الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطبتا الحرمين توضحان لماذا يتأخر المؤمنون يوم القيامة؟.. وتؤكدان: الإيمان باليوم الآخر وأهواله وأحواله يورث العبد صلاحا في عمله.. والصلاة يناجي فيها المهموم ربه ويبث شكواه.. والمبصر يقي نفسه الغموم

خطبتا المسجدين الحرام
خطبتا المسجدين الحرام والنبوي

خطيب المسجد الحرام:

  •  الإيمانَ باليوم الآخِرِ وأهوالِه وأحوالِه يُورِثُ العبد صلاحًا في عملِه
  • المؤمنون يتأخرون في اليوم الآخر لِيَرِدُوا الحوضَ الكريم

 خطيب المسجد النبوي:

  • الصلاة يناجي فيها المهموم ربه ويسكب بين يديه همومه ويبث شكواه
  • الهمّ والغمّ والكرب ابتلاء قد يصيب المرء في حياته
  • المسلم المبصر يقي نفسه من آفات الهموم وآلام الغموم بالإحسان في الصدقات

تناولت خطبتا المسجدين الحرام والنبوي، حقيقة الإيمان باليوم الآخر وتذكر أهواله وأحواله ، فإنها أمارة خير وهدى، فيما أن الغفلة عنه نذير سوء، فالإيمانَ باليوم الآخِرِ وأهوالِه وأحوالِه يُورِثُ العبد صلاحًا في عملِه، وزَكاءً في نفْسِه، واستقامةً في سيرته، فلا يَرتكِبُ المحرمات، ولا يُقارِفُ الموبقات، فضلاً عن ثواب الصبر على الهم والكرب واحتسابه عند الله تعالى .

ومن مكة المكرمة، قال الشيخ الدكتور بندر بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن السعيد من اتقى واهتدى والشقي من تمرد واعتدى، منوهًا بأن الإيمانُ باليوم الآخِر هو حقيقةٌ مُسَلَّمة، واعتقادٌ جازم، وركيزةٌ من ركائز الإيمان.

الإيمان باليوم الآخر

وأوضح «بليلة» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنه الإيمان بكل ما أخبر اللهُ به ورسولهُ –صلى الله عليه وسلم- مما يكونُ بعد الموت، وما أعدَّ اللهُ للطائعين من ثواب، وللعاصين من عقاب.

واستشهد بما سألَ جبريلُ عليه السلامُ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان فقال: «أن تؤمنَ بالله وملائكتهِ وكُتبهِ ورُسُلهِ واليوم الآخِر، وبالقدر خيرِه وشرِّه» أخرجه مسلم، موضحًا أنه بالإيمان به يتبيَّن المؤمنُ المصدِّق، من الكافرِ المكذِّب؛ إذْ هو إيمانٌ بالغيب، واطِّراحٌ للشَكِّ والريْب "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب" .

المشركون أنكروا اليومَ الآخرَ

وأشار إلى أنه حين أنكر المشركون اليومَ الآخرَ وارتابوا فيه وقالوا: "أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظما أنكم لمخرجون هيهات هيهات لماتوعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ومانحن بمبعوثين"ردُّ اللهُ تعالى عليهم، وكشفَ ضلالَهم، وأقام عليهم الحُجةَ بمجيء اليوم الآخر، وبيَّن الحكمةَ منه، فقال سبحانه "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون".

وتابع: وعاب سبحانهُ عليهم نسيانَهم له، وجازاهم على ذلك بنسيانِه لهم، ودخولِهم النار، وفَقدِهم النصير، فقال: اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين ، مشيرًا إلى أن اليوم الآخِر: يومٌ له في رُوْح العبدِ رَوْع، وفي جَوانحه منه رَهبة، هو يومُ التَّناد، يومُ الحَسرة، يومُ التغابُن، يومَ يقومُ الناسُ لرب العالمين، يومَ يُبعثَرُ ما في القبور، ويُحصَّلُ ما في الصدور، يومَ تُزلزَلُ الأرضُ زِلزالَها، وتُخرِجُ الأرضُ أثقالَها.

من مَهامِّ الرُّسُلِ

وأضاف أنه قد كان من مَهامِّ الرُّسُلِ عليهم السلامُ مع أقوامهم دعوتُهم إلى الإيمان باليوم الآخِرِ، وبيان ُأحوالِه وأهوالِه؛ ذلك أنَّ تذكُّرَه أمارةُ خير وهُدى، والغفلةَ عنه نذيرُ سوء ورَدى، وأول قَدَم يضعها العبدُ في ميدانِ اليومِ الآخِرِ هي بموته ثم قَبْرِه، وفي القبر الافتتانُ والامتحان، فيُكْرَمُ فيه أو يُهان ، يُوفَّقُ المؤمنُ ويُكرَّمْ، ويُخذَلُ الكافرُ ويُجَرَّمْ.

ودلل بما قال النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-: «إنه قد أُوحي إليَّ أنكم تُفتنون في القبور قريبًا أو مثلَ فتنةِ المسيحِ الدجال، فيُؤتى أحدُكُم فيُقال: ما عِلمُك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: هو محمد، هو رسولُ الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وأطعنا -ثلاثَ مِرار- فيُقال له: نَمْ، قد كنا نعلمُ إنك لتؤمنُ به، فَنَمْ صالحا، وأما المنافق فيقول: لا أدري! سمعتُ الناسَ يقولون شيئًا فقلت» أخرجه البخاري ومسلم، ثم أخبر صلواتُ الله وسلامُه عليه أنه يُفتَحُ له بابٌ إلى الجنة فيُقال له: هذا منزلُك لو آمنتَ بربك، فأمَّا إذْ كفرتَ به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا، ويُفتح له بابٌ إلى النار، ثم يَقمَعُه قَمعةً بالمطراق يسمعُها خَلْقُ اللهِ كلُّهُم غيرَ الثقلين» أخرجه الإمامُ أحمد.

في القبر النعيمُ أو العذاب

وأفاد بأنه في القبر النعيمُ أو العذاب، وبعده البعثُ وقيامُ الساعة، ثم تُعادُ الأرواحُ إلى الأجساد، وتتشققُ الأرضُ عنهم كما تتشققُ عن النبات فإذا كان ذلك قامت القيامةُ الكبرى، وخرج الناسُ من قبورهم لرب العالمين حُفاةً عُراةً غُرْلا، فتدنو منهم الشمس، ويغشاهم العَرَق، وتُنصَبُ الموازينُ لوزنِ الأعمال وتُنشَرُ صحائفُ الأعمال، فآخِذٌ كتابَه بيمينه، وآخِذٌ كتابَه بشماله أو مِن وراء ظَهره.

وواصل: ثم يُحاسِب اللهُ الخلق، ويخلُو بعبده المؤمنِ فيُقرِّرُه بذنوبه، ويُقِرُّ بها وهو يرجو رحمةَ الله، وأما الكافرُ أو المنافقُ فربما أقَرَّ بها، وربما جادل عنها، إلا أنَّ اللهَ سبحانه يُنطِقُ منه السمعَ والبَصَرَ والجوارحَ بما اقترفَ واجترح ثم تُرفَعُ لهم النارُ فيُحشَرون إليها، ويتساقطون فيها.

المؤمنون يتأخرون

وأكمل: أما المؤمنون فيتأخرون لِيَرِدُوا الحوضَ الكريم: حوضَ نبيِّنا محمدٍ –صلى الله عليه وسلم- ، ماؤُهُ أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيتُه عددُ نجومِ السماء، طُولُه شهر، وعَرضُه شهر، من يَشرَبُ منه شَرْبَةً لا يظمأُ بعدها أبدًا، ثم يوافيهُمُ الصراطُ المنصوبُ بين الجنة والنار، يعبُرونه على قَدْر أعمالهم، يتقدمُهُم الأنبياءُ والمرسلون وهم يقولون لِهولِهِ وشِدَّتِه: «اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ، اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ» ثم يُوقَفون على قَنطرة بين الجنة والنار، فيُقتصُّ لبعضهم من بعض، فإذا هُذِّبوا ونقوا دخلوا الجنة.

ونبه إلى أن الإيمانَ باليوم الآخِرِ وأهوالِه وأحوالِه يُورِثُ العبد صلاحًا في عملِه، وزَكاءً في نفْسِه، واستقامةً في سيرته، فلا يَرتكِبُ المحرمات، ولا يُقارِفُ الموبقات، ولا يُفرِّطُ في سعادته الأبدية الأُخروية، ويستبدلُ بها أدنى ما يكون من لَذَّة، مما هي سَحابةُ صَيفْ، أو خَيالُ طَيفْ، إنَّ الدنيا في إدبار، والآخرةَ في إقبال، وإنَّ أسْمى غايةٍ يَطمَحُ إليها المؤمن أن يَثقُلَ في اليومِ الآخِرِ ميزانُه، وحينها تُزَفُّ له البُشرى، ويَحْمَدُ السُّرى، ثم المصيرُ إلى دار الخُلْدِ والنعيم، بِمِنَّةِ الجوادِ البرِّ الكريم.

ومن المدينة المنورة، قال الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن من صبر على هموم الحياة اختياراً لا إكراهاً، واحتسب الأجر، كافأه الله خيراً على ما أصابه، وأخلفه الرضا.

الهمّ والغمّ والكرب ابتلاء

وأوضح «الثبيتي» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن الهمّ والغمّ والكرب ابتلاء قد يصيب المرء في حياته، فإن صبر واحتسب، ولزم طاعة ربّه يقيناً برحمته جلّ وعلا، فرّج الله همّه، ودفع عنه ما يضّره، ورفع درجته، وأثابه خيراً في دنياه وآخرته.

وأضاف أن الحياة المادية بلغت أوجها، لكنها لم تشف غليل النفس، ولم تشبع رغباتها المتناسقة مع طبيعتها التي خلقها الله عليها، فتزعزعت النفس، وقسا القلب، وانحسر معنى التوكل واليقين والرضا، وتسلّل إلى النفس الهم والقلق، وخيّم عليها الحزن .

الصلاة يناجي فيها المهموم ربّه

وتابع: هذه الهموم إذا تمكّنت من المرء فإنها تعيق انطلاقه، وتشتّت أفكاره، وتشلّ حركته، وتنخر في جسده، وتفسد عليه ابتهاج حياته، وتحشره في نفق الكآبة والاكتئاب، فتحيل حياته ضنكاً، وعيشه نكداً, وإذا اتّسعت مساحة الهمّ، فإنه يكسر من النشاط في الطاعة، ويقبض من عنان جواد سعي المسلم إلى مراضي الله عزّ وجل.

وأشار إلى أن الصلاة يناجي فيها المهموم ربّه، ويسكب بين يديه همومه، ويبثّ شكواه، ففوق العرش رحمن رحيم، أرحم بالعبد من نفسه، يسمع نجوى المهموم، وأنين المكلوم، ويستجيب الدعاء، قال تعالى: «أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ».

المسلم المبصر

ونبه إلى أن من صبر على هموم الحياة اختياراً لا إكراهاً، واحتسب الأجر، كافأه الله خيراً على ما أصابه، وأخلفه الرضا, قال سبحانه: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ».

وأكد أن المسلم المبصر يقي نفسه من آفات الهموم، وآلام الغموم بالإحسان في الصدقات، ورفع كرب المكروبين من الفقراء والضعفاء والمساكين, فإن من فرّج كربة مسلمٍ فرّج الله كَرْبه، قال تعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».