهربائي لمهندس.. حكاية كفاح بولا ابن الصعيد: بشتغل وأنا عمري 6 سنين

حكاية كفاح بولا أنيس
حكاية كفاح بولا أنيس من محافظة سوهاج

لم يبدأ حياته باللعب واللهو مثله كمعظم الأطفال في عمره لكنه حياها بالعمل الشاق منذ أن كان طفلاً يبلغ من العمر 6 سنوات يحفر فيها بولا أنيس مسيرة حياته من مساعد ترزي لطالب بكلية الهندسة جامعة سوهاج مقررا بحروف من نور أنه من المحن تولد المنح، وقد تتحول لحظات الألم إلى أمل  بقدر استياعبك وتعاملك مع قدرك في الحياة وابتلاءاتك وتحملك المسؤولية بقوة وصبر كالجبال فتبني مستقبلك بكل سعي حقيقي ومميز عن كثيرين.

 

يسطر بولا أنيس، من مركز دار السلام -قرية الكشح -بمحافظة سوهاج، حكاية كفاح مشرفة منذ طفولته وبالتحديد بعد وفاة والده إثر حادث أليم على طريق سريع حيث كان يبلغ الشاب العشريني وقتها سنتين من العمر، لكن رغم غياب الأب القاسي كان وجود الأم أكبر داعم للعائلة المكونة من 6 أبناء، تكبرهم فتاة درست السياحة والفنادق، يليها توماس الذي يعمل محامي، ثم مارك الذي يعمل بمجال التكيف والتبريد، أما الأخ الرابع فقد توفي منذ سنة ونصف، ليأتي من بعده بولا، طالب كلية الهندسة، وجرجس طالب الصف الثالث الثانوي.

الفضل لله ثم أمي وأخواتي السند 

«بفضل توفيق ربنا وفضل أمي عليه ودعم أخواتي تجاوزت كم تحديات كبيرة علشان أحقق حلمي».. بهذه الكلمات يوضح صاحب الـ 21 عاماً أنه بدأ قصة كفاحه في الحياة منذ أن كان في السادسة من عمره حيث عمل كمساعد ترزي مسؤول عن «قواطين الجلباب البلدي» حيث كان يركب 10 قطع في اليوم على الأغلب ليكون المقابل في ذلك 10 جنيهات تمثل مصاريف يومه، وكان يذهب بولا إلى مدرسته صباحاً ثم يخرج منها إلى عمله بقية اليوم مع اصرار والدته على إكمال دروسه التعليمية، لكن لانشغاله أكثر في العمل كان مستواه التعليمي ضعيف جداً مما كان يثير تنمر أساتذته عليه وباقي زملاءه «لما ما كنتش أعرف أجاوب كان المدرس يضحك الجروب كله عليه».  

بدأ بولا يسعي في تحسين مستواه التعليمي عندما نشبت حرب نفسية داخله دفعته إلى تغير حياته للأفضل وعدم الاستسلام لأي محبطات فبدأ في الاجتهاد في دراسته منذ بداية المرحلة الاعدادية مع احتفاظه بصنعة الخياطة، منوهاً « فى كل خطوة تغير مني للأفضل كنت بلاقي  ألف كلمة محبطة بس كنت بستمر، أنا خرجت من المرحلة الابتدائية بقرأ عربي مكسر ولا أفقه شيء في اللغة الإنجليزية تقريباً، لكن في المرحلة الإعدادية تفوقت فيهم بالإضافة إلى مواد أخرى، مثل: الرياضيات والعلوم».

تفوق في الدراسة وسعي بالعمل 

التغيير الكبير الذي صنعه بولا بسعيه واجتهاده من مستوي ضعيف بالمرحلة الابتدائية إلى مستوي متميز بالمرحلة الإعدادية لم يغيب فيها عن العمل حيث بدأ في تصليح الأجهزة الكهربائية مع أخيه وخاله، كما كان يستيقظ يومياً من الساعة الخامسة فجراً ليبدأ في بيع الفطير على مستوى منطقته باستخدام عجلته حتي بدأ ميعاد المدرسة في الثامنة صباحاً «كنت ببيع على الأغلب حوالي 100 فطيرة، ومكسبي فيهم 20 جنيه، ولما أدخل المدرسة كمان كنت ببيع لصحابي بسكويت علشان أقدر أجمع ثمن درسي، لكنني قررت إنه مش هينفع أشتغل غير في الإجازة من الصف الثالث الإعدادي».

وبكل جرأة وتحدي قرر بولا استكمال تعليمه في المرحلة الثانوية وبالتحديد الدراسة بشعبة «علمي رياضة» ليصبح مهندساً عندما يكبر: «كنت دايما بفرح لما أصلح حاجه معينة وتشتغل واسمع كلمة “الله ينور يا هندسة” فمن هنا قررت إن عاوز أكون مهندس» ورغم ذلك لم تترك الاحباطات الشاب الصعيدي بولا، فعندما وصل إلى الصف الثالث الثانوي بدأ حماسه الشديد يقل تدرجياً ليهدد تحقيقه لحلمه، مما أثر عليه نفسياً بشكل كبير « بقيت مش عارف اذاكر واكتئبت وحسيت إن حلم هندسة ده بعيد جداً، لكني تحديت نفسي من جديد كالعادة علشان أكمل صح وقررت إنى هقسم المواد؛ لأنه كانت مصاريف الدروس كتيرة واحنا مش معانا بالقدر الكافى لتغطية دروسى انا وأخويا ففكرت إنى أساعد نفسي وفعلا فتحت ماركت صغير فى البيت برأس مال 1000 جنيه من تاجر يقرب لينا، لكنه الآن تتجاوز تكلفته 60 ألف تقريباً بفضل الله وأمي فى فتره زمانيه تتجاوز السنتين».

بولا: اتقالي يا فاشل وكنت بذاكر من اليوتيوب 

لم يسلم بولا من عقبات جديدة في طريقه للوصول إلى حلمه فرفض دخول امتحان اللغة العربية وما يليها من مواد في الصف الثالث الثانوي لتبدأ الناس من حوله بترديد كلمات محبطة له، مثل: «انت فاشل ومش وش هندسة، ادخل حاجة تناسب مستواك» ليقرر من بعدها التركيز على نفسه وتحقيق التفوق اللازم للوصول إلى حلمه «في ثالثه ثانوي السنة التاليه لي بعد تأجيل السنه السابقة رفضت أخد دروس نهائيا، وكنت بذاكر وبحضر شرح من على اليوتيوب فقط».

«تجاوز صدمة وفاة الأخ».. قبل امتحانات بولا في الصف الثالث الثانوي توفىء تؤأم أخيه الأكبر مما ممثل للعائلة ضربة شديدة ألمتهم بشكل لا يوصف، فأصبح طالب الثانوية محطم نفسياً ولا يرغب في تحقيق أي شيء بالدنيا لكنه قرر خوض الامتحانات التي على الأبواب حتي يكون سبب في فرح يدخل إلى بيت عائلته «افتكرت موقفى فى لجنة امتحان ثالثه ثانوي فصعبت عليا نفسي جامد، وقلت مش ممكن الموقف ده يتكرر تانى، و كنت كل يوم ادخل غرفتى وأصلى واقول أمانة يارب مش عايز حد يشمت فيا وفعلا  ربنا وقف جمبى وسندنى وامتحنت ونجحت وجبت 94.5 %».

حلم بولا تحقق رغم الصعوبات 

فرحة لا توصف دخلت إلى بيت عائلة «أنيس» عندما التحق ابنه الأوسط بعد هذه المعاناة الجديدة بكلية الهندسة في جامعة سوهاج، حيث يدرس حالياً بالسنة الأولى من قسم الهندسة المدنية، موجهاً رسالة إلى طلاب الثانوية العامة والطالبات: «مهما كانت الظروف ومهما كان مستواك العقلى ما تحسش إن حلمك صعب؛ لأنه لو هو صعب ماكتش اللى قبلك حققه ، وصدقنى ادركت إنه مش بالعقل ولا بالشطارة ده كل ده توفيق من ربنا، ولم أنسىً قول استاذ لى ذات يوما: “انت عايش فى مياه البطيخ”، وأحب أقول له الآن: "شكراً جداً لحضرتك لدعمك، فلولا تحطيمك لى نفسياً بهذه الجملة ما كنت استطعت تحقيق اى شئ».  

ويكمل بولا الذي يمتلك موهبة الكتابة خاصة الروايات، فقد كتب رواية بالفعل تدور أحداثها حول رجل يحالفه الحظ الكبير في حياته لكن لا يكون سعيداً بذلك ويقرر بدلاً من الاستمتاع بحظه المفرط البحث عن أسبابه تحت عنوان: «إلياس والماس»، منوهاً: «الرواية من خيالي وليست لشخصية حقيقية، كمان مشارك فى ورش المسرح والفنون الشعبية السنة دي بالجامعة وآخر العام هشارك في عمل مع زملائي  في المهرجان الختامى بمهرجان الاسكندرية».

عمل دووب ورسالة شكر لا تفي

وعن استكمال عمله بجانب الدراسة حتي الآن، يلفت بولا إلى أنه لكي يحافظ على تفوقه الدراسي كان يعمل في فترات الإجازة فقط في الصف الأول والثاني الثانوي، مما اضطره إلى فتح الماركت الصغير لبيع المنتجات في الصف الثالث الثانوي حيث كانت تكلفة حصتين فقط يبلغ 50 جنيهاً في اليوم بما يعادل 1500 جنيهاً في الشهر، وهو ما لا يقدر عليه خاصة أنه لديه أخ صغير يأخذ دروس أيضاً، حتي أنه يعمل أثناء دراسته بالكلية الآن في هذا الماركت، وفي الإجازة يعمل مع أخيه  بتصليح الأجهزة الكهربائية.

ويختتم بولا موجهة رسالة لعائلته قائلاً: «إلى أمى ألغالية وأخواتى الإحباء أهديكم كل خطوة نجاح أخطوها الى الإمام؛ فلولا دعمك لى يا أمى ومساندتك لى ما كنت حققت شئ، ومهما قدمت ليكى الشكر مش هقدر أرد جزء من محبتك وحنانك عليا أنا وإخواتى فلقد كنتى لنا خير معين بعد ربنا، و قدرتى تكونى أب وأم وكل حاجه حلوه فى حياتي، وكمان شكري وتقديري وعرفاني إلى اخي الأستاذ توماس أنيس المحامى واللى بلجيء له في كل صغيرة وكبيرة فهو بمكانة ابى -الله يرحمه- شكرا لدعمك ليا ولأنك دايما كنت بطبطب عليا وتحتوينى رغم كل الظروف».

ويكمل ابن محافظة سوهاج: «أحب ايضا تقديم الشكر لأخويا الباشمهندس مارك  القلب الطيب وصاحب النصيحة الهادئة الدافئة اللى من القلب طالعة، شكرا لوقفتك جمبى برغم إنى كنت شغال معاك بالورشه، لكن دايما كنت بتنصحنى اتعلم وإن الوظيفه شئ بيساعد الانسان فى حياته، و احب أيضا وأنا متأكد من كل قلبى إنك فارقتنا بالجسد، لكن روحك باقيه معنا الى اخويا الشاب عريس السماء سمعان وحشتنى جدا يا أخويا وعزائنا الوحيد انك بتتشفع لينا امام عرش النعمة، كنت من اقرب الاشخاص الى قلبى ومازلت ترسو فى وجدانى، ورغم انك تكبرنى بـ 10 سنين، لكنك صاحبى وصديقى وحبيب عمرى الله يرحمك يا اخويا، وأيضا لم أنسي فضل أختى الوحيده عليا فبرغم أنها تسكن بالقاهرة وأنا بصعيد مصر إلا انها دائما برفقتى كلماتها ونصائحها تصطحبنى وكأنها امى الثانيه، نعم إننى ولدت يتيما لكن لى أم وأخت بمثابة أم ثانية ليا باخد رائيها ودايما بتفيدنى بتوجيهاتها ربنا يحافظ عليكى ودايما تكونى سعيده ولا يحرمنى من وجودك فى حياتى أبدا، وبرغم سن الفوتجرافر الصغنن جرجس، لكن حقيقى بتعلم منك، ربنا يكرمك يا جرجس ويارب تحقق كل اللى بتتمناه واشوفك دائما مبسوط وفرحان، ابنكم بولا أنيس يعقوب».

شاهد أيضاً: تنجيد وخردة وأحذية.. رحلة كفاح ريمون من الإبتدائي للوصول لكلية الهندسة.. فيديو