الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"ممالك الحب والنار" حين يتدفق السرد من رجل يشبه مدينته القاهرة

صدى البلد

في روايته الأخيرة "ممالك الحب والنار" والصادرة عن دار العين للنشر، يأخذنا الشاعر والكاتب أحمد الحلواني، لمنطقة تاريخية لطالما أثارت فضول الكثيرين، إذ ترجع بنا الرواية للعصر الفاطمي، وفترة حكم المستنصر بالله والذي واجهت فيه مصر الكثير من الأوبئة والمجاعات، فضلا عن انخفاض منسوب النهر، بالإضافة إلى تحكم الملكة "رصد" والدة "المستنصر"، واستحواذها على العرش، بسبب طمعها وجشعها؛ الأمر الذي أدى في النهاية لقرب حدوث الكارثة؛ وهو اختفاء الخلافة الفاطمية، لولا تدخل أمير الجيوش بدر الدين الجمالي، لإحكام السيطرة على ذمام السلطة واستمرار الخلافة الفاطمية.

يتدفق السرد داخل الرواية بطريقة شعرية، عبر عنها الكاتب بطرق عدة، فالنص يبدأ بالتدرج ويناقش ظروف وفاة "الظاهر لإعزاز الله" والذي حكم مصر بعد وفاة أبيه الحاكم بأمر الله، وهنا تبدأ أحداث الرواية تتسارع إذ تصبح زوجة الظاهر الملكة "رصد" هي المتحكم في زمام الأمور بشكل كبير داخل القصر، وقد أبعدت ابنها المستنصر عن الحكم وأغرقته في الملذات، وقربت منها بني جلدتها، وهو الأمر الذي أدى في النهاية لغضب الكثير من الجند، والذي أعطى جرس إنذار في النهاية لقرب نهاية الخلافة الفاطمية في ذلك الوقت.

فقر مدقع


تأخذنا الرواية بالتوازي وتحكي عن عائلة مصرية فقيرة تعيش في أقصى جنوب مصر، وتعاني من الفقر وضيق الرزق، إلى أن يعثر رب الأسرة "الفضل بن قادوس" على لُقى ذهبية كثيرة تعود لحقبة الفراعنة، داخل إحدى المقابر التي كان يشرف على عملية الدفن داخلها، وهنا يقرر أن ينقذ عائلته من الفقر، ويقرر أن ينتقل للقاهرة هو وعائلته لبدء حياة جديدة، يمكنه من خلالها بيع ما وجده من كنوز الفراعنة والاستثمار في التجارة بعيدًا عن أعين جيرانه داخل الكفر، الذين لطالما عرفوا عنه الفقر المدقع.


توظيف التاريخ

 

وينزل أبو الفضل مدينة الفسطاط وهناك تبهره المدينة هو وعائلته، وأخذ يراقب البشر والتجار، إلى أن التقى بالشيخ "طاهر أبو الحسن المنصور" وهو تاجر للأقمشة، ومن هنا بدأت العلاقة التي سادها الحب والاحترام، فساعده المنصور على تكوين تجارته، وازدهارها، وهنا يتعرضون للعديد من المشكلات بسبب الحقد عليهم.

حاول الحلواني خلال روايته أن يوظف التاريخ بطريقة تبدو سهلة، فقد وظف الكثير من المعلومات التاريخية لخدمة نصه الأدبي، وعرضها بطريقة لم تثر الملل، فقد تتبع أحوال شعب مصر خلال فترة حكم المستنصر بالله، لتقديم تأريخ من خلال عمله الروائي عن تلك الفترة، نتيجة تعرض شعب مصر لأهوال، ومجاعات، بالإضافة إلى عدم الشعور بالأمان، ونقص الرزق نتيجة استبداد وأنانية المستنصر، بالإضافة إلى تحكم الملكة "رصد"، واستحواذها على العرش.

 

جزء من الرواية

 

"غراب أسود، أشد من ظلمة جوف الليل، طار محلقا فوق قباب حط على إفريز شرفتها، مطلقا صرخة رددها القضاء أصمت القصر، أذنيها، واستوحش قلبها، وانقبض صدرها، لوحت بذراعيها كمن يحاول طرد هذا الصوت القاسي الذي يبث الخوف في صدرها فهي تعلم أن تعيقه نذير شؤم وفراق. رددت مرتعدة "اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك"، وهبت قافزة من فوق سريرها فوساوسها تطيح بكل حواسها، وعشرات الأسئلة تهاجمها كوحش صار يتغذى على مخاوفها، ذرعت أرجاء الغرفة وهي تقلب الأمور على كافة أوجهها، عقلها المثقل بالهموم 
لا يستطيع ملاحقة الأحداث وما آل إليه حال زوجها "الظاهر لإعزاز دين الله" خليفة المؤمنين، بعدما أصابه وباء "الطاعون"، وأصاب الكثير من أهل بر مصر كلعنة حلت على هذا الشعب، كانت موقنة أن الابتلاء بهذا المرض الخطير لا ينجو منه أحد، ولا ينفع معه علاج الأطباء، بل ربما يجر في أذياله الموت لكل أهل البيت. عوت من أعماقها كذئب جريح، فكيف تجلس بلا حراك في انتظار احتضار النور في عينيه، مستقبلا الموت في أي لحظة؟ كيف وهي العاشقة المدلّة في هواه، ولكن هل بيدها شيء؟ كم تمنت أن تقضي تلك اللحظات الأخيرة معه، حتى لو جمعها الموت معا كما جمعتهما الحياة.
مر أمامها شريط سريع من الذكريات يذكرها وقوعه في غرامها من أول لحظة، وكيف أشرت روحه بجمالها الأبنوسي الفاتن الأخاذ، وبهرت لبه بثقافتها الواسعة وذكائها المتقد، فلم يكن يرى غيرها رغم وجود عشرات السراري في القصر. لم ترتعد واستقر عزمها على رؤيته بأي ثمن، فكيف يمنعونها من الاقتراب منه؟ أو إلقاء نظرة أخيرة عليه تشفي غليل قلبها المشتعل، أليست زوجته، وأحق الناس برعايته والسهر عليه؟ خرجت من حجرتها تتخبط كالمجنونة، ترى كل ما حولها أشباحا مخيفة تقف لها في كل ركن بالمرصاد، لعنت هذا الدخان المتصاعد من البخور الذي يعمي عينيها ويخنق أنفاسها، ولكن ما باليد حيلة؛ فلقد أوصى الأطباء بإطلاقه في القصر حتى لا ينتشر المرض. هي هرعت الجواري حولها وصرخت إحداهن هلعا، تمنعها بالقوة مما هي مقدمة عليه".