الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من "بريد القراء" إلى "الكومنت والشير"

عزة عاطف
عزة عاطف

إذا كنت من معاصري مجد الصحف وقيمة الجرائد الورقية، فبالتأكيد يستقر في ذهنك مشهد ذلك الرجل الذي امتطى كرسيه كالجواد على إحدى المقاهي الشعبية القديمة أو في المواصلات، وأمسك بالصحيفة بين يديه كفارس مغوار نزل إلى أرض المعركة ليتلقى خبرًا عن زيادة الأسعار فيسخط ويلعن، أو عن زيادة الدعم على بطاقات التموين فيهلل، ثم يضربه فجأة خبر انتقال لاعبه المفضل إلى نادي منافس فيرتفع ضغطه، ويقرر الذهاب إلى صفحة الفن للترفيه عن نفسه، فيجد الفنانة "فلانة" في "لوك" جديد، والفنان "علان" يطلق فيلمه الأخير، فتنفرج أساريره وينشرح صدره.

وفجأة يأخذه الفضول و"الفر" في صفحات الجورنال إلى صفحة الحوادث والقضايا المجتمعية فيثقل كاهله بالهموم ويدمي قلبه على الضحايا الذين سالت دماءهم حين غرة في كل مكان على الصفحة، فيحوقل ويوحد الله ويحمده على نعمه، ثم ينتقل إلى الجانب الأيمن من الصفحة الثانية لقراءة حظه آملًا ألا يكون في نهاية اليوم ضمن إحدى فقرات صفحة الحوادث.

وإذا كنت من "شباب اليومين دول" فأنت بالتأكيد رأيت هذا المشهد في الأفلام وتعرف جيدًا ما أنا بصدد الحديث عنه اليوم.

السؤال الأهم هنا.. ماذا لو أخبرت هذا الرجل أن تلك الصحيفة التي أنهاها في جلسة واحدة وتعب من قراءتها أسبوعًا كاملًا، بل وعندما فرغ منها افترشها تحت أكلة سمك "ترُم العضم" منتظرًا صدور العدد التالي، يمكنها التحول إلى كنز من الأخبار اللامتناهية بين يديه "محشورة" داخل شاشة صغيرة اسمها "الموبايل" أو على جهاز كمبيوتر صغير يحمله معه في كل مكان، هل كان ليصدقك؟

هل تساءلت يومًا ماذا يفعل هذا الرجل الآن؟ هل مازال يركض يوميًا لشراء صحيفته الورقية في حين أن "الصحافة الإلكترونية" وفرت له جميع سبل الراحة لمتابعة أخبار العالم ونجومه المفضلين وكل ما يهمه ولا يهمه أثناء نومه على السرير!.

ونقلته من "بريد القراء" لمشاركة أفكاره وتعليقاته التي تغلي بداخل صدره في نفس اللحظة من خلال "التعليق" و"المشاركة" على كل موضوع أو قضية تشغل الرأي العام.

إن الدور الفعال الذي احتلته الصحافة الإلكترونية بمختلف أشكالها التكنولوجية والرقمية جعل الخبر "في جيوب الناس"، ورغم أن الصحافة الورقية لازالت تحظى برونقها ووقارها عند فئة كبيرة من الشعب إلا أن الصحافة الإلكترونية اليوم تناطحها بجذب الجمهور من خلال عرض كل ما يهمه وليس كل ما يحتاجه.

فإذا كانت الصحافة قديمًا تبنى على المعلومة فأمس كانت تبنى على "اهتمام الجمهور"، أما اليوم فقد استمرت الصحافة الإلكترونية في النهوض والرقي على أكتاف الصحافة الورقية حتى أخذت منها ميزتها الحسنة التي لطالما تباهت بها الصحف من خلال دورها الرقابي في كشف المستور والإطاحة بدزينات من الفاسدين بواسطة "كلب الحراسة" الذي ظل مستقصيًا كرقيب عتيد على كل من تسول له نفسه خداع المواطنين أو نهب حقوقهم.

فقد تجلت الصحافة الإلكترونية بدورها الرقابي الجديد في واقعة فضيحة "جداريات المترو" التي رصدتها الزميلة «أماني إبراهيم» وتحققت منها ثم تواصلت مع الفنان الروسي صاحب الرسومات، وعلى إثره توجهت الدولة المصرية بشكل حضاري بالاعتذار للفنان «جورجي كوارسوف» ومحاسبة المسئولين عن الواقعة والتي انتهت بإقالة رئيس الهيئة القومية للأنفاق.

وهو الأمر الذي أبرز دور الصحافة الإلكترونية في المراقبة والمحاسبة وحتى إقالة المسئولين، معتمدة على ركائز هامة افتقدت لها الصحافة الورقية من قبل، والتي تتمثل في التأثير على والتأثر بـ الرأي العام بشكل أسرع، بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى المعلومات، وكذلك الأشكال الصحفية والرقمية المختلفة التي تدعم القصص الخبرية والصحافة الاستقصائية بشكل كبير.

فاليوم لا يهتم العديد من قراء الحاضر والماضي بتحميل الصحف بشكلها الورقي من على الإنترنت رغم تواجدها، بل تنجذب أعينهم للأشكال الصحفية المختلفة من صور، تعليقات ومقاطع فيديو توفرها نفس مواقع الصحف التي اعتادوا قراءتها، وهو ما يلفت النظر إلى ضرورة وضع المسئولين دور المواقع الإلكترونية والصحافة الرقمية نصب أعينهم وتطوير القوانين النقابية لتوفير فرص عمل ودعم معيشي آمن لمحرري المواقع الإلكترونية كشخصيات لها دور بارز في توجيه المجتمع، على السلطات الرقابية والنقابية الاستفادة منه في إعادة المواطن للاهتمام بالمعلومات الصحفية التي يحتاجها أكثر مما يريدها.