الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. ضياء الدين صبري يكتب: دلائل اقتصادية في شهر الصيام

دكتور جمال الدين
دكتور جمال الدين صبري

من الدلائل الاقتصادية في شهر رمضان المبارك، أن نسبة الاستهلاك ينبغي أن تنخفض إلى الثلث، باعتبار تخفيض عدد الوجبات من ثلاث وجبات في الأيام العادية إلى وجبتين في ذلك الشهر الكريم، وهذا ما لم يحدث بل ربما تزداد نسبة الاستهلاك فيه بالرغم من أنه فرصة لامتلاك إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة التي تنتابنا في هذا الشهر الكريم، وتحقيق التربية الاستهلاكية من خلال القاعدة القرآنية الإرشادية المعروفة: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا﴾ ( )

 هذه القاعدة هي محاولة لصياغة نمط استهلاكي رشيد وعملية تدريب مكثّفة تستغرق شهرا واحدا، تُفهم الإنسان أن بإمكانه أن يعيش بإلغاء الاستهلاك، وذات يوم أوقف سيدنا عمر بن الخطاب ابنه عبد الله (رضي الله عنهما) وسأله: إلى أين أنت ذاهب؟! فقال عبد الله: للسوق  وبرر ذلك بقوله: لأشتري لحما اشتهيته، فقال له الفاروق: أكلما اشتهيت شيئا اشتريته( ).

  والإسراف في كل شيء ممقوت حتى مع السعة؛ فقد جاء التوجيه النبوي لمن أراد الوضوء بعدم الإسراف في الماء ولو كان على نهر جار، إنها حكمة اقتصادية  وقاعدة استهلاكية رشيدة.

 ومن وصايا الرسول الكريم في مجال الإنفاق الاعتدال: ﴿ما عال من اقتصد﴾()،  ومعنى الحديث واضح بأن من ضبط مصاريفه ونفقاته فإنه يأمن في الغالب من الفقر وغوائله، أو الإفلاس باللغة المعاصرة، وهذا الحديث يلخص قاعدة اقتصادية عليها مدار كثير من أعمال الشركات والمؤسسات والدول اليوم وهو ما يسمى بسياسة ضبط النفقات، فكثير من الشركات التي أفلست أو انهارت كان من أسباب انهيارها هو الإسراف في النفقات وعدم ضبطها وترشيدها.

وجاء في الأثر عن سيدنا يوسف عليه السلام: أنه لما صار أمينًا على خزائن الأرض ما كان يشبع قط؛ فلما سُئل عن ذلك قال: أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع، وكان من هديه (ﷺ) أن يفطر على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها فعلى حسيات من ماء( )، وهذا يدل على أن النبي (ﷺ) كان يتخذ شهر رمضان ترويضًا وتربية للنفس، لا كما نفعل نحن من تخمة أنفسنا بالملذات من مآكل ومشارب، تحرك الجوارحَ إلى المعاصي، وتثقلُها عن الطاعات، وتستهلك الأموال وتضيع الأوقات في الأسواق بحثًا عن ما لذ وطاب من الطعام.

 لقد عرفت الأمة الإسلامية الجوع كوسيلة من الوسائل التربوية التي تعين على التقشف وتحمل الأزمات وإحسان العبادة لله؛ فقد كان رسول الله (ﷺ) وصحابته والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم يبيتون الليالي الطوال جائعين يشدون الأحجار على بطونهم الخاوية، ولا يأكلون إلا ما يأكل سائر الناس، فأين أمتنا من تلك النماذج العملية وهي تترف في النعيم وتنفق بغير حساب وكأنها حلت أزماتها، وتقدمت على غيرها من الأمم، وتحقق لها السيادة والريادة، ناسية أو متناسية أنها ما زالت تعاني من الفقر والتخلف والأزمات الاقتصادية الطاحنة والمتلاحقة.

بيد أن هناك قضية مهمة، هي أن الاقتصاد في الحاجات الأساسية لا يعني أن يعيش المسلم بعيدًا عن التمتع في هذه الحياة وفق الضوابط الشرعية والقيود الأخلاقية.

ذلك لأن التمتع بهذه الدنيا ونعيمها لا يتنافى مع نظرة الإسلام الاقتصادية؛ يقول (ﷺ): ﴿أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ﴾ ( ) ورحم الله الإمام الحسن البصري القائل: إن المؤمن أخذ عن الله أدبًا حسنًا، إذا وسع عليه وسع فإذا قتّر عليه قتر( ).

 

أستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر
وعضو مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية