الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطبتا الجمعة بالمسجدين الحرام والنبوي : صلة الرحم من كمال الإيمان .. التواصل مع الأهل خصلة أهل الإحسان .. خير ما ينفقه الإنسان يكون على الأقارب .. والقلوب مناط التكليف والاختبار وعليها مدار القبول

خطبتا المسجدين الحرام
خطبتا المسجدين الحرام والنبوي

خطيب المسجد الحرام: 

  • صلة الرحم صفة كريمة تعلو بها المراتب وتحسن بها العواقب
  • صلة الرحم من علامات كمال الإيمان وخصلة أهل الإحسان
  • أخذ الله على صلة الرحم ميثاق أهل الأديان من قبلنا
  • خير ما ينفقه الإنسان ما يكون على قرابته

خطيب المسجد النبوي: 

  • القلب وعاء الخير والشر في الإنسان ومصدر الكفر والإيمان
  • القلوب مناط التكليف والاختبار وعليها مدار قبول الأعمال والحساب
  • أحيوا القلوب بذكر الله واحذروا من الغفلة والقسوة واتقوا محارم الله 

أوصت خطبتا المسجدين الحرام والنبوي ، بالحرص على صلة الأرحام حيث إنها من صفات النبي -صلى الله عليه وسلم الكريمة، التي بها تعلو المراتب وتحسن العواقب، كما أن الله تعالى قد أخذ عليها ميثاق أهل الأديان من قبلنا، ففضلها عظيم وتاركها من الخاسرين، كما نصحت بإحياء القلوب بذكر الله تعالى ، لأن القلب هو سيد الجوارح.

ومن مكة المكرمة ، قال الشيخ ماهر المعيقلي ، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إن قد خلقنا الله عز وجل بحكمته وتقديره، من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، يلتقون في وشيجة واحدة، ويتصلون برحم واحدة.

صفة كريمة تعلوا بها المراتب 

واستشهد «المعقيلي» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، بما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا »، فصلة الرحم، والإحسان إليهم، صفة كريمة، تعلو بها المراتب، وتحسن بها العواقب.

وأوضح أنه أخذ الله سبحانه وتعالى على صلة الرحم ميثاق أهل الأديان من قبلنا، فقال جل وعلا: « وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»، وهي من خصال نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن فضائله التي عُرف بها قبل بعثته، فحين رجع من غار حراء، فزعاً وجلاً، قَالَ لخديجة رضي الله عنها: «قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»، قَالَتْ: "كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ"، رواه البخاري ومسلم.

توثق عرى القرابة 

وأكد أن صلة الرحم، توثق عرى القرابة، وتزيل الشحناء والعداوة، وتزيد في الأعمار، وتعمر الديار، وتبارك في الأرزاق، فمن أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه، والنفس الرحيمة الواصلة، الكريمة الباذلة، يورث الله لها ذكرا حسنا في الحياة، وبعد الممات، فتعيش بين الناس بذكرها، والدعاء لها.

وتابع:  ناهيك عما لا يعلم به إلا الله جل جلاله، مما خفي من النعم لها، ودفع النقم عنها، وما ادخره الله تعالى لها في الآخرة، فصلة الرحم، من أسباب الفوز بالجنان، والنجاة من النيران، منوهًا بأن لصلة الرحم يا عباد الله، مجالات شتى: زيارتهم والدعاء لهم، وتَفَقُّدُ أحوالهم، وقضاء حوائجهم، والإهداء إليهم، والتصدُّق على فقيرهم.

مجالات صلة الرحم أصدق الصلة

وواصل:  وعيادة مريضهم، وإجابة دعوتهم، ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم، مع بشاشة في الوجه، ولين في المعاملة، وجماع ذلك كله: الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ فِي الْمَقَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَبَذْلِ الْأَمْوَال ولما أراد أبو طلحة رضي الله عنه، أن يتصدق بمزرعته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ»، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ، وَبَنِي عَمِّهِ، رواه البخاري ومسلم.

 وأشار إلى أن خير ما ينفقه الإنسان، ما يكون على قرابته، فمن كان له رحم فقير، كان الإنفاق عليه صدقة وصلة، وإن كان من ذوي السعة، كانت له هدية وصلة، ففي سنن ابن ماجة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ».

ودلل بما جاء في مسند الإمام أحمد: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ، الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ»، والكاشح هو المعادي، ولا شك أن الصدقة عليه، أقرب إلى الإخلاص؛ لأن عداوته، تقتضي منع الصدقة، فبإكراه النفس على إعطائه، يعظم فضل الصدقة، بخلاف ذي الرحم المواصل، فالحامل على إعطائه حاصل.

 أصدق الصلة 

وأفاد بأن أصدق الصلة الإحسان إلى الأقارب ولو أساؤوا، ومداومة صلتهم ولو قطعوا، حفاظاً على صلة الرحم، وطاعة لله ورسوله، ففي صحيح مسلم: أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».

 وبين: أي أن إحسانك إليهم، مع إساءتهم لك، يتنزل في قلوبهم منزلة النار المحرقة، لما يجدون من ألم الخزي والفضيحة، الناشئ في قلب من قابل الإحسان بالإساءة، والله تعالى يؤيدك بالصبر على جفائهم، ويعليك عليهم في الدنيا والآخرة، ما دمت على برك وإحسانك، وتزداد الصلة أجرا، حين تسمو النفس، فتحسن الظن، بتأويل الهفوات، ومحو الزلات، وإقالة العثرات، والنظر فيها، بعين العاذر الكريم.

قطيعة الرحم 

وحذر من قطيعة الرحم، حيث إنها كبيرة من كبائر الذنوب، جاءت النصوص الصريحة بالتحذير منها، وتوعد سبحانه مرتكبها، بأنواع من العقوبات، في الدنيا قبل الآخرة، فما من ذنب، أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم.

ونبه إلى أن من قطع رحمه قطعه الله، ومن قطعه الله جل جلاله، فأي خير يرجوه، وأي شر وسوء يأمن منه، ففي صحيح البخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ».

ودلل بما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ »، فقاطع الرحم، مطرود من رحمة الرحيم، متوعد بنار الجحيم، ففي الصحيحين، عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ».

معاداة ذوي الرحم 

واستطرد : فلذا إخوة الإيمان: معاداة ذوي الرحم، بلاء وشر، الرابح فيها خاسر، والمنتصر مهزوم، ورب قطيعة بين ذوي رحم، توارثها الأبناء عن الآباء، فكان على الآباء وزرها، ووزر من وقع فيها، وربما توالت السنون والأعوام، وأدرك القاطعَ فيها هادمُ اللذات، ومفرق الجماعات، حينها لا ينفع الندم، ولا التأسف والألم، فلا لقاءَ للمتقاطعين إلا بعد البعثِ والنُّشورِ، حين تكون الرَّحِمُ على جانِبَيْ الصِّراط، فتختطِفُ من ضيَّعَها فتُردِيه في دار البوار.

وأشار إلى أن صلة الرحم، علامة من علامات كمال الإيمان، وخَصلة من خصال أهل الإحسان، فمن مقاصد الإسلام العالية، وركائزه العظام السامية، نشرُ المحبة والألفة بين العباد، ونبذ التخاصم والتدابر والأحقاد، فلذا أمرت الشريعة بصلة الأرحام، وإن كانوا على غير الإسلام.

وذكر ما ورد في الصحيحين، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ».

واجبة للمحارم

وشدد على أن صلة الرحم، واجبة للمحارم، من آباء وأمهات، وإخوة وأخوات، وأعمام وعمات، وأخوال وخالات، وكلما كان الرحم منك أقرب، كان حقه عليك أولى وأوجب، أمك وأباك، ثم أختك وأخاك، ثم أدناك أدناك، وإن من كمال الإحسان والصلة، الإحسانُ إلى الرحم البعيدة، فمن حرصه صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم، أوصى بأهل مصر خيرا، وذكر بأن لهم رحما وصهرا.

ودلل بما في صحيح مسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا»، أَوْ قَالَ: «ذِمَّةً وَصِهْرًا». قال الإمام النووي رحمه الله: "وأما الرحم: فلكون هاجر أم إسماعيل عليه السلام منهم، وأما الصهر: فلكون مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم منهم".

 ومن المدينة المنورة ، قال الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف،  إن القلوب لتمرض وتموت، وتصلب فتقسو قسوة فتصير مثل الحجارة الصم أو أشد قسوة.

القلوب تمرض وتموت

وأوضح «العيجان » خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أنه إذا جفت القلوب وقست فإن طريق التأثير والموعظة إليها مسدود ولن تستجيب للعلاج ولن تقبل الهدي ولن تذعن للحق، فأحيوا القلوب بذكر الله تعالى واحذروا من الغفلة والقسوة، واتقوا محارم الله عز وجل .

ونبه إلى أن أعظم مصيبة تميت القلوب وتحجب عنها كل خير ومرغوب وتمنعها من كل مطلوب القسوة والغفلة ، فبسببها يطبع على القلب بالران، ويحجب عن الخير والإيمان فيميل إلى الفسق والعصيان، فقال تعالى : « وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ».

القلب وعاء الخير والشر

وأضاف أن القلب وعاء الخير والشر في الإنسان وهو مصدر الكفر والإيمان وهو سيد الجوارح المسؤول عن توجيهها وآلة العقل التي يتم الإدراك بها، بصلاحه تصلح الأجساد والأبدان، وبفساده تفسد الجوارح والأركان، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ».

وأشار إلى أن القلوب مكمن الإرادة والاختيار وهي مناط التكليف والاختبار وعليها مدار قبول الأعمال والحساب ومضاعفة الثواب والعقاب، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  : « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، مشيرًا إلى أن القلوب سريعة التقلب والتبدل كثيرة التغير والتحول.

وبين أن الله سبحانه وتعالى يمتحن القلوب عند الفتن والمحن والابتلاءات، فمن كان فيما بينه وبين الله في داخل نيته التي لا يطلع عليها إلا الله صادقًا مع الله، ثبته وأسعده في الدنيا والأخرة ، فقال تعالى : « يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ».