الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطبتا الحرمين تؤكدان: العلماء حراس الشريعة وحماة الأمن.. موت العالم كحضارة أمة تتهاوى.. والميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله.. وتوصيان: ترفقوا بكبرائكم

خطبتا المسجدين الحرام
خطبتا المسجدين الحرام والنبوي

خطيب المسجد الحرام: 

  • موت العالم ليس موت شخص واحد ولكنه حضارة أمة تتهاوى
  •  الميت يختم له على عمله إلا المرابط في سبيل الله
  • الأمن والأمان من أعظم نعم الله علينا
  • الإيمان والأمن متلازمان وحُرَّاسهما صِنْوَان أصلهما ثابت وفرعهما في السماء
  • العلماء حُراس الشريعة وحماة الأمن حراس الثغور
  • العلماء حُراسُ الدِّين وحماته من الابتداع والتَّحريف

خطيب المسجد النبوي: 

  •  من ترك اللين لا تنفك عقده ولا ينتهي نكده 
  • من حُرم حظه من الرفق حُرم حظه من الخير
  •  إذا أراد الله بأهل بيت خيراً دلهم على باب الرفق
  • ترفقوا بآبائكم وأمهاتكم وكبرائكم وشيوخكم والطاعنين في السن منكم

تناولت خطبتا المسجدين الحرام والنبوي، الحديث عن المقصد العام من التشريع وهو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاح المجتمع باستدامة صلاح المهيمن عليه وهو الإنسان، وإن هناك صنفين عظيمين، وفئتين مُهِمَّتين، هما صمام أمنه وطوق نجاته: العلماء حُراس الشريعة، وحماة الأمن حراس الثغور، فضلاً عن تأكيدهما على ضرورة الرفق على الجميع بلا استثناء، حيث إن من من حُرم حظه من الرفق حُرم حظه من الخير.

صمام أمنه وطوق نجاته

ومن مكة المكرمة ، قال الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام، إنه لَيْس يَخْفَى على أولي النُّهى والألباب أنَّ شريعتنا الإسلامِيَّة الغرَّاء تنظم مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد، وإن المقصد العام من التشريع هو: حفظ نظام الأمة واستدامة صلاح المجتمع باستدامة صلاح المهيمن عليه وهو الإنسان، وإن هناك صنفين عظيمين، وفئتين مُهِمَّتين، هما صمام أمنه وطوق نجاته: العلماء حُراس الشريعة، وحماة الأمن حراس الثغور.

وأوضح «السديس» خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن العلماء يقومون برسالتهم التي تشمل: صلاح الإنسان، وصلاح عَقْله، وصلاح عَمَله، وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بميزان الشَّرْع لا بأهواء النُّفُوس، فلا يقومُ عليه إلا أهْلَ العِلمِ المُخْلِصِين، والعلماء الرَّبَّانيين، ذَوِي العَقْلِيَّات الفَذَّة، والمَلَكَات الاجتهادية، الذين يُحْكِمُونَ الأُصولَ والقواعد، ويَزِنُونَ الأمُورَ بميزان الشَّرْعِ الحنيف.

 العلماء حراس الدين

وتابع:  فالعلماءُ هُم أئمة الأنَام، وزَوَامِلُ الإسلام، وحُراسُ الدِّين، وحماته من الابتداع والتَّحريف، وهم أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله، فهم عِصْمَةٌ للأمَّةِ من الضَّلال، وهم سفينةُ نُوح، مَن تَخَلَّفَ عنها –لاسيما في زمان الفتن- كان من المُغْرَقِين. فوجودهم في الناس صِمَام أمَان، ولكن بعض الناس في عمى عن مكانتهم غمزًا، وهمزًا، ولمزًا، فما أحسن أثرهم على الناس , وما أقبح أثر الناس عليهم كما قال الإمام أحمد ~، وموت بعض أهل العلم أو أحدهم ثُلْمَةٌ في الإسلام لا يَسُدُّها شيءٌ ما اختلف الليل والنهار.

وأشار إلى أن أعظم أنواع الفقد على النفوس وقعًا، وأشدّه على الأمة لوعة وأثراً؛ فقدُ العلماء الربانيين والأئمةِ المصلحين؛ فهم ورثة الأنبياء وخلفاءُ الرسل، والأمناءُ على ميراث النبوة، وهم للناس شموسٌ ساطعة، وكواكب لامعة، وللأمة مصابيح دُجاها، وأنوار هُداها، بهم حُفظ الدين، وبه حُفِظوا، وبهم رُفعت منارات الملّة، وبها رُفِعوا «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات».

موت العالم كحضارة أمة تتهاوى

واستشهد بما صحّ عند الإمام أحمد وغيره من حديث أنس أن رسول الله قال: "إنما مَثَلُ العُلَمَاء كَمَثَلِ النُّجُوم يُهْتَدَى بها في ظُلُمَاتِ البَّرِّ والبَحر، فإذا انْطَمَسَتْ النجوم أوشك أن تَضِلَّ الهداة"، وحسبنا في بيان فداحة هذا الخطب وعظيم مِقْدَار هذه النازلة قولُ المصطفى : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوسًا جُهالاً، فَسُئِلُوا، فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأضَلُّوا" (متفق عليه).

وتابع: وقال عبد الله بن مسعود : "عليكم بالعلم قبل أن يُقبض ؛ وقبضه ذَهَابُ أهله"، وعن علـي بن أبي طالب أنه قال: "إذا مات العالم ثُلِم في الإسلام ثُلْمَةً لا يَسُدُّهَا إلا خَلَفٌ منه" (أخرجه: البيهقي في شعب الإيمان). فموت العالم ليس موت شخص واحد، ولكنه بنيان قوم يُتهدم، وحضارة أمة تتهاوى.

وأفاد بأن من عظيم فجائع هذا الزمان؛ تَحَاتّ أوراق العلماء، وموت القامات العلمية والقضائية الكبرى في الأمة، وواجب المسلمين معرفة عظيم قدرهم، والإفادة منهم وذكرهم بالجميل، والدعاء لهم أحياء وأمواتا، والحمد لله على قضائه وقدره، وإنا لله وإنا إليه راجعون، واللهم أَجِرْنَا في فقدهم، وعَوِّض الأمة بفقدهم خيرا بعظيم الخلف المبارك، ولا يأس ولا قنوط، فالخير باقٍ في هذه الأمة إلى يوم القيامة.

الإيمان والأمن متلازمان

ولفت إلى أن الإيمان والأمن متلازمان، وحُرَّاسهما صِنْوَان أصلهما ثابت وفرعهما في السماء: حُراس الشريعة، وحُمَاة الثغور، لا حياة إلا بهما، ولا يستغني عنهما أحدٌ من الناس مادامت في الصدور أنفاس. ومنذ أن أشرقت شمس هذه الشريعة الغراء ظللت الكون بأمن وَارِفْ، وأمان سابغ المعاطف.

وواصل: ولقد كان الأمن أول دعوة دعا بها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حيث قال: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ» ، فَقَدَّم الأمن على الرزق، بل جعله قرين التوحيد في دعائه فقال: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ».

ودلل بما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جَارُهُ بَوَائِقَهُ" (متفق عليه)، فهنيئا للمرابطين ويا بشراهم، وعن ابن عباس { قال: سمعت رسول الله ج يقول: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" (أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن).

واستند لما روى البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ج قال: "رِبَاطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، ومَوْضع سَوْطِ أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوْحَة يَرُوحُهَا العبد في سبيل الله أو الغَدْوَة خير من الدنيا وما عليها"، وصح عنه أنه قال: "رباطُ يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإنْ مَاتَ جرى عليه عمله الذي كان يعمله" (رواه مسلم).

الميت يُخْتَم له على عمله 

وأكد أن الميت يُخْتَم له على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإن الله تعالى يُنْمِي له عمله إلى يوم القيامة، قال: "كل ميت يُخْتَم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله ؛ فإنه يُنْمَى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر" (أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)، قال الإمام القرطبي: "وفي هذين الحديثين دليل على أن الرباط أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت ، فإن الصدقة الجارية والعلم المنتفع به، والولد الصالح الذي يدعو لأبويه ينقطع ذلك بنفاد الصدقات وذهاب العلم وموت الولد. والرباط يضاعف أجره إلى يوم القيامة، لأنه لا معنى للنماء إلا المضاعفة، وهي غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه، بل هي فضل دائم من الله تعالى إلى يوم القيامة. وهذا لأن أعمال البر كلها لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منه بحراسة بيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام. وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة"، الله أكبر.

سهرتم فَنِمْنَا

ونوه بأنَّنَا لَنَفخر أعظم الفَخْرِ بأبطالنا رجال الأمن البواسل وحُرَّاس الثغور الأشاوس، وكُمَاة المَتَارِس، جنودنا المرابطين، وحُمَاة العَرِين، وأُبَاة العِرْنِين، ونوجه لهم من منبر المسجد الحرام تحيَّة شَذِيَّة، مُحَبَّرة مُضَوّعة مُعَطَّرَة نَدية، على نَصَاعة البطولات، والسِّجل الحافل من الانتصارات، تحيَّة إجْلالٍ واعتزاز، وثناء وافتخارٍ بامتياز، سهرتم فَنِمْنَا، وذُتُّم فأمِنَّا، في استبسال وشجاعة خُضْتم المعامع، فوجب علينا الدعاء لكم بفيض المدامع أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ».

نعمة الأمن والأمان

وذكر أن من أعظم النِّعم والآلاء علينا؛ نعمة الأمن والأمان؛ فبلادُنا -بحمد لله- آمنة مرغُوسة، وفي تُخوم الأمانِ مغروسة، وهي بحفظ الله محفوظة، ومن الأعادي -بإذن الله- مصونةٌ محروسة، وستظلُّ ثابتةً منصورة بفضل الله أولا ثم بفضل أبطالنا الأشاوس، وجنودنا البواسل، ونسور دفاعنا الجوي، وصقور قواتنا المسلحة، وسائر القطاعات العسكرية، بالتعاون مع قوات التحالف المشتركة الذين أثبتوا قولا وعملا ؛ الكفاءة العالية، والجاهزية المثالية، والترقب، والتحفز.

وأردف: واليقظة في اعتراض وتدمير الصواريخ المعادية ، والذود عن الوطن والمواطنين وحماية المقدسات، والحفاظ على المكتسبات، والمقدرات والمنشآت المدنية في تأكيد للعمل الأمني المشترك، صدًا لعدوان البغاة الإرهابيين وجرائمهم ضد المنطقة، ودَرْءًا للخطر الداهم الإقليمي والدولي، وغدا بشائر النصر التي تلوح « وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ~ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ».

أهمية التقيد بالإجراءات الاحترازية

وشدد على أهمية التقيد بالإجراءات الاحترازية، والتدابير الوقائية، والاشتراطات الصحية، حرصا على صحتكم، وسلامة أُسَرِكُم وأبنائكم، لاسيما مع انتشار الموجات المتجددة والسلالات المتحورة من هذه الجائحة الكورونية مما يتطلب الحذر والجدية في تطبيق الاحترازات، خاصة التباعد الجسدي، ولبس الكمامات، وعدم التجمعات، والسعي في الحصول على اللقاحات والجرعات المُعَزِزَة، فمناعتنا حياة، لاسيما مع العودة الحضورية الموفقة للمدارس، مما يتطلب التهيئة النفسية، وإيجاد بيئة صحية آمنة. حفظ الله بلادنا – بلاد الحرمين الشريفين - من كل سوء ومكروه، وسائر بلاد المسلمين.

الرفق رأس الحكمة 

 ومن المدينة المنورة ،  قال الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن حسن الأخلاق والرفق واللين زينة الشمائل وحلية الفضائل والرفق رأس الحكمة وحصن السلامة وسمة العاقل وسمة الفاضل وجناح النجاح.

من حرم حظه من الرفق 

واستشهد  «البدير» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، بما قال صلى الله عليه وسلم : « من أعطي حقه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير ومن حُرم حظه من الرفق حُرم حظه من الخير».

وأوضح أن الرفق هو لين الجانب ولطافة الفعل وحسن الصنيع وتقديم المداراة والملاينة وترجيح المقاربة، والدفع بالتي هي أحسن وترك الإغلاظ والعجلة ومجانبة العنف والحدة والشدة ومباينة الفظاظة والصلف والقسوة في الأقوال والأفعال والخروج عن حد الاعتدال وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها وأسهلها .

إذا أراد الله بأهل بيت خيرا

وأضاف أنه إذا أراد الله بأهل بيت خيراً دلهم على باب الرفق وما حرم أهل بيت الرفق إلا حرموا الخير وما أحسن البيوت يزينها الرفق ويلفها اللين ويجملها العطف والبر والحنان وتغشاها السكينة والطمأنينة وما أتعس البيوت يزلزلها الضجاج والجدال وتفسدها المشارّة والمشاغبة وتهدمها المخاصمة والمفاتنة .

الرفق المطلوب واللين المرغوب

وأشار إلى أنه من الرفق المطلوب واللين المرغوب الرفق بالمتعلم والجاهل والسائل وملاطفتهم وإيضاح المسائل لهم وإبانة الحق وتلخيص المقاصد وترك ما لا يحتملون وعذرهم فيما يجهلون وتعليمهم مالا يعلمون بالرفق واللين لا بالغلظة والجفوة والتعالي .

ترفقوا بآبائكم وأمهاتكم وكبرائكم 

وأوصى قائلاً: فترفقوا بآبائكم وأمهاتكم وكبرائكم وشيوخكم والطاعنين في السن منكم وقدموهم وأكرموهم وعظموهم وارفعوهم وترفقوا بالعجزة والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة وأعينوهم وقربوهم وأدنوهم ترفقوا بالفقراء والضعفاء والمساكين واحنوا عليهم وأغنوهم ترفقوا بالنساء والأطفال وارحموهم وأدوا حقوقهم ترفقوا بالأجراء والعمال والخدم الذين جعلهم الله تحت ولايتكم وكفالتكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون ولا تمنعون ما يستحقون ولا تسمعوهم ما يكرهون .

وأضاف أن من الناس من لا تنفك عقده ولا تلين يده، ولا ينتهي نكده فظ، جهول، عجول، مغرور، لا يحسن تقدير الأمور، مؤكدًا أن من لم يلن للأمور عند التوائها، تعرض لمكروه بلائها، ومن أطاع غضبه أضاع أدبه، ومن ترك اللين هجره الصاحب والمعين.